طغت مصطلحات جديدة في التفاعل بين الناس مع انتشار فيروس كورونا (كوفيد– 19)؛ منها «التباعد الاجتماعى» والحجر الذاتى والحجر المنزلى. وحرص كثيرون في جميع أنحاء العالم، على الالتزام بالإرشادات والقواعد لتجنب المرض، بينما تجاهلها البعض، وكأنهم بمعزل عن الإصابة، وتعرض آخرون لحالة نفسية مرضية خوفا من الفيروس.
وشددت منظمة الصحة العالمية على ضرورة الاحتفاظ بمسافة، لا تقل عن متر أو 3 أقدام بين الأشخاص، محذرة من الذين يسعلون ويعطسون.
وقالت المنظمة في توجيهاتها بشأن «التباعد الاجتماعى» إن الشخص الذي يسعل تتناثر من أنفه أو فمه قطيرات سائلة صغيرة، أو رذاذ يحتوى على الفيروس، فإذا كنت شديد الاقتراب منه يمكن أن تتنفس هذه القُطيرات، والفيروس المسبب لمرض كوفيد- 19. وقالت صحيفة «واشنطن بوست» أن أكبر تغيير في أسلوب الحياة بالحجر الصحى، هو «قلة التنقل» وأوصت المنظمة، مراكز السيطرة على الأمراض، بتقييد الأنشطة خارج المنزل، باستثناء الذهاب إلى الطبيب، لكن لا تذهب إلى العمل أو الأماكن العامة، مع تجنب استخدام المواصلات العامة أو سيارات الأجرة».
وفيما يتعلق بالآثار النفسية الناجمة عن التباعد الاجتماعى، والحجر الذاتى في المنازل والحجر الصحى، قال الدكتور جمال فرويز، استشارى الطب النفسى، زميل أبحاث الطب النفسى بجامعة ليدز بانجلترا: «إن كوفيد- 19 مرض مرعب، وفى الوقت نفسه مرض سهل، موضحا أنه مرعب إذا أهمل الناس الإرشادات والنصائح الطبية والتوعية لمقاومة الفيروس، وسهل إذا التزم الناس بتجنب الزحام وأماكن التجمعات والمخالطة، إلا في حالات الضرورة القصوى جدا، مشددا على ضرورة الابتعاد قدر الإمكان عن الناس والالتزام بشرب الماء.
ونبه «فرويز» إلى أن هناك حالات نفسية صاحبت تفشى وباء كورونا (ما نسميه القلق النفسى والتوهم والوسواس المرضى) وفى هذه الحالة يظن الشخص أنه يعانى من أعراض المرض، وهو في حقيقة الأمر ليس مصابا على الإطلاق، مؤكدا أن المعيار الذي يفصل في شكوى المصابين بالوسواس وشكوى المصابين فعليا، هي أعراض الإصابة بالفيروس المعروفة؛ مثل ارتفاع شديد في درجة الحرارة، والسعال المستمر والقىء وغيرها.
ويرى «فرويز» أننا في حالة حرب، ولابد أن نكون مستعدين نفسيا للتعامل مع هذه الحالة، وأن نمتثل للأوامر الطبية والعسكرية؛ فنحن في حالة التباعد الاجتماعى نلتزم بيوتنا وتكون عامرة بنا أفضل أم نعبث بصحتنا ولا نتبع الإرشادات؛ ثم تصبح البيوت خاوية من سكانها بسبب الوباء؟
ونصح «فرويز»، الآباء بإعداد «خطة إشغال أو إلهاء» للأطفال في البيوت، من خلال الكمبيوتر والموبايلات وعقد مسابقات تشجيعية أو أي وسيلة إلهاء، للحد من الأثر النفسى جراء العزلة الاجتماعية، لافتا إلى أن مشروع التربية والتعليم الخاص بسنوات النقل في المرحلة الابتدائية، هو إحدى الوسائل المهمة، مشيرا إلى أن جامعة هارفارد الأمريكية تقيم في الوقت الراهن دورات مع التخصصات الطبية في جميع أنحاء العالم للتوعية بمخاطر المرض وسبل مواجهته، وأكدت أننا سوف نجتاز الأزمة إذا التزمنا بالإرشادات الطبية.
وطرحت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية سؤالا وهو: هل كل من يخضع للحجر الصحى أو المنزلى مصاب بالفيروس؟
وأجابت بالنفى، موضحة، أن «الحجر» يستهدف تقييد حركة المشتبه في تعرضهم للوباء المعدى، لكنهم لم يظهروا نتيجة فحص إيجابية بالإصابة، فيما أوصت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية بمدة حجر 14 يوما، يجرى فيها عزل المصاب حتى يتبين ما إذا كانت الأعراض المشابهة للإنفلونزا تتطور أم لا، مشيرة إلى أن هذه هي مدة حضانة الفيروس، وهى مدة الحضانة ذاتها الخاصة بفيروس «ميرس» الذي ينتمى للعائلة الفيروسية نفسها.
وأوضحت مراكز السيطرة على الأمراض، أن الحجر الصحى لا يعنى أنك لا تستطيع أن تعيش مع رفاق حجرتك أو أسرتك، فبينما توصى مراكز السيطرة على الأمراض بأن تبقى في غرفة نومك، وتستخدم مرحاضا منفصلا إذا كان متاحا، وأن ترتدى كمامة وسط الآخرين، وألا تشارك في الأطباق والفوط وأغطية السرير، إلا أنك لست بحاجة إلى الخروج. ولكى تمنع الفيروس من الانتشار، حافظ على مسافة بينك والناس، وامنع الزيارات غير الضرورية، واغسل يديك، وعليك أن تنظف الأسطح التي تتعرض لأعلى نسبة من اللمس؛ مثل مقابض الأبواب، وأسطح المناضد والحمامات والتليفونات، وإذا كنت بحاجة إلى مشاركة شىء ما مع الآخرين في «الحجر» عليك أن تغسلها بالماء والصابون.
والحجر الصحى بوجه عام، هو الحصول على الوقت الضرورى لتوفير الحماية، في مواجهة خطر انتشار أمراض بعينها، لكنه يشير في سياق الرعاية الصحية إلى مختلف الإجراءات الطبية المتبعة لإحباط انتشار العدوى، التي قد تنتشر في المستشفيات، حيث توجد صور مختلفة للحجر الصحى تُستعمل اعتماداً على نمط العدوى والعوامل المتضمنة في انتشارها، بهدف مواجهة التشابه في عملية الانتشار عبر الجسيمات الهوائية أو القطرات، أو عبر الاتصال عن طريق الجلد، أو عبر سوائل الجسم.
وأكدت مراكز السيطرة على الأمراض، أنه من الحكمة تقييد العلاقة مع الحيوانات الأليفة، حتى يعرف الباحثون، أكثر ما إذا كان ممكنا أن تصاب الحيوانات بالفيروس من عدمه، فإذا لم يكن تجنب هذه الحيوانات خيارا، فيجب عندئذ ارتداء كمامة وغسل اليدين، قبل وبعد التفاعل مع الحيوانات.
وأشارت الصحيفة الأمريكية، إلى نصيحة أستاذ الأوبئة بجامعة نيويورك، روبين جيرشون، بتجنب ركوب مترو الأنفاق، إذا ما كنت مصابا بالأعراض، لكنها لا تخفى أن الأمر مثير للحيرة؛ خاصة فيما يتعلق بالخلط بين العزل والحجر، معربة عن تفاؤلها بأن هناك حاجة أقل للبقاء معزولا لمدة أسبوعين، إذا ما تحسنت نتائج الفحص الخاصة بالفيروس. مفهوم الحجر ليس جديدا، حتى إن الطاعون «العقدى» الذي نشأ من البراغيث واجتاح أوروبا، في القرن السابع عشر، استدعى، حسب «واشنطن بوست»، إقامة حجر صحى واحد على الأقل في كل قرية، ما أدى إلى إنقاذ القرى المجاورة.
وقالت الصحيفة، إن العزل هو فصل الأفراد ممن تثبت «إصاباتهم المؤكدة» بعيدا عن السكان، حتى يتسنى تحسنهم بدون انتشار الفيروس، مشيرة إلى أن «التباعد الاجتماعى» يشمل تكتيكات يستعملها الناس لفصل أنفسهم عن بعضهم البعض، والحد من خطورة الإصابة، ما يعنى أي فعل بدءا من تجنب الفعاليات المزدحمة، وصولا إلى تحية الأصدقاء بإيماءة بالرأس، بدلا من تبادل القبلات والأحضان.
وقالت واشنطن بوست: «الخبراء يوصون، بشكل عام، بالبقاء في المنزل إذا كنت في منطقة انتشر فيها الفيروس، أو إذا كنت مصابا بالأعراض، وعليك أن تستشير الطبيب إذا لم تكن متأكدا ما إذا كان يجب أن تطبق الحجر الذاتى.
ولكى تخضع للحجر، فإنك قد لا تكون بحاجة إلى الذهاب إلى مكان خاص؛ فمعظم المنازل تؤدى الغرض، رغم أن مسؤولى منطقة سياتيل إشتروا فندقا بأربعة ملايين دولار للمرضى الذين يظنون أنهم قد يشكلون حالات خاصة، لكن إذا كنت بالمنزل تأكد أنه مجهز بكل ما تحتاج إليه لمدة 14 يوما وفقا لـ«واشنطن بوست».
وقالت الصحيفة: «أولا وربما كان ذلك الأكثر أهمية لبعضنا، هو الحديث عن الطعام، عليك بتخزين أطعمة البقالة التي لا تفسد والشوربة المعلبة والرز والمكرونة، وكلها متاحة بشكل ميسر إلى جانب كل ما يخزنه الناس من أطعمة».