x

«المصري اليوم» تخترق حصار «كورين»: ثوار يحكمون بيوتًا مهدّمة ونازحين في الأحراش

الثلاثاء 11-09-2012 15:52 | كتب: أحمد عبد الفتاح |

تخترق دراجة نارية مسرعة يقودها شاب يحمل رشاش كلاشينكوف وعددًا من مخازن الذخيرة وقنبلتين يدويتين في حزام حول وسطه لواء «شهداء إدلب» الواقع في الأحراش المتاخمة للمدينة الواقعة شمال سوريا وسط صمت الأحراش المطبق في ساعات الصباح الأولى. يقف الشاب بدراجته أمام قيادة اللواء، ويجري مسرعا إلى الداخل موقظا من بالبيت وهو يصيح «كورين تقصف من الجيش، ذخيرتنا نفذت نحتاج مساعدة».

كانت قوات الجيش النظامي تضرب حصارًا ضاريًا على مدينة كورين التابعة لمحافظة إدلب الشمالية.. قطعت كافة وسائل الاتصال، وكافة الهواتف التي تعمل بالأقمار الصناعية تخضع للمراقبة، بينما يستهدف القصف من حين لآخر منازل القرية الواقعة فوق جبل مرتفع.

نزح أغلب أهل القرية وسكانها إلى أشباه مخيمات في الأحراش المحيطة، في مناطق يؤمنها الجيش السوري الحر ومقاتلي الألوية المقاتلة في هذا المكان، بعد أن استهدف القصف منازلهم وهدّمها وقتل العديد منهم.

عند وصل الشاب إلى المعسكر، أمر القائد حمدو الباشا، قائد اللواء، بعقد اجتماع لكل قادة اللواء وقادة الكتائب لدراسة الوضع، في ظل المعاناة من نقص شديد في الذخيرة، في نفس الوقت الذي يحضرون فيه لعملية كبرى لتحرير مدينة إدلب التي استعادتها القوات النظامية قبل عدة أسابيع.

قرر مجلس اللواء في الاجتماع، الذي حضرت «المصري اليوم» جانبًا منه، تقديم يد العون للقرية المحاصرة من خلال مد الثوار بالمدينة بأربعة قذائف «آر بي جي» مضادة للدروع والدبابات وصندوق ذخيرة.

المشكلة تمثلت في كيفية إيصال هذه المساعدات إلى القرية المحاصرة. استقر رأي المجلس على إرسال هذه الذخائر مع أحد قادة اللواء، واسمه باسل، لأنه يعرف منطقة كورين معرفة جيدة ولدية خبرة واسعة في الطرق الجبلية المؤدية إليها.

في الثامنة والنصف صباحًا، وبعد ساعة من وصول الشاب إلى قيادة اللواء، يستعد القائد باسل لمغادرة مقر قيادة لواء الشهداء، واضعًا في صندوق سيارته الـ«هوندا سيفك» صندوق ذخيرة، وقذائف الـ«آر بي جي» الأربعة، متسلحًا برشاشه الكلاشينكوف روسي الصنع، إلى جوار كرسي القائد، في حين يجلس إلى جواره أحد معاونيه يحمل في يده رشاش كلاشينكوف آخر، فتح زر الأمان فيه ووضع يده على زناده في حالة استعداد تام.

رافق موفد «المصري اليوم» الضابط «باسل»، وبدأت الرحلة التي قادها الشاب الذي أتى بالرسالة من كورين على متن دراجته البخارية، لتكون مهمته استطلاع الطريق للسيارة المحملة بالذخيرة.

انطلق الموكب الصغير عبر الطريق العام لبضعة كيلو مترات، ثم انحرف الموكب ليسلك مدقات بين حقول الزيتون التي تمتد لمسافات شاسعة عبر تلك المنطقة. يقول باسل: «هذه الطرق كانت تستخدم من قبل سيارات جمع محصول الزيتون. وبعد الثورة استخدمها الثوار للتنقل بين القرى والمدن. نحن على دراية كاملة بها، وهي تقريبا تخترق كل حقل زيتون، لهذا فهي أأمن طريق يمكن سلوكه للهرب من الأكمنة التي ينصبها عناصر الجيش الأسدي (في إشارة إلى قوات الرئيس بشار الأسد)».

يخرج الموكب من حقول الزيتون وهو على مشارف قرية اسمها «الشيخ». تذهب الدارجة البخارية للاستطلاع، ويعود قائدها ليخبر باسل بأن هناك كمينًا كبيرًا مكونًا من ٣ دبابات يقف على الطريق المؤدي إلى كورين.

يقرر باسل المخاطرة والمرور عبر قنطرة تمر من أسفل الكمين على بعد مئات الأمتار منه. ويقول «هم لن ينظروا تحت أقدامهم. يتوقعون أن نأتي من على الطريق، أو نهجم عليهم من الجبل، لكننا سنمشي تحت أقدامهم».

يتحفز باسل ومساعده، ويضع كل واحد منهم إصبعه على زناد سلاحه، ويتقدم باسل بالسيارة ليعبر بها القنطرة دون أن يلحظهم أحد من أفراد الكمين.

تبدأ السيارة صعود الجبل عندما يقول باسل «ليست المشكلة في الكمائن الثابتة فهي الأسهل على الإطلاق، ويمكن الالتفاف حولها. المشكلة الأكبر في الكمائن الطائرة، وهي كمائن متحركة تتكون من عربات مصفحة تختبئ على جوانب الطرق وتطلق النار على كل ما يتحرك في الطريق».

بعد أكثر من ساعتين من القيادة عبر طرق وعرة، يصل الموكب الصغير إلى كورين، ليلقى استقبالاً حافلاً من أهل المدينة رغم تواضع الذخيرة التي أتى بها باسل.

 

يروي الحاج أحمد أبو زياد، أحد سكان كورين، عن القصف الذي تتعرض له المدينة في الليل «يبدأ القصف بعد منتصف الليل. قصفوا أكثر من ١٤ صاروخًا وقذيفة من فوق وتحت الجبل، حيث تنوعت القذائف بين الهاون وقذائف الدبابات وحتى القذائف الفسفورية، واستمر الضرب حتى الصباح دون توقف. استشهد سبعة من سكان القرية منهم ثلاثة من أسرة واحدة».

وعلى بعد عدة مئات من الأمتار، يجلس أمام «بيت الزغبي»، وهو منزل واجهته مدمرة تمامًا، شابٌ وطفل فقد إحدى عينيه.

يروي الشاب الذي قدم نفسه باسم أحمد الزغبي (25 عامًا)، كيف أن أكثر من 20 رجلاً وامرأة كانوا يسهرون في إحدى ليالي رمضان في ساحة البيت، عندما سقطت عليهم قذيفتين، إحداهما سقطت خارج البيت فدمرت واجهته، والثانية سقطت داخل ساحة الدار فأردت خمسة قتلى على الفور وأصابت كل من تبقى بإصابات متفاوتة بين المتوسطة والخطيرة.

وأشار إلى الطفل وهو يقول «فقد شقيقي فايز عينه بسبب هذه القذيفة».

وعلى بعد بضع أمتار أخرى، قال شيخ في السبعين من عمره، وهو يصطحب موفد «المصري اليوم» داخل أنقاض تبقّت من منزله، إنه وبينما كان يقيم مجلس عزاء ابنه وحفيده، اللذان قتلا في منزل الزغبي، سقطت قذيفة في العزاء، ليسقط ابن عمه قتيلاً، ويصاب عدد كبير من أفراد عائلته بإصابات، بينهم اثنان فقدا أطرافهما.

من جانبه يقول أحد مقاتلي المدينة، واسمه «أبو صدام»، إن معظم أهل المدينة «تركوها. ومن بقي من يستطيع القتال من الشباب والرجال. لن نترك بلدنا. الموت أهون من الهروب والمذلة».

ويضيف «بقية السكان في مكان آمن، في إحدى الضياع (القرى) المتاخمة للمدينة».

وافق «أبو صدام» على اصطحاب «المصري اليوم» إلى هذه الضيعة، التي فضّل ألا نذكر اسمها. تخترق السيارة عددًا من الممرات الجلية، إلى أن تصل إلى ضيعة نائبة. وبداخل أحد المساجد، افترش العشرات من أهالي كورين الأرض.

ويروي حسن عبد القادر، وهو أحد النازحين من كورين، كيف أن الأهالي بعد استهدافها قرروا النزوح والهرب من القصف، فلجأوا إلى هذا المكان، رغم أنهم يعانون من أوضاع سيئة، ولولا المساعدات التي يقدمها أهالي القرى المجاورة لكان حالهم أسوأ من ذلك.

في طريق عودتنا إلى إدلب، وقبل مرورنا علي قرية فيلون التي تقع علي الطريق، شاهدنا العديد من الدراجات البخارية والسيارات تسير مسرعة في الإتجاه المعاكس. من بالسيارات يشيرون إلينا بالرجوع.. نفهم منهم أن الجيش دخل إلى فيلون وأن رجاله يلقون القبض علي الجميع، فيقرر دليلنا تغيير طريقه لتفادي إلقاء القبض علينا. لكننا لم نعرف حينئذ مصير أهالي فيلون.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية