أكدت لجنة الفتوى الرئيسة بالجامع الأزهر الشريف، أنه في ظل ما يشهده العالم من معاناة بسبب انتشار فيروس «كورونا» الوبائي تتطلع فئة من التجار إلى تضخيم ثرواتهم، على حساب حاجة الناس، والاتجار بآلام الناس ومعاناتهم، وعدم الاعتبار بالنذر والآيات التي قدرها الله لتذكرنا بقدرته، قال تعالى {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا}.
وقالت لجنة الفتوى ردا على سؤال حول لجوء البعض للاحتكار في وقت الأزمات، إن الاحتكار وهو حبس الشيء عن البيع والتداول بقصد إغلاء سعره، محرم شرعا بدليل قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا يحتكر إلا خاطئ»، وقوله: «من احتكر حكرة يريد أن يغلي بها على المسلمين فهو خاطئ، وقد برئت منه ذمة الله»، وقوله أيضا: «من احتكر طعاما أربعين ليلة فقد برئ من الله تعالى وبرئ الله منه«.
أضافت اللجنة، أنه فضلًا عن تلك النصوص الصريحة القاطعة في النهي عن الاحتكار فإن القواعد العامة للشريعة الإسلامية تفيد النهي عن الاحتكار لما فيه من الإضرار بالناس، وذلك أن المحتكر يمتنع عن بيع شيء يحتاج إليه الناس وهذا ظلم، والظلم حرام، قال الكاساني: «إذا امتنع البائع عن بيع شئ مع شدة حاجة الناس إليه فقد منعهم حقهم ومنع الحق ظلم».
وتابعت اللجنة أن الاحتكار لا يقتصر على منع السلع من التداول وحسب، بل إن تواطؤ البائعين على البيع بالسعر الفاحش؛ إعناتا للمشترين وتحقيقا للأرباح الطائلة صورة من صور الاحتكار، كما أن ترويج الإشاعات عن نقصان سلعة معينة أو ارتفاع سعرها ابتغاء إقبال الناس على ادخار المزيد منها حتى يزداد الطلب عليها فترتفع أسعارها نوع من أنواع الاحتكار، وصورة من صور الاستغلال المحرم .
وأكدت اللجنة على أن التجارة في الإسلام لا تنفصل عن معنى العبادة، والتاجر المسلم يتعبدلله تعالى بتجارته كما يتعبدبصلاته وسائر عبادته، وإذا انتبه التاجر المسلم لهذا المعنى استيقظ ضميره، وعفت نفسه عن التطلع إلى ما حرم الله ورسوله، وحقا؛ فإن الاقتصاد الإسلامي اقتصاد أخلاقي بالدرجة الأولى، وأن المسلم الحق لا يبيح لنفسه أن تكثر ثروته على حساب الفقراء والمحتاجين؛ لأنه يعلم أنه مستخلف على المال، وأنه أمانة بين يديه يكتسبه من حِلِّه، ويضعه في محلِّه، وقد وضع النبي صلى الله عليه وسلم التاجر المسلم أمام هذه الحقيقة فقال «إِنَّ أَوَّلَ مَا يُنْتِنُ مِنَ الإِنْسَانِ بَطْنُهُ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لاَ يَأْكُلَ إِلَّا طَيِّبًا فَلْيَفْعَلْ».