من الأمانة ألا نغفل أن الأخوين مصطفى وعلى أمين كانت لهما الأسبقية في نشر دعاوى الوفاء، فقد دشنا معاً عيداً للأم وآخر للأب ويوماً للحب ثم ابتكرا احتفالاً بليلة القدر. كل هذه المناسبات الإنسانية صاغها ووثقها آل أمين، ورغم كل هذا الحب وُجه لأمين اتهام بالعمالة وحُكم عليه بالسجن. والسؤال الذي لم أجد له إجابة شافية، هل بالفعل كان عميلاً أم أنه كان مجنداً في خدمة وطنه!؟ الحقيقة في بطن الزير ولكنى أؤمن أن يوماً ما سوف تنقشع كل الغمامات وتتكشف الحقائق، أما الذي أثار القضية من جديد هو صدور طبعة حديثة من كتاب (ميراث من الدماء.. تاريخ وكالة المخابرات المركزية الأمريكية) وكما يعرضه أكثر من موقع على الإنترنت يقدم تاريخ الوكالة منذ إنشائها 1947 وحتى نهاية عصر جورج بوش مركزاً على خيبات المخابرات وعملياتها الفاشلة من تأليف (تيم وينر) مراسل صحيفة نيويورك تايمز، وقد عمل في أغلب بلاد الشرق الأوسط ومنها مصر، وقد حصل الكتاب على جائزة بوليتزر الأمريكية الصحفية اعترافاً بأهميته ودقته والحقيقة لا أدرى سبباً لتسويقه من جديد بكثافة وهو يقع في 702 صفحة تتناول وقائع مرت على مدى عهود 16 رئيساً للمخابرات، أما الذي يعنينا هو الفقرة الخاصة بصلة مصطفى أمين بالمخابرات الأمريكية التي كانت تدفع له مبالغ مالية للحصول على معلومات سرية. وأن مدير المحطة واسمه بروس أوديل كان يتقابل بصفة منتظمة مع أمين في شقته بالزمالك باعتباره مندوب وكالة المخابرات المركزية في القاهرة، الذي يتلقى المعلومات منه إسبوعياً وقد جاء إلى مصر مطروداً من العراق بعد نجاح انقلاب حزب البعث 1963 على نظام حكم عبدالكريم قاسم وقام وزير الداخلية العراقى حازم جواد بإبلاغ الأجهزة الأمنية المصرية بحقيقة بروس وطبيعة نشاطاته وبعدها بفترة قصيرة جاء تقرير من أحد رجال المخابرات العامة في اليونان 1964 يتضمن معلومات بأن المخابرات المركزية الأمريكية ستوفد أحد ضباطها إلى مصر تحت ستار أنه مستشار للسفارة بالقاهرة وبالطبع أصدرت قيادة الجهاز أمراً بمتابعة ورصد تحركاته على امتداد أربعة أشهر كان يظهر فيها بمظهر الدبلوماسى وفجأة ظهر مصطفى أمين على خريطة لقاءاته واتصالاته في موعد محدد كل أربعاء وكانت اللقاءات لا تضم إلا سواهما ويشاع أنه تم إعلام الرئيس عبدالناصر بالأمر فأصدر قراره بوضع مصطفى أمين تحت المراقبة وفى إبريل 1965 وضعت هيئة الأمن القومى أجهزة تسجيل تحيط بمكان الاجتماع الأسبوعى بمنزل أمين وحصلت على ثمانية تسجيلات منفصلة تبين من خلالها أن الضابط يقدم أسئلة مكتوبة إلى مصطفى أمين وأن الأخير يقدم إجابة عليها وأنها جميعها تدور حول معلومات سياسية وعسكرية واقتصادية تمس الأمن المصرى في الصميم وفى يوم الأربعاء 21/2/1965 تم ضبطهما وتوجيه الاتهام بالتخابر وهذا جزء لأحد الحوارات المسجلة لهما:
■ من الذي فجر أنابيب البترول في ليبيا!؟
- عزت سليمان رئيس الخدمة السرية في جهاز المخابرات العامة.
■ ما هو رد الفعل على مقال نيويورك تايمز حول عدد القوات المصرية في اليمن المائة ألف!؟
- الرقم قريب من الحقيقة.
■ هل لديك تأكيد أن عامر ذهب إلى اليمن!؟
- لم يذهب.
■ أين صدقى سليمان قائد سلاح الطيران!؟
- كان في موسكو.
■ هل الرئيس على استعداد لبحث تسوية في اليمن!؟
- إنه يبحث عن حل يحفظ للجيش كرامته بحيث لا تعود القوات منهزمة.
■ هل تظنون أن الاتحاد السوفييتى سيزيد مساعدته لهم عندما تضغط عليهم الولايات المتحدة!؟
- إنهم يعرفون أن الاتحاد السوفييتى ليس عنده شىء يعطيهم.
أما بعد فالأسئلة حول هذا الموضوع برمته كثيرة ومتشعبة وأولهما هل حقاً كان مصطفى أمين مكلفاً بإجراء اتصالات سرية بالأعادى من قبل الرئيس عبدالناصر لتصدير معلومات مغلوطة شأنه شأن آلاف المجندين في خدمة الوطن!؟ وإذا كان بالفعل مدان ولا صحة لهذه الادعاءات فكيف تم الإفراج عنه صحياً قبل انقضاء مدة العقوبة بل وتعيينه رئيساً لتحرير جريدة الأخبار، وأخيراً مع كامل احترامى لكتاب (بين الصحافة والسياسة) رائعة الأستاذ هيكل إضافة إلى مذكرات ووثائق صلاح نصر رحمهما الله، هل يعقل أن تُمنح جوائز للصحفيين كل عام باسم خائن تآمر على الوطن؟ أظنها غير منطقية لعميل برىء مدان.