واجهتها قد تعطيك انطباعا غير دقيق عن الخدمة بداخلها، ففي «مستشفى الفيوم العام» والذي يحتوي على ثلاثة مبان، هي «القديم» و«الكلى الجديد» و«السموم» يختلف الواقع عن المظهر الخارجي.
داخل المستشفى، قضت «بوابة المصري اليوم» يوما كاملا، عايشت خلاله أمورا طالما أرّقت المرضى منها نقص الإمكانيات وغياب النظافة والأداء العشوائي، بجانب التجول الحر للباعة الجائلين داخل حرم المستشفى.. كما استمعت أيضا لشكاوى الطاقم الطبي، والتي كان أبرزها التعديات المستمرة.
تكدس وغياب رعاية:
في قسم الاستقبال والعيادات الخارجية كانت البداية، حيث يتكدس المرضى بعضهم في انتظار الفحص والآخر في انتظار طبيب متأخر..
تشير سيدة إمام، إلى والدتها العجوز التي افترشت الأرض، وتقول: «أتيت منذ الثامنة صباحا لفحص والدتي، وأضطررنا للانتظار حتى الحادية عشرة وذلك ليس فقط بسبب التكدس على العيادة، لكن لأن الطبيب أتى متاخرا عن موعده».
وتضيف: المشكلة أن والدتي مريضة ضغط وسكر، وقد اتيت باكرا خصيصا ليتم توقيع الكشف عليها سريعا ونعود للمنزل قبل اشتداد حرارة الجو التي تزيد من متاعبها.
أما محمد عبد السلام، والذي أتى بلا مرافق، مكتفيا بالاتكاء على عصاه، توفيرا لنفقات الطريق، فيقول: «أتيت للمستشفى منذ فترة لإجراء عملية فتق، ومنذ أن أتيت يحيلني كل طرف لغيره، إضافة للأعباء المادية، فقد طالبني الطبيب بإجراء تحليليّ دم وبعدهما رسم قلب، وأجريتهما بعد تدخل أهل الخير، في أماكن خارجية. والآن يطالبني الطبيب بعمل تحاليل وظائف كلى، وحينما حاولت التوجه لمعمل المستشفى قال المسئولين أن الجهاز الخاص به معطّل».
ويضيف: «هذا يعني استمرار متاعبي لحين تدبير نفقات المعمل الخاص، والتي لو كنت أملكها ما أتيت هنا، وطالت فترة متاعبي».
الحال في جهة «العلاج على نفقة الدولة» لم يختلف كثيرا، فأمام نوافذ متراصة بأحد المباني، توزع عشرات المرضي بين المقاعد المحدودة والأرض غير مهتمين بجلوسهم بجانب أحدي البالوعات المفتوحة، فالأهم لديهم ان ينتهي انتظارهم الذي طال منذ الصباح للظهيرة، يتغلبون على الوقت بالحديث إلى بعضهم، فيما ينصتون من حين لأخر لصوت الموظف ينادي أحدهم للحصول على علاجه.
عن الوضع بهذا القسم، يقول زكريا ياسين، مزارع: «كل شهر أتي لصرف علاج دوالي المرئ، وأضطر للانتظار بالطابور لساعات. إضافة لتحويلي كل مرة بين عيادتين لتوقيع الكشف عليّ، واضطر لانتظار طابور أخر، وليتني بعده أجد فحصا دقيقا لكنه بضعة أسئلة».
أغلب مشكلات المستشفى، تتركز في الأقسام الداخلية بالمبنى القديم، حيث يتركز المرضى بثلاث طوابق، بجانب الأرضي المخصص للاستقبال والعيادات الخارجية. فبدءً من الطابق الثاني وحتى الرابع تظهر مشكلات أخرى بجانب التكدس، ومنها غياب النظافة الذي جعل من مشاهدة «الصراصير» أمرا عاديا، بخلاف غياب الصنابير عن المراحيض. وذلك في القسم الخاص بالعلاج «المجاني»، حيث يبدو الوضع أفضل ولو قليلا في الجهة المقابلة له بعنابر «الدرجات» أو العلاج الاقتصادي.
يختص الطابق الثاني بحالات «الجراحات، العظام، بنك الدم، الأطفال المبتسرين»، أما الثالث فجزء منه يحتوي تخصصات«الأنف والأذن والحنجرة، والحروق» ومن بعدهما يبدو الممر كالمهجورة حيث تكسوا الأتربة بقية الغرف التي تحتوي خلف أبوابها المحطمة على أسرّة قديمة، وهذا كله بجوار حجرات المرضى. وبالسؤال عن السبب يجيب أحد العاملين بقوله أنه «جاري تجديد هذه الغرف».
في الطابق الرابع والأخير، حيث قسم النساء والتوليد والأطفال، لا يخلو الممر من سماع أصوات الشجار بين العاملين بالمستشفى من جانب وبين المرضى وذويهم، لأسباب مختلفة.
أحد هذه الأسباب تذكره كريمة محمد، صيدلانية، وتقول: «تشاجرت مع طبيب القسم والممرضة بسبب تركهم لاختي أمام كشك الولادة لساعتين تقريبا، وعندما طالبناهم أكثر من مرة بدخولها تشاجروا معنا قائلين، لماذا أتيتم من أبشواي لهنا، انتم لديكم مستشفى هناك، ولم يدخلوها إلا بعد اشتباكي بالأيدي مع الممرضة».
شكاوى مشتركة:
بعض العاملين في المستشفى قدموا لتلك الشكاوى أسبابا، مقترحين حلولا لها، وطارحين لشكواهم أيضا.
تقول «ن.م»، ممرضة: «لا ذنب لنا في شكاوى المرضى، وإن كان أغلبها حقيقيا. وللأسف كثير منهم لا يقدمون أعذرا للطاقم الطبي ويلومونه على نقص الإمكانيات، معتقدين أننا نخفي عنهم الأدوية أونقصّر معهم، مما يؤدي لشجار مستمر لا سيما في وحدات العناية المركزة والجراحات، فلو لم يتعافي مريض سريعا يتهمونا بالإهمال ويبدأ معه التعدي لفظيا وأحيانا بالضرب».
وتشكو: «نحن أيضا نعاني من أمور كثيرة، مثالا عليها أن يكون بدل النوباتجية 75 قرشا لم تزيد، منذ أكثر من 15 عاما عملت فيهم بالمستشفى، إلا في أبريل الماضي».
بينما يشكو «ع.ع»، طبيب، الغياب الأمني، قائلا: «هو أكثر ما يؤرقنا في ظل تكرار التعديات على المستشفى من قبل أهالي المرضى، والتي لا تسبب تلفيات فقط لكن يتم التعدي على الأطباء خلالها، وذلك في فترتيّ المساء والصباح الباكر».
وعن نقص الإمكانيات، يقول:«هناك تخصصات غائبة عن المستشفى كالرمد والمخ والأعصاب، كما نعاني أحيانا كثيرة نقصا في بعض الأدوية كان أخرها نقص أشرطة عينات السكر، وأقنعة الحساسية الخاصة بالأطفال، وهو ما يجعلنا نطالب بإعادة توزيع المخصصات المالية لتلبية الاحتياجات الهامة».
تقصير.. ولكن:
ردا على تلك الشكاوي، يقول دكتور صابر المصري، مدير المستشفى: «مهما اجتهدنا، لن نُرض الجمهور، وذلك لسببين، أولهما الكثافة المرتفعة للمرضى وثانيهما أن الجمهور يأتي متحفزا بسبب اعتقاده السائد أن المستشفيات الحكومية لا تقدم خدمة جيدة. فعلى سبيل المثال، تعمل العيادات الخارجية والمعامل بشكل متواصل، ولكن من الوارد أن يحدث عطل أو صيانة لأحد الأجهزة بأي لحظة، حينها نحدد للمريض موعدا آخر، لكن المتعجل هو من يرفض ويشكو التقصير».
وعن الغياب الأمني والباعة الجائلين، يقول: «طالبت المحافظة والحي مرارا أن يخرجوا الباعة من حرم المستشفى إلا أنهم سرعان ما يعودوا، خاصة مع عدم وجود أفراد أمن لدينا، وهو ما دفعني لإجراء مناقصات لم تلق عروضا بسبب الانفلات الأمني في الفترة السابقة، وهو أمر في طريقه للحل بعد استقرار أفراد الشرطة بحرم المستشفى».
وبرر «المصري» غياب النظافة، قائلا: «المستشفى لا يقدم خدمة فندقية، فهو يخدم جمهورا كبيرا، ومن الوراد أن يتسخ بعد تنظيفه بدقائق» مضيفا «نعترف بالنواقص والسلبيات والتي يسببها عوامل كغياب الأمن وسلوكيات بعض المواطنين والإداريين، إضافة لحالة أجهزة المستشفى التي تحتاج للصيانة ومبانيها ومرافقها التي تتطلب الترميم».
ويختتم قائلا:«رغم كل هذا نقدم خدمة جيدة للمريض في كثير من التخصصات، وحتى مشكلات بعض الأقسام كالنساء والتوليد تعود للكثافة التي تسببها تحويل المستشفيات الأخرى للحالات، حتى البسيطة منها، إلينا. وهذا لا ينفى اتخاذ الاجراءات العقابية تجاه أي مقصّر».