x

الجوهري: الجنرال المدافع صانع البهجة يبحث عن خليفة

الثلاثاء 04-09-2012 15:11 | كتب: عمرو عبيد |
تصوير : other

عزيزى القارئ.. فتش فى ذاكرتك، ابحث فى أرض الواقع، وتابع مباريات الدورى المصرى سواء الآن أو قبل سنوات.. والآن أجب على السؤال الصعب: من تراه خليفة جنرال الكرة المصرية محمود الجوهرى؟

السؤال صعب جدًا، لأنك لا يمكن أن تختصر استراتيجية محمود الجوهري كما يحلو للبعض فى جملة «الدفاع خير وسيلة للهجوم». فصحيح أن الرجل اشتهر بخططه الدفاعية الصلبة التى مكنته من قيادة المنتخب المصرى الأول للوصول إلى نهائيات كأس العالم 1990 فى معجزة كروية فى ذلك الوقت لم تتكرر إلا قبلها بأكثر من نصف قرن، لكن صحيح أيضًا أن الرجل كان له أسلوبه الخاص والشامل الذي نجح في تحقيق «معجزات» للكرة المصرية لا تزال تتألق في سمائها.

الدفاع والكاريزما

طريقة الجوهري الدفاعية – المتوازنة أحيانًا والجامحة فى الغالب – جعلت مدربًا مثل مدرب أيرلندا الإنجليزي جاك شارلتون يشد شعر رأسه فى مواجهته مع مصر بعدما فشل أن يجد حلا لمواجهة هذا الحائط الدفاعي الصلب.

لكن الجوهري لم يكن مهتمًا بأن تكون المباراة ممتعة للمشاهدين. الأهم أن يكسب المنتخب المصرى.

وبالفعل، ففي مونديال 1990، لم يخسر الجوهري مباراة أيرلندا، ولا مباراة هولندا السابقة لها التى انتهت بنتيجة «مستحيلة» هي التعادل الإيجابى بهدف لكل.

طريقة الجوهرى التدريبية كما أكدنا لم تقتصر على الدفاع. فكلما كانت تحين الفرصة، كان الجانب الهجومي الحذر يظهر. فمثلًا هزم الجوهري منتخب الجزائر بخماسية فى إحدى مباريات التصفيات المؤهلة إلى كأس العالم 2002، وكذلك الأمر في مباريات أفريقية كثيرة حقق الرجل فيها نتائج كبيرة من ناحية التهديف.

الدارس لأسلوب الجوهري لا يمكنه أن يختزل قيمة الرجل في الأمور الفنية. فهو كان يمتلك كاريزما هائلة تمكنه من السيطرة على كل من يرأسهم، محافظًا فى الوقت ذاته على شعرة الحب والاحترام والتقدير بينه وبينهم.

الجوهرى كان أشهر من قام بدور الطبيب النفسى فى كل الفرق التى قام بتدريبها، خاصة المنتخب المصرى. لقد كان كان أقرب للاعبيه ورجاله حتى من أسرهم وذويهم. كان– بحكم تربيته العسكرية – صارما وصاحب قرار حاسم وواضح، لكنه امتلك القدرة على شحن لاعبيه وبث الحماس بداخلهم فى المواقف الكبرى.

وحتى في الجانب الإدارى، كان الجوهرى صاحب بصمة واضحة فيه بما لا يتدخل مع عمل زملاءه داخل منظومة الفريق.. باختصار يمكننا القول إن لمحمود الجوهرى مدرسة تدريبية خاصة به. من هنا فإنه من الصعب الجزم بهوية المدير الفنى القادر على أن يكون خليفة الجنرال.

شحاتة

من بين المدربين الأكثر شهرة حاليًا يبرز اسم حسن شحاتة كمدرب يمكن مقارنته بالجوهري. سار «المعلم» على نهج الجوهرى فيما يتعلق بالجانب الإنسانى والنفسى للاعبيه. حيث كان شحاتة صديقًا وقريبًا لنجوم المنتخب إبان فترة عمله الطويلة معهم.. امتزج بهم عن قرب، وارتبط بأسماء منهم كانت عاملًا مشتركًا فى تحقيق أغلب نجاحاته.

فأبو تريكة وأحمد حسن وعماد متعب وأحمد فتحى وغيرهم تألقوا بشكل بارز مع المعلم واعترفوا جميعا بأنه الأقرب للجوهرى فى التعامل النفسى والإنسانى مع لاعبيه.

وربما كان العميد أحمد حسن هو الأقدر على الحكم فى هذا الأمر، خاصة بسبب معاصرته لتجربتى الجوهرى وشحاتة، حيث أن الأول اكتشفه وأبرزه على الساحة، بينما حقق توهجه مع الثانى وصار صقرا عالميًا معروفًا.

كرر المعلم تجربة الجنرال مع حسام حسن. فالأول أعاده إلى منتخب مصر فى كأس الأمم الافريقية 2006 واعتمد عليه بشكل كبير، فأبلى بلاءً حسنا فى ختام مشواره كلاعب، والثانى اعتمد عليه بشكل أساسى فى كأس الأمم الأفريقية 1998 ولم يخيب ابنه البار أمله فيه أبدًا.

تحلى المعلم بصرامة وقوة شخصية جعلته الأقرب للجوهرى. فلا ينس أحد قرار شحاتة باستبعاد ميدو من المباراة النهائية لبطولة كأس الأمم الافريقية 2006 بمصر عقب الواقعة الشهيرة بينهما. إذ لم يتراجع المعلم عن قراره حتى وإن عفا عنه ظاهريًا رافضًا الاستعانة به فى تلك المباراة الحاسمة للبطولة. وقد كرر شحاتة نفس الأداء مع شيكابالا أثناء تدريبه لنادى الزمالك وأصر على رحيل اللاعب عن النادى ثم رحل هو أيضًا.

الكل كذلك ربما يتذكر واقعة ترحيل إبراهيم سعيد من كأس الأمم الأفريقية 2002 بمالى بسبب مشاكله مع بعض لاعبى المنتخب. إذ لم يتردد الجوهرى للحظة فى اتخاذ قرار رحيل اللاعب عن البطولة حتى لو تأثر فنيًا. وكان الجوهرى عنيدًا للغاية عندما رفض الضغط عليه بإشراك طاهر أبو زيد أحد أمهر لاعبى مصر وقت مشاركتها فى كأس العالم 90 وأكد على أن القرار الفنى له وحده ويتحمل دوما تبعاته.

حسام حسن

أما فيما يتعلق ببث الروح والحماس فى نفوس اللاعبين، فيذهب عقلك في هذا الشأن مباشرة إلى الكوتش حسام حسن، هذا اللاعب الذى يعتبر الجوهرى بمثابة الأب الروحى له فى كل شئ. فهو من اكتشفه وجعل منه رأس حربة مصر الأشهر عبر التاريخ.

فإذا كانت طريقة لعب المدير الفنى حسن تختلف عن الجوهرى بحكم التغيير الذى طرأ على كرة القدم وسرعتها الحالية وقوانينها المختلفة، وكذلك بحكم مركز حسام كلاعب مهاجم من طراز فريد لا يلجأ إلى الطرق الدفاعية ويغامر بالهجوم، إلا أنه يشبه الجوهرى كثيرا فى نقطة بث الحماس والروح فى فريقه بشكل يفوق كل أقرانه. حسن شخصيًا كان حماسيًا لدرجة تفوق الوصف أثناء فترة لعبه للكرة. وكثيرًا ما ساعده الجوهرى على ذلك. حيث كان كلما ابتعد حسام عن مستواه أو خامره الشعور بالإحباط، يعيد الجنرال اكتشافه ويدفعه بكل حماس إلى التألق مجددًا.

العشري

تعرض الجوهرى للكثير من الهجوم الإعلامى أثناء ولاياته الأربع لمنتخب مصر، لكنه في المقابل لم يهاجم أحدًا ولم يتجاوز فى حق من هاجموه وأهانوه. كان مثالًا لصاحب الخلق القويم والأدب الجم والهدوء وفى التعامل مع المشكلات، واهتم دائمًا بتشجيع المدربين الصاعدين وتوجيههم والحديث عن المنافسين بكل احترام وتقدير.

 المدرب الأكثر شبهًا بالجوهري في هذا الجانب هو طارق العشرى المدير الفنى السابق لحرس الحدود والحالى لفريق انبى بأدبه الجم ورقى خلقه وتصريحاته الهادئة المتوازنة. أبدًا لن تجد تصريحًا أو كلمة للعشرى يهاجم فيها أحدًا أو ينتقد شخصًا او يتجاوز فى حق مؤسسة. وكثيرًا ما تحدث عن منافسيه، مدربين أو أندية، بكل ود.

خليفة الجنرال

وفيما يتعلق بالجانب التكتيكى والفنى، فربما كان تغير إيقاع لعبة كرة القدم بشكل هائل هو أحد أسباب عدم وجود مدرب يسير على نهج الجوهرى الدفاعى، خاصة وأن عصر الجنرال كان يقبل بتلك الطرق فى اللعب التي فرضتها، في الحقيقة، إمكانيات لاعبى مصر فى ذلك الوقت من حيث عدم مجاراتهم لأساليب الفرق الكبرى فى العالم.

لكن ربما نجد أن اسم كفاروق جعفر، المدير الفنى لفريق طلائع الجيش، هو الأقرب لأداء الجوهرى. حيث يعتمد جعفر كثيرًا على التأمين الدفاعى فى أغلب مواجهاته الكبرى أو أمام الفرق الهجومية النزعة، ثم اللجوء إلى المرتدات السريعة التى كفلت له تحقيق الفوز فى مباريات شهيرة والتعادل مع كبرى الفرق المصرية. وفي هذا الصدد كانت مباراته أمام النادى الأهلى فى ختام موسم 2008/2009 هى الأشهر. حيث لعب جعفر مباراة دفاعية بحتة معتمدًا على هجماته المرتدة ليتقدم بهدف واحد قبل أن يحرز الاهلى 3 أهداف قرب نهاية المباراة.

كذلك يظهر اسم مختار مختار إبان فترة توليه تدريب فريق نادى بتروجيت. لعب مختار مع بتروجيت بنفس الأسلوب الدفاعى إلى حد كبير، حيث أجاد التأمين الدفاعى والاعتماد على مرتدات ناجحة..

لكن في النهاية تبقى مدرسة الجوهرى التدريبية الشاملة ذخيرة لكل مدربى مصر والعالم  العربي.. ذخيرة للاستفادة والتقييم والتطوير.. على أنه سيكون من الصعب أن تجد مدربا بعينه قادر على أن يحمل لقب.. خليفة الجنرال.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية