في وقت يستمر فيه احتجاز 48 صيادا مصريا في ليبيا، إثر تكرار انتهاكهم للمياه الإقليمية الليبية، بهدف الصيد غير المشروع، تستمر رحلاتذهاب وإياب يومية عابرة للقارتين الآسيوية والإفريقية، بين المياه الإقليمية الفلسطينية والمصرية.
هؤلاء لا يعترفون بحدود دولية أو إقليمية أو بحرية. إنه عالم محترفي مهنة الصيد، الذين يخاطرون بحياتهم ومراكبهم ومصادر رزقهم في رحلات محفوفة بالمخاطر عبر أعالي البحار، بحثا عن لقمة العيش.
رحلات يومية لم يسمع عنها الكثيرون، تهدف في مجملها للبحث عن الرزق، وإن اختلفت الدوافع التي أجبرت هؤلاء الصيادين على البحث عنه بوسائل غير مشروعة.
قبل أن يرخي الليل سدوله بقليل، يبدأ الصياد الفلسطيني «أبو إبراهيم» رحلته انطلاقا من شاطئ بحر «خان يونس»، جنوب قطاع غزة، تجاه السواحل المصرية. اعتاد القيام بهذه الرحلة بصورة دائمة منذ اندلاع الثورة، بحثا عن صيد ثمين، تحرمه البحرية الإسرائيلية من الوصول إليه قبالة شواطئ قطاع غزة منذ سنوات.
إسرائيل تحرم الفلسطينين من الصيد في العمق.. وتجبرهم على اختراق الحدود
«المصري اليوم» التقت به مع مجموعة من الصيادين الفلسطينيين، الذين طلبوا بطبيعة الحال عدم التعريف بهويتهم، خشية الملاحقة الأمنية. كان «أبو إبراهيم» أكثر المتحدثين قدرة على التعبر عن معاناتهم فقال: «إنها رحلة محفوفة بالمخاطر، خصوصا من قبل قوات البحرية الإسرائيلية، التي عادة ما تقف بالمرصاد لكافة محاولات الانتقال من شواطئ القطاع إلى السواحل المصرية أو العكس».
وأضاف «لكن الصيادين الفلسطينيين يبتعدون عند نقطة الحدود المصرية – الفلسطينية عن العمق، ويقتربون من الساحل حتى يبتعدون عن البارجات الإسرائيلية، ثم سرعان ما يدخلوا قبالة شواطئ مصر وعندها يكونوا في أمان»، على حد قوله.
وأوضح الصياد الفلسطيني: «نحاول عندئذ الدخول عشرات الكيلو مترات في عمق البحر، ونمتد حتى نصل إلى مسافات طويلة قبالة السواحل المصرية، إذ إننا محرمون من الوصول إلى هذه الأعماق في غزة، وبالتالي لا نتمكن من صيد الأسماك التي عادة ما تكون في مسافات أطول داخل البحر المتوسط».
والمعروف أن القوات البحرية الإسرائيلية لا تسمح لقوراب الصيد الفلسطينية بالدخول لأكثر من 3 أميال بحرية قبالة سواحل غزة، بما يحرمهم من الصيد في المناطق الأكثر كثافة. بل تشرع قوات الاحتلال في إطلاق النار على الصيادين واعتقالهم قبل أن يقتربوا من هذه المسافة. ومؤخرا، اعتقلت 5 فلسطينيين، برفقتهم مواطن مصر تربطهم به علاقة قرابة وهم على متن قارب صيد في شمال القطاع.
صيادون: الوصول لشواطئ مصر أسهل بعد الثورة.. ولا نبحث إلا عن لقمة عيش
صياد فلسطيني آخر أشار إلى أن الرحلة أصبحت أكثر سهولة بعد سقوط نظام. وقال «في الماضي، كان خفر السواحل المصري يطلق النار ويهدد كل من يحاول الصيد قبالة شواطئ مصر، أما الآن، فالأمور أيسر وأسهل، خصوصا وأن مصر تدرك أننا لا نريد أكثر من صيد السمك لتوفير لقمة العيش لأبنائنا، بعد أن حرمتنا إسرائيل منذ ذلك»، على حد قوله.
وأكد أن الصيادين الذين يصلون الشواطئ المصرية نوعان، بعضهم يقوم بصيد السمك بنفسه، وبعضهم الآخر يشتري الأسماك من الصيادين المصريين، ليبيعها في الأسواق الغزية المتعطشة للسمك.
ويروي أنه حال حدوث بعض الخلافات بين الصيادين الفلسطينيين والمصريين، يأتي صيادون من غزة ويحلوا الإشكالية وهم في عرض البحر، مؤكداً أنهم يشترون السمك من الصيادين المصريين بأسعار مرتفعة.
وتتعطش الأسواق الغزية إلى الأسماك على اختلاف أنواعها، ما دفع الصيادين وتجار الأسماك إلى جلبها، سواء عبر الأنفاق لأسماك البحر الأحمر، أو من خلال مراكب الصيد لأسماك يتم جلبها من من العريش ومحيطها.
وحول إمكانية تهريب بضائع أو مواد أخرى عبر قوارب الصيد الفلسطينية من وإلى مصر، أجاب صياد فلسطيني ثالث لـ«المصري اليوم»: «هذا ممنوع ويعاقب كل من يحاول القيام بذلك من قبل حكومة حماس، التي تراقب حركة الصيادين بصورة دائمة»، حسب اعتقاده.
وكانت الشرطة في الحكومة المقالة لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، التي تسيطر على غزة، قد أعلنت أكثر من مرة ضبطها محاولات تهريب قطع سيارات أو مواد أخرى يقوم بها صياديون فلسطينون، مؤكدة أنها تمنع أي محاولة للتهريب عبر البحر مهما كانت الجهة التي تقف ورائها.