x

«جيرمي» أسطورة «جبل الحلال»: لسنا إرهابيين.. والعملية «نسر» كلام إعلام

الأحد 02-09-2012 00:09 | كتب: أمل سرور, سارة نور الدين |
تصوير : حسام دياب

«الحلال» لدى البدو يعنى «الغنم»، ولأن هذا الجبل كان أحد أشهر الأماكن التى يرعى فيها البدو غنمهم سمى «جبل الحلال»، ولأنه يضم مجموعات كبيرة من الهاربين من أحكام فى عهد الرئيس السابق حسنى مبارك، كان أسهل النقاط التى يمكن أن يشار إليها بأصابع الاتهام فى أى حادث يقع على أرض الفيروز، وآخرها حادث مقتل الجنود المصريين بأحد الكمائن والذى ذهب ضحيته حوالى 16 جندياً وضابطاً.

«المصرى اليوم» حاورت أخطر الرجال الهاربين من جبل الحلال جيرمى المسوح، هكذا اسمه، طيب وخدوم ومحبوب ولديه حضور قوى فى جنوب وشمال سيناء، هكذا سبقته سيرته، وهو أشهر مطارد مطلوب للأمن بعد أن اختطف السائحين الأمريكيين ويواجه أحكاماً بالحبس لمدة 125 سنة، والحقيقة أن الفضول كان دافعنا إلى مقابلته بعد أن أصبحنا نصطدم باسمه كثيراً كلما خطونا خطوة جديدة على أرض الفيروز، ليقول لنا أحدهم «أى حاجة بتحصل هنا يبقى وراها (جيرمى) لأن الحكومة بتلبسله كل التهم».

ومن كثرة الفضول القاتل لمقابلة هذا النموذج كان كل منا منهمكاً طوال الطريق فى رسم صورة لشكل هذا الرجل، هل هو ملتح، هل بيته ملىء بالأسلحة؟ وماذا عن هوايته باقتناء الخيل، ومن أين جاء بهذه القوة ليستطيع الهرب دون أن يستطيع أحد أن يقبض عليه، رغم أنه طليق ويتحرك بحرية بسيارته ذات الدفع الرباعى ويذهب للعريش وكوبرى السلام؟

أنحن أمام أسطورة «خط سيناء» ولو سكان الصعيد يخافون من «خط الصعيد» لماذا خط سيناء محبوب ويذهب إليه الأهالى لحل مشاكلهم؟ فالرجل الهارب يكاد أن يكون شيخ قبيلة، رغم أنه مطارد ولا يجد سوى الجبال لتحتضنه.

7 كيلو مترات فى وسط جبل الحلال، كانت سيارات النقل الكبيرة الموجودة كفيلة بأن تنذرنا بأننا وصلنا لضالتنا المنشودة.

شاب صغير أسمر الوجه فى عينيه لمعة ذكاء ونشاط، جسده ممشوق وكأنه لاعب أوليمبى، على وجهه ابتسامة أظهرت إشراقة أسنانه، عندما تراه لا يمكن أن تتخيل أنه يبلغ 38 عاماً روحه الخفيفة التى استقبلنا بها لم تجعلنا نشعر بأننا أمام شخص مطارد، أو أننا فى لحظة ما قد نسمع دوى إطلاق النار بالقرب منا، أول ما سلمنا عليه قلنا له: «أنت جيرمى»؟ فأجاب: «أنا العبد لله الراجل الغلبان اللى الناس كلها بتطارده واللى فاكرينه زعيم عصابة، أنا جيرمى».

أجلسنا الرجل داخل المنزل وأمامه الخيل وعربات النقل، فسألناه: هل تملك كل ذلك؟، فقال: «كل دى الصومعة بتاعتى، وأنا مش زى الناس ما فاكرانى أنا حد بسيط جداً ومظلوم جداً، أنا تقريباً على أحكام بالسجن 150 سنة منها 125 ظلم، وكل الحدوتة إن أول قضية هو أن ضابط كان عايزنى اشتغل معاه مرشد أو آخد 25 سنة، وأنا كرامتى لا تسمح أن أعمل (مرشد) وقلت له بالحرف لما قاللى هاتبيع؟ قلتله مش هابيع بشر دول أهلى وناسى، فلبسنى قضية مخدرات، والتانية مخدرات برضه والتالتة والرابعة مش عارفهم». وعن قصة اختطافه لسائحين أمريكيين قال: «خطفت الأمريكان لما عمى اتمسك ظلم فى قضية مخدرات وهو عمره 65 سنة، ولما حسيت إنه مظلوم خطفت اتنين من الأمريكان وعيشتهم أحلى 4 أيام، ولبستهم لبس بدوى، وأكلتهم أحلى أكل، ومن الآخر قضوا معى 4 أيام سفارى ببلاش، وصدقينى لو قلتلك إنهم لسه متواصلين معايا وماكانوش عايزين يمشوا، ووقتها كل المسؤولين كلمونى وعلى رأسهم كمال الجنزورى رئيس الوزراء السابق، وقالى أخبار الأمريكان إيه؟ فقلت له: إنت ليه مسألتش على المرشد السياحى المصرى اللى اخدته معاهم، ولا المصرى مالوش تمن عندكم؟».

وعن جبل الحلال وما يتردد عن أنه محاصر لمطاردة الإرهابيين قال ضاحكاً «أنا هاسألكم نفس السؤال: هل رأيتم أى أثر لمدرعة أو سيارة بوليس حول جبل الحلال؟ ده كله كلام إعلام، ثم أنا هاخدكم رحلة للجبل اعتبروها سفارى وهاقعدكم مع الإرهابيين اللى بيتكلموا عليهم، علشان تعرفوا مين اللى بتتكلموا عليهم وشكلهم إيه».

لحظات كنا فى سيارة الدفع الرباعى، لأن عرباتنا لا تصلح للقيام بهذه الرحلة، والحق لم نشعر بأى خوف أو أى خطورة، وكنا نشعر أننا مع شخص يحبنا، ويخاف علينا ويريد أن نرى الحقيقة وبدأنا نشتم رائحة الظلم والتعاطف.

ساعات قضيناه من أجل الوصول إلى مناطق إقامة «المحكومين» جعلت لسان حالنا ينطلق قائلاً: «كم هى قاسية ومجهدة وبلا أى مقوم من مقومات الحياة، وما الذى يجبر الناس على هذه الحياة».

سرعان ما كان أمامنا عشرات من الناس لتصبح جلستنا فى المضايف، لنفاجأ بأنهم جميعاً مطاريد ومحكوم عليهم بأحكام تقارب الـ120 عاماً لكل منهم، وأحدهم محكوم عليه بحوالى 175 عاماً وبينهم طفل عمره 11 عاماً محكوم عليه بالسجن 25 عاماً لمجرد أن اسمه ورد فى التحقيقات والقضية، فحكم عليه أن يعيش حياته بالجبل، وبدأوا الحديث دون ذكر أسمائهم «إحنا مش إرهابيين احنا ودنا نعيش، لو ارتكبنا جرائم نتسجن لكن ما نعيش مظلومين ونظام أمن الدولة كان يلفق لنا تهم وإما أن ندفع 50 ألف جنيه أو يتم تلفيق قضية سلاح أو مخدرات.. وبعد الثورة كنا أسود وحمينا الحدود إحنا المطاريد والمحكومين وماكانش فيه أى دورية إسرائيلية تقدر تقف أو تقرب لإننا نقف قدامها بالسلاح التقيل، لكن للأسف الثورة لم تصل لسيناء، ولما ارتحنا وقلنا إن فيه (ريس جديد) اعتقدنا أنه سينظر إلى المظلومين ويرفع عنهم التلفيق، ولكنه أفرج للأسف عن جماعته الإسلامية فقط».

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية