x

«جبل الحلال»: عشش بلا سقف.. مغارات للاحتماء من الأمطار.. ولا كهرباء ولا ماء

السبت 01-09-2012 20:34 | كتب: أمل سرور, سارة نور الدين |
تصوير : حسام دياب

بخطوات قدميه العاريتين على سفح الجبل وصخوره النارية، كان الحاج «موسى» يقودنا نحو المغارة التى حفرها هو وأبناؤه فى قلب الجبل، ضحك ساخراً عندما قلنا له إن تلك المغارات هى التى يستخدمها المسلحون والإرهابيون للاختباء من قوات الجيش، وقال: «لم يصل الجيش إلى هنا لكى نختبئ منه فى المغارة، ولا وجود لأسطورة الإرهابيين فى جبل الحلال».

بدا الحاج «موسى» واثقاً فى إجاباته، فسألناه لماذا حفرتها إذن؟ فرد: «نسكن فى عشش لا سقف لها، فلم توفر لنا الدولة مسكناً جيداً، ويعتبر (الحلال) منطقة سيول، وفى الشتاء لا نستطيع تحمل البرد والبرق والأمطار، لذا نسكن تلك المغارات فى الشتاء».

تحتوى سلسلة جبال الحلال على الصخور النارية والجيرية والرخام، وهى منطقة غنية بالموارد الطبيعية، وفى وديان هذه الجبال تنمو أشجار الزيتون وأعشاب أخرى مفيدة لا تستفيد بها البلاد نتيجة الإهمال باعتبارها منطقة منسية، بينما يعيش أهلها على حافة الحياة.

على مدار شهور طويلة، يحفر الحاج «موسى» وابناه مغارة الشتاء ليس فقط لإيواء أطفاله الأربعة وزوجته، بل لحماية أغنامه وحماره أيضاً، تسلقنا الصخور فى طريقنا للمغارة، التى يصل ارتفاعها إلى نحو 10 أمتار، بدأنا نتخيل كيف تتحمل تلك الأسرة بنسائها وأطفالها مشقة تسلق الجبل وسط العواصف الترابية والأمطار، على الرغم من احتمال تعرضها لمخاطر لدغات العقارب والزواحف التى تنتشر جحورها حول المغارة.

«محمد» الذى أوشك على العام الخامس من عمره، ابتلعته عاصفة فى الشتاء الماضى فضاع وسط الصحراء والصخور، ظل تائهاً تتخطفه الرياح فى برد الصحراء القارس، بينما كان والده وجيرانه يبحثون عنه، حتى وجدوه على بعد كيلومترين من مقر سكنه، لكن الليلة التى قضاها وحيداً فى تلك العاصفة كانت كفيلة بإصابته بعاهة مستديمة فى ساقيه، بينما ساهم عدم حصوله على الرعاية الصحية فى تفاقم الإعاقة الذهنية التى أصابته جراء الحادثة.

يقول الحاج «موسى» إنه يعيش فى الجبل منذ ولادته وهو الآن يبلغ من العمر أكثر من 50 عاماً، وإن حالة الفقر التى يعيش فيها سكان الجبل تشبه حالتهم المعيشية التى كانوا عليها بعد نكسة 1967، ولم يتغير شىء بل زادت حالتهم سوءاً.

وأضاف: إن حالتهم تتحسن عند هطول الأمطار فتنمو بعض الأشجار التى يأكلون منها وتعيش عليها أغنامهم، إلا أن تلك الأمطار لم تهطل منذ عامين، قائلاً: «آخر مرة نزل فيها المطر كان من سنتين، استطعنا وقتها تجميع المياه فى الخزانات حتى نشرب ونروى الزرع، والأزمة حالياً أن الخزانات جفت وأصبحنا لا نجد مياهاً لنا وللماعز أو لرى الشجر».

يقع أقرب خزان مياه من «عشة» الحاج «موسى» على بعد كيلو متر تقريباً ويعتمد على مياهه ليشرب هو وأولاده، إلا أن ذلك الخزان جف من المياه بسبب ارتفاع درجات الحرارة هذا العام، فلم يعد أمامه سوى أن يركب حماره ويسير إلى البئر التى تبعد كليومتر آخر عن الخزان وسط الصحراء ليجلب مياه الشرب.

عن طائرة «الأباتشى» فاجأنا الحاج «موسى» قائلاً: «إن طائرة تابعة للجيش المصرى استطلعت هذه المنطقة الأسبوع الماضى، بحثاً عن الإرهابيين والمسلحين والمسؤولون يعرفون حالة سكان الجبل جيداً، وعرفوا أنه لا يوجد إرهابيين إحنا بس أزمتنا فى المياه لو الدولة تحفر لنا آبار مش هانكون محتاجين شىء تانى».

الحاج «سليمان» له قصة مع الجبل الذى يعيش فى «رأس العمرو» الواقعة فى قلب الجبل منذ ولد وحتى بلوغه عامه الـ63 رأيناه على حماره مع «جركن» أزرق اللون، كان عائداً من رحلة جلب مياه الشرب، وما إن شاهدنا حتى أوقفنا فوجدناه يضيفنا بالمياه.

يسكن «سليمان» فى عشة صغيرة مع شقيقه وابنه، سألناه عن أولاده فقال: «ما عندى أولاد كانت لى زوجة لكنها غادرت إلى بيت أهلها بسبب الفقر وقسوة الحياة، فليس من الطبيعى أن تتحمل إنسانة العيش فى مثل هذه الظروف الصعبة وسط الصحراء حيث لا ماء أو طعام».

كان يحصل على 40 جنيهاً معاشاً من الشؤون الاجتماعية فى السنوات الماضية، وزاد المبلغ إلى 70 جنيهاً، وعلى الرغم من ضآلة هذا المبلغ إلا أنه توقف تماماً العام الماضى، دون إبداء أسباب، وأقصى ما يطلبه «سليمان» أن تعود تلك الجنيهات المعدودة لأنها كانت تساعده على الحياة.

أما الحاج «لافى» الذى التقيناه فى طريقنا للخروج من منطقة وادى «المجنونة» وسط الجبل، فقال إنه مسؤول عن مراقبة منطقته وتحرى الداخلين والخارجين منها، مؤكداً أن كل ما ينسب للجبل من إيوائه التكفيريين والإرهابيين محض افتراء، فسكان الجبل لن يؤذوا أنفسهم بإيواء هؤلاء المجرمين.

وعن الجبل قال «لافى» إن الوعود التى قطعتها الحكومات المتعاقبة لتنمية سيناء ذهبت أدراج الرياح، حيث لم تنفذ حتى الآن، وتابع: «نعيش بلا كهرباء ولا مياه ولا خدمات، وما إن تغيب الشمس حتى يغرق الجبل فى الظلام، والمقتدرون فقط هم من يستطيعون شراء مولدات الكهرباء للإنارة، بينما نقسم أنفسنا طوال الوقت إلى مجموعات لمراقبة الحركة فى الجبل».

تتكرر دائماً كلمات من قبيل «أزمة المياه» و«الجفاف» على ألسنة سكان الجبل، فيقول «لافى»: إن مشكلته الكبرى تكمن فى نقص المياه، فالصحراء قاسية ولا يمكن أن تعيش أشجار الزيتون فترات طويلة دون أن تُروى- على حد قوله.

قبل عامين زرع «لافى» وغيره من أهالى الجبل الشعير والقمح والزيتون، وهطلت الأمطار وكسا اللون الأخضر الأرض، ومر عامان ولم ترسل السماء أمطاراً، فأصبح الاعتماد على محصول العام قبل الماضى، بدلاً من بيعه، وبات كل من لديه محصول من الشعير والقمح يستخدمه ليطعم بيته وأغنامه.

أثناء حديثنا معه سمعنا أصواتاً لطائرات حربية تخترق أجواء منطقة مجاورة، فقال لنا: «هذه أصوات الطائرات الإسرائيلية التى ترهبنا ليل نهار، تطير للاستطلاع أو للتدريب فى الأراضى المحتلة وتصل أصواتها إلينا بشكل ملحوظ، لكننا تعودنا على ذلك، ولحسن حظكم فهى الآن لا تقوم بقصف أحد المواقع لتسمعوا أصوات الانفجارات التى تحدثها».

أطفال الجبل لهم نصيب كبير من المعاناة، فلا مدارس قريبة ليحصلوا على حقوقهم فى التعليم، ولا مستشفى أو مستوصف صحى فى المنطقة بأسرها، وأقرب مشفى يمكنهم الذهاب إليه يقع فى مدينة الشيخ زويد، التى تبعد أكثر من 200 كيلومتر، وبالطبع فأبناء من وردت أسماؤهم فى سجلات المطلوبين لا يستطيعون تخطى الكمائن الموجودة على الطريق.

مدرسة «بن جرمى» التى تبعد نحو 10 كيلو مترات من الطريق الرئيسى تعتبر إحدى مدرستين موجودتين فى الجبل بالكامل، وهى عبارة عن 4 صفوف بلا أسوار يعلوها علم متهالك، ويأتيها عدد كبير من طلاب السنوات الابتدائية، فلا توجد مدرسة إعدادية فى الجبل، وعلى من يرغب فى استكمال دراسته التوجه إلى «الشيخ زويد»، بينما يشكو عدد كبير من الأطفال من أن غالبية المعلمين لا يأتون إلى المدرسة من الأساس.

وعن آبار مياه الشرب، يقول أحد الأهالى- طلب عدم ذكر اسمه- إن البئر الواحدة قد يكلف حفرها وتجهيزها نحو 100 ألف جنيه، فالمياه الجوفية توجد على بعد يتراوح ما بين 70 و200 متر تحت سطح الأرض، بينما يتكلف توصيل التيار الكهربائى مبالغ باهظة بسبب الاعتماد على مولدات خاصة.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية