احتفل «جوجل» موقع البحث الأمريكى على شبكة الإنترنت بالذكرى 1147 لميلاد شيخ الأطباء أبو بكر الرازي، صباح الأحد، حيث وضع محرك البحث العالمي صورة تتوسط شعاره الشهير يظهر فيها «الرازي» وهو جالس بين أدويته وكتبه.
حياة «الرازي» شيخ الأطباء
لم يكن «الرازي» طبيبا فحسب، بل أبدع في مجال القيم والأخلاق والدين، وأصبح مرجعية علمية لا مثيل لها، ويعود أصل اسمه نسبة إلى مسقط رأسه «الري» التي ولد فيها سنة «250هـ/ 864م»، وهي مدينة صغيرة قريبة من طهران حاليا، فتحها العرب في زمن الخليفة عمر بن الخطاب، وقضى حياته في بغداد وتوفي فيها «313هـ/925م»، حسب ما نشره البيروني في كتابه «فهرست كتب الرازي».
اهتم الرازي بالعلوم التي لها علاقة بالطب، كعلم الكيمياء والأعشاب، كذلك علم الفلسفة، لكونه يحوي آراء الكثير من الفلاسفة اليونان الذين كانوا يتكلمون في الطب أيضًا، وكان أستاذه الأول في الفلسفة هو «البلخي». وتقلَّد «الرازي» منصب مدير مستشفى مدينة الري، بعد دراسته لسنوات كل ما يتعلق بأمور الطب، وذاعت شهرته ونجح في علاج الكثير من الحالات المستعصية في زمانه، وسمع بأمره الكبير والصغير، حتى سمع به «عضد الدولة بن بويه»، كبير الوزراء في الدولة العباسية، فاستقدمه إلى بغداد ليتولى منصب رئيس الأطباء في المستشفى العضدي، وهو أكبر مستشفى في العالم في ذلك الوقت، وكان يعمل به خمسون طبيبًا.
والمستشفى العضدي لم يكن مجرد مستشفى فقط، بل كان جامعة علمية، وكلية للطب على أعلى مستوى.
مؤلفات «الرازي»
لم يكن «الرازي» يكتفي فقط بالتدريس والتعليم والامتحانات لنقل العلم، بل اهتم بجانب آخر لا يقل أهمية عن هذه الجوانب وهو جانب التأليف، فكان يكثر من التأليف وتدوين المعلومات وكتابة الكتب الطبية، حتى أحصى له ابن النديم في كتابه «الفهرست» 113 كتابًا و28 رسالة، وهذا عدد هائل، خاصة أنها جميعًا في مجال الطب.
وكتب «الرازي» في كل فروع الطب والمعرفة في ذلك العصر، وترجم بعضها إلى اللاتينية، لتستمر المراجع الرئيسية في الطب حتى القرن السابع عشر، ومن أشهر كتبه «تاريخ الطب»، وكتاب «المنصوري»، وكتاب «الأدوية المفردة»، الذي يتضمن الوصف الدقيق لتشريح أعضاء الجسم.
ويعد كتاب «الحاوي في علم التداوي» من كتبه الموسوعية في مجال الطب، حيث يحتوي على كل المعلومات الطبية المعروفة حتى عصر «الرازي»، والذي جمع فيه كل الخبرات الإكلينيكية التي عرفها، وكل الحالات المستعصية التي عالجها، وتتجلى فيه مهارته ودقة ملاحظاته، وغزارة علمه، وقوة استنتاجه، وتُرجِم هذا الكتاب إلى أكثر من لغة أوروبية، وطُبع لأول مرة في بريشيا بشمال إيطاليا عام 1486، وهو أضخم كتاب طُبع بعد اختراع المطبعة مباشرة، وكان مطبوعًا في 25 مجلدًا.
وظل «الرازي» مرجعًا لأطباء أوروبا حتى القرن السابع عشر الميلادي، وتميز في كتابه «الجدري والحصبة»، أنه أول من فرق بين مرضي الجدري والحصبة، ودوَّن ملاحظات في غاية الأهمية والدقة للتفرقة بينهما، وأُعيدت طباعة هذا الكتاب في أوروبا أربع مرات.
ومن كتبه أيضًا كتاب «الأسرار في الكيمياء»، الذي بقي مدة طويلة مرجعًا أساسيًّا في الكيمياء في مدارس الشرق والغرب.
ومن كتبه المهمة كذلك كتاب «الطب الروحاني»، الذي ذكر فيه أن غايته من الكتاب هو إصلاح أخلاق النفس، وحضَّ فيه على تكريم العقل، وعلى قمع الهوى، ومخالفة الطباع السيئة، وتدريب النفس على ذلك.
من إسهامات «الرازي»
هو أول من ابتكر خيوط الجراحة، وصنع المراهم، وله مؤلفات في الصيدلة ساهمت في تقدم علم العقاقير. وله 200 كتاب ومقال في مختلف جوانب العلوم، كما يعتبر مؤسس علم الكيمياء الحديثة.
وله إسهامات في مجال علوم الفيزياء، حيث اشتغل «الرازي» بتعيين الكثافات النوعية للسوائل، وصنف لقياسها ميزاناً خاصاً أطلق عليه اسم الميزان الطبيعي.
ويظهر فضل «الرازي» في الكيمياء، بصورة جلية، عندما قسم المواد المعروفة في عصره إلى أربعة أقسام هي «المواد المعدنية، والمواد النباتية، والمواد الحيوانية، والمواد المشتقة».
كما قسّم المعادن إلى أنواع بحسب طبائعها وصفاتها، وحضّر بعض الحوامض وما زالت الطرق التي اتّبعها في التحضير مستخدمة إلى الآن، وهو أول من ذكر حامض الكبريتيك الذي أطلق عليه اسم زيت الزاج أو الزاج الأخضر، كما حضّر في مختبره بعض الحوامض الأخرى، كما استخلص الكحول بتقطير مواد نشوية وسكرية مختمرة، للاستفادة منه في استنباط الأدوية المتنوعة.