x

«المصري اليوم» ترصد تفاصيل الساعات الأخيرة في حياة تاجر السلاح الذي قتله ضحاياه

السبت 25-08-2012 17:30 | كتب: ولاء نبيل |
تصوير : محمد راشد

«ابن البلد الشهم»، و«محترف الإجرام»، و«المسجل خطر».. مصطلحات عديدة ومتناقضة ارتبطت بشخص واحد، هو «محمد محمود زقزوق» المعروف بين أهالى محافظة دمياط بـ«حمادة زقزوق».. ذلك الشاب الذى لم يتجاوز عمره 36 عاماً، واستطاع على مدار 16 عاما بناء إمبراطورية خاصة به فى تجارة السلاح بمحافظة دمياط، فى الوقت نفسه حرص على اقتناء مجموعة كبيرة من الأسلحة الحديثة، بينها أنواع متطورة يندر وجودها فى مصر، والتى يؤكد أفراد عائلتة وأهالى قريته، «الشيخ ضرغام»، أن وجودها معه كان ضروريا لحماية أهالى قريته ومدينة «رأس البر» التى يمتلك فيها مكتباً للاستثمار العقارى، وكذلك لرد حقوق مئات المظلومين، الذين كانوا يلجأون إليه. فيما قال آخرون إن امتلاكه هذه الأسلحة كان بغرض استخدامها فى جرائم الخطف والسرقة وقطع الطرق.

كان «حمادة» يمر بصحبة بعض أفراد عائلته ومعاونية فوق كوبرى قرية الرطمة، فى ثالث أيام عيد الفطر، وأثناء ذلك وقعت «المشاجرة الأخيرة» التى أودت بحياته.

روى السيد رجب، أحد الذين أصيبوا فى الأحداث، تفاصيل الحادث لـ«المصرى اليوم»، عقب خروجه من المستشفى بعد علاجه من الرصاصات والشظايا، قائلا: إن «زقزوق» مر فوق الكوبرى بسيارة نقل، فى الوقت الذى كان يقف فيه وسط مزرعته السمكية الواقعة على الطريق لنصب غزل الشباك، وأخبره أن معه «لنشا» جديدا يريد إنزاله فى المياه، ورغم أنه كان يسمع عن مغامراته مع أهالى قريته، إلا أنه طلب منه احترام أهالى القرية وعدم الدخول إليها حاملا السلاح معلقا على كتفه بطريقة قد تصيب النساء والصغار بالفزع.

كان مجرد طلب أو نداء توجه به لـ«زقزوق» إلا أنه كان سببا فى نشوب مشاجرة تحولت إلى حرب بين «حمادة» وأعوانه البالغ عددهم نحو 15 فردا، وبين أهالى القرية، بدأت بإطلاق «حمادة» الرصاص عشوائيا لإرهاب الأهالى، وإنهاء المعركة لصالحه بأقل خسائر، لكن الأهالى تجمعوا، وتصدوا لرصاصاته وأعوانه بالحجارة والعصى الخشبية، حتى حاصروه وأوسعوه ضربا، قبل أن يشعل بعضهم النار فى جثمانه الذى تفحم بالكامل فى مشهد كان بشعاً، وأرجع الأهالى ذلك إلى حالة الغضب التى بدأت باستفزازه المتكرر لهم، مؤكدين أنهم لم يقصدوا قتله بهذه الطريقة «البشعة» -على حد وصفهم.

على بعد أمتار من منزل «السيد رجب» أقيم سرادق متواضع من بضعة كراسى خشبية، استقبل أهالى «حسن فرج» ضحية قرية «الرطمة» الوحيد الذى لقى حتفه فى تلك المشاجرة، جزاء لشهامته التى دفعته لنجدة ابن قريته أثناء المشاجرة، لكن رصاصات «زقزوق» وأعوانه كانت أسرع إلى صدره، ليفارق الحياة قبل أن يتمكن أحد من إسعافه، بحسب تأكيد شقيقه الأصغر.

ولم يختلف الأمر كثيراً فى قرية «الشيخ ضرغام»، مسقط رأس «زقزوق»، حيث يعيش أهالى القرية الأجواء نفسها حزنا على مقتل من يعتبرونه حاميهم وسندهم.

بمجرد دخولنا القرية استقبلنا العشرات من أقارب زقزوق وجيرانه ومعارفه، وعبروا جميعا عن حزنهم لمقتل من كان ينصر المظلوم ويحقق العدل ويغيث كل من يحتاجه، بحسب تأكيداتهم.

«حمادة ده كان عامل زى بنت البنوت»، هكذا وصف محمدين زقزوق، أحد أفراد عائلة حمادة طفولته ومرحلة شبابه، حيث كان يحرص حمادة منذ صغره على ارتداء الملابس النظيفة وعدم اللعب فى الشارع مثل بقية الأطفال، ورغم تواضع المستوى المادى لأسرته، فإن والده الذى كان يتكسب قوته من محل بقالة يملكه، حرص على تعليم أبنائه، فتخرج أحدهم فى كلية السياحة والفنادق، والآخر فى كلية الطب، حيث يعمل طبيبا بمستشفى قصر العينى، بينما انقطع «حمادة» عن دراسته فى عامه الدراسى الثالث بكلية الحقوق.

وقال «محمدين»: اضطر حمادة لحمل السلاح لأول مرة فى حياته بعد الثورة بهدف تأمين مكتب الاستثمار العقارى الذى يمتلكه فى رأس البر، وكان أول سلاح اشتراه عبارة عن بندقية آلية «روسى» باعها له ضابط شرطة بـ13 ألف جنيه، حيث كان دائم الاتصال بضباط الشرطة، ومن قوة علاقته بهم طلبوا منه تأمين قسم ومنشآت الشرطة أثناء الثورة، وهى المهمة التى نجح فيها بالفعل بمعاونة بعض معارفه وأصدقائه.

وأضاف: «تأمين حمادة للشرطة جعله أكثر جرأة للتوسع فى شراء السلاح، خاصة أنه تعاون مع الشرطة فى أكثر من موقف، من بينها تصديه لمحاولة سرقة سلاح الأمن المركزى، مما دفع المئات من الأهالى للاستغاثة به إما لتأمينهم أو لاستعادة حقوقهم المنهوبة.

وتابع: سمات أخلاقية وإنسانية كان يتمتع بها حمادة، كانت السبب فى ميله لنصرة الحق، وكان رجلا لا يكذب شهما بمعنى الكلمة، لا يخاف من أحد، ومن يطلبه يجده فى أى وقت ومكان، وكان محبوبا وسط الأطفال الذين كان يحرص على توعيتهم بأن يكونوا يدا واحدة فى كل المواقف، كما أن كرمه كان يدفعه لإعداد ولائم الطعام مرة كل أسبوع تارة لأهله أو لأصدقائه أو حتى للعائلات التى كان يتدخل للصلح بينهم فى الجلسات العرفية، التى كان يحل فيها مشاكل الميراث والأراضى، مشيرا إلى أن دراسته فى كلية الحقوق، وإجادته للحديث بلباقة، وملازمته للبدو وشيوخ القبائل- جعلته على دراية جيدة بالأحكام العرفية للفصل فى الجلسات.

وقال: من أصعب المواقف التى تصدى فيها حمادة لحماية أهالى القرية مواجهته للبلطجية الذين كانوا يستولون على حصة الصيادين من أسماك الزريعة، وهى المجموعات التى عجزت الداخلية عن التصدى لها لسنوات، لدرجة أنه كان يفتش أى مركب صيد يمر ببحيرة المنزلة، لضمان عدم حمل طاقمها أى أسلحة يمكن أن يهدد بها أحدا.

وتابع: عندما سمع بمحاولة شابين من أبناء القرية الاعتداء على إحدى السيدات داخل منزلها، أصر على الثأر لها بنفسه، فقام بتقييدهما بالسلاسل الحديدية، وجردهما من ملابسهما، وكتب على ظهريهما بالخط الأحمر «لسنا رجالة» وذلك قبل أن يطوف بهما أرجاء القرية وسط زغاريد الأهالى ليكونا عبرة لمن يعتبر.

طأطأ محمدين رأسه لأسفل، ويصمت للحظات قبل أن يعاود حديثة بصوت مختنق: «حمادة كان حاسس أن نهايته قربت، عاد إلى البلد يوم العيد وسلم على كل أقاربه ومعارفه، واحتضن كل من قابله، ووصانى على ابنه الصغير، وقبل 20 يوما من وفاته كان يمشى دون أن يحمل أى سلاح، لكن الشعور بانتظار الموت كان مسيطرا عليه، فكان يردد دائما أنا منتظر الموت بس عارف إن ربنا راضى عنى، ومات وهو صائم فى أحد أيام «الستة البيض» من شوال.

«كانت مبادرة لصالح البلد كلها» هكذا قال محمد الحمصانى، أحد أبناء القرية عن قطع زقزوق لطريق رأس البر، مضيفا: «حمادة» لم يفعل ذلك إلا بعد إلقاء الشرطة القبض على أحد أبناء القرية ويدعى «منصور»، وعندما علم بمحاولتهم تلفيق تهم له، قطع الطريق لأجبار «الداخلية» على محاكمة «منصور» فقط فى القضايا المتورط فيها، وكان يريد توصيل رسالة لهم بأن نهج الداخلية القديم فى تلفيق تهم لن يحدث بعد الثورة، وعندما استجابت مديرية الأمن له فتح الطريق بعد ساعتين من إغلاقه.

وصف العربى الديب، من أبناء القرية، «زقزوق» بحامى البيوت والأطفال والسيدات والمزارع، وقال: «كنا نشعر بالأمان بمجرد رؤيته وهو يمر فى شوارع القرية».

من جهة أخرى، أكد اللواء سامى الميهى، مدير أمن دمياط، أن المديرية استعانت بقوات من الأمن المركزى، تحسبا لوقوع أى صدام بين أهالى القريتين، كما شنت حملات أمنية على قرية «الشيخ ضرغام» لضبط بقايا التشكيل العصابى الذى كان يتزعمه «زقزوق»، وتم ضبط سلاح آلى وخرطوش و15 كيلو بانجو.

وأكد «الميهى» استمرار الحملات الأمنية خلال الفترة القادمة، واستمرار التواجد الأمنى بعزبة البرج، على أن يتم سحبها بعد الاطمئان على استقرار الأوضاع الأمنية بين أهالى القريتين.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية