x

«المصري اليوم» ترصد معاناة العالقين داخل محطة مصر

الإثنين 20-08-2012 16:13 | كتب: وائل محمد |

لا ترتبط معاناة المسافر عبر محطة القاهرة للسكة الحديد بالسفر فى الأيام الأولى للعيد، فالأزمة مستمرة فى رحلة العودة، وكذلك طوال العام، فالتذاكر تباع فى السوق السوداء تحت سمع وبصر المسؤولين، إلا أن الجميع لا ينكرونها، بل يؤكدون أنهم عجزوا عن معالجتها.

معاناة الركاب لا تتوقف عند هذا الحد، فالقطارات المميزة بلا زجاج للنوافذ، أما الكراسى فهى متهالكة، وهو ما يشكل رحلة عذاب مزدوجة للركاب، نتيجة تيارات الهواء المحملة بالأتربة والكراسى المحطمة، إضافة إلى الروائح الكريهة التى تنبعث من كل مكان نتيجة إهمال الهيئة الصيانة والنظافة رغم إنفاقها ملايين الجنيهات لتجديد واجهة المحطة.

«المصرى اليوم» رصدت رحلة العذاب اليومية للركاب داخل قطارات عفى عليها الزمن، وتهدد حياتهم بالخطر فى ظل إهمال التأمين الكافى لمرافق الهيئة، ما دفع محرر «المصرى اليوم» إلى اختراق كابينة أحد القطارات دون أن يشعر به السائق ودون أن توفر له الهيئة التأمين الكافى.

ذهبنا إلى ميدان رمسيس، وهو من أكثر ميادين القاهرة ازدحاماً، كل شىء داخل الميدان تحول إلى عشوائية مفرطة، حيث الباعة الجائلون، ما اضطر المواطن إلى السير فى نهر الشارع، بدلاً من الأرصفة، تخلصنا من ذلك الزحام حتى وصلنا إلى محطة سكة حديد مصر، شعرنا عند روئيتنا للمحطة من الداخل، أن هذا الموقع غير موجود فى مصر، أو ربما أخطأنا وذهبنا إلى أحد المحلات التجارية العالمية، لكن بعد رؤيتنا للمسافرين وهم يحملون الحقائب تأكدنا أنها محطة سكة حديد مصر بعد التجديدات التى حلت عليها، والتى تكلفت نحو 170 مليون جنيه.

بدأ رصدنا داخل المحطة، بالتوجه إلى رصيف رقم 8 حيث القطار رقم 990 المتجه من القاهرة إلى أسوان، فإذا بالمئات من المواطنين يفترشون الأرصفة، صراخ الأطفال يعلو داخل المكان بسبب ارتفاع شدة الحرارة، والضجيج الذى يعلو بسبب الازدحام الشديد داخل المحطة، رصدنا أيضاً داخل المحطة بعض العالقين لأكثر من رحلة تعطلت بسبب تجمهر بعض المواطنين فى منطقة شبرا الخيمة وقليوب وقيامهم بقطع الطريق لعدة ساعات، كما توقفت حركة قطارات الوجه القبلى لوجود عطل فنى فى عربات القطار رقم 868 والمتجه من القاهرة إلى سوهاج، ما أدى إلى توقف القطارات على الرصيف.

ممدوح حسن، أحد المواطنين العالقين داخل المحطة، تحدث لـ«المصرى اليوم» قائلا: «نحن نعلم أن الدكتور محمد مرسى، رئيس الجمهورية، يسبح فى بحر من المشاكل والأمواج العاتية، لكن نطالبه بسرعة، التصدى للفوضى التى زادت وتيرتها خلال الفترة الأخيرة، بفضل سلوكيات بعض المواطنين، الذين لا يقدرون حجم المسؤولية التى تعيشها البلاد، فهم لايقدرون بتصرفاتهم الفوضوية، من قطع طرق وغيره، المعاناة التى يعيشها بعض المواطنين البسطاء، الذين يرغبون فى الاحتفال بعيد الفطر مع أسرهم، ولابد أن يكون للرئيس موقف حاسم وسريع للوقوف فى وجه هؤلاء الذين لا تهمهم مصلحة هذا الوطن».

وأضاف: «لا بد أن تولى الحكومة اهتماماً بالمواطن البسيط الذى لا يستطيع السفر عبر القطارات المكيفة، فالقطارات المميزة أصبحت متهالكة ولاتصلح لركوب الحيوانات، فضلا عن الإنسان، وأنها تمثل خطراً على حياة المواطن، لأن أبوابها تظل مفتوحة، وهذا يمثل خطراً أكبر على المواطنين».

وعن ظاهرة تأخر القطارات تقول «آمنة»: «ننتظر القطار القادم من الإسكندرية إلى أسوان، ما يزيد على الـ5 ساعات، على الرغم من أننى أعانى من عدة أمراض، والدكتور حذرنى من الجلوس لفترة كبيرة».

تركنا رصيف المحطة، وتوجهنا إلى جراج القطارات، الذى يبعد عن محطة رمسيس بحوالى 50 متراً، فوجدنا أحد القطارات المتجهة إلى محطات التبين والفيوم، متأخراً عن موعده أكثر من 5 ساعات كاملة، الأمر الذى تسبب فى غضب الركاب، الذين نزلوا على شريط السكة الحديد دون أن يعترضهم أحد، وذهبوا إلى «بلوك» رقم 1 الموجود فى بداية المحطة، لمعرفة أسباب تأخر القطار، فجاء الرد عليهم من قبل العامل «ياجماعة أنا مهمتى أسحب قطار، أو أوجه آخر على الرصيف، دى شغلانتى»، الركاب لم يقتنعوا بهذا الكلام، وهددوا الموظف بتكسير الرصيف، فما كان من عامل البلوك إلا اللجوء للهاتف، ويظل يتحدث به لمدة ربع ساعة، انتظرنا لمدة نصف ساعة ورغم ذلك لم يتحرك القطار، فقام الركاب باقتحام البلوك ورشقه بالحجارة ما أدى إلى تحطم أجزاء من الواجهة، وظل عامل البلوك يستغيث عبر الهاتف: «الركاب بيكسروا فى البلوك فين الشرطة»، واستمرت الاستغاثة لمدة 10دقائق ولم يصل أحد، صعدنا إلى البلوك لنجد رجلاً فى أواخر الأربعينيات من عمره، تحدث قائلاً: «إحنا خلاص تعبنا أعملكم إيه، أنا ذنبى إيه إن القطار بتاعكم تأخر».

تحدثنا مع الركاب حتى أقنعناهم أن عامل البلوك لايوجد لديه مايقدمه إليكم لحل مشكلة تأخر القطارات واستجاب البعض منهم، بينما ظل العشرات من الشباب واقفين على شريط السكة الحديد المعطل. تركنا القطار والركاب وأكملنا الطريق إلى الجراج، حيث وجدنا قطارات تدخل الجراج للتخزين بعد رحلة سفر، وهناك بعض عمال الصيانة يقومون بإصلاح القطارات المعطلة.

عم محمد حسن، يعمل فنى ميكانيكى داخل جراج السكة الحديد منذ 30 عاماً، يقول: «القطارات الموجودة فى محطات السكة الحديد عفى عليها الزمان وأصبحت متهالكة ولا تصلح، والأعطال التى تصل إلينا أصبحت تحتاج إلى قطع غيار مستوردة، يتم استيرادها من دول أوروبا، لأن تلك المعدات غير متوافرة فى مصر». نافياً مايتردد عن أن هناك قطارات تخرج للعمل ويوجد بها عطل فنى قد يؤدى إلى كارثة.

وقال: «أغلب القطارات يتم الكشف عليها من قبل فنيين ومهندسين، لكن هناك بعض المشاكل التى تواجهنا وذلك لنقص قطع الغيار، لأن أغلب الأعطال التى تخرج هى أعطال فى التكييف والسباكة الموجودة داخل القطار.

وأضاف: «يتعرض الجراج للسرقة منذ بداية ثورة 25 يناير من قبل بلطجية، نظراً لوجود بعض قطع الحديد التى يتم تقطيعها وبيعها لبائعى الخردة»، مضيفاً أننا توجهنا إلى رئيس هيئة السكة الحديد نطلب زيادة تأمين الجراج من قبل الشرطة ووعدنا بذلك، دون أن يتحقق شىء.

كان يوجد أيضا بعض «جرارات» القطارات كانت على الأغلب تستعد للتحرك إلى محطة سكة حديد مصر، توجهت إلى كابينة سائق أحد القطارات فوجدنا بالداخل مقعدين، الأول للسائق والثانى للمساعد، وهناك بعض التعليمات المكتوبة لمساعدة السائق، ويوجد أيضاً بعض اللوحات الأمامية التى يتم تحريك القطار منها، كل هذا دون أن يعترضنا أحد، رغم بقائنا داخل كابينة السائق لمدة ربع ساعة، وبعد ذلك وصل إلينا أحد العمال وتحدث قائلاً: «إنتم بتهببوا إيه هنا»، فأقنعناه أننا نلتقط بعض الصور للذكرى، فكانت إجابته: «ياجماعة مينفعش إللى بتعملوه، مش عاوزين أذية من حد»، فتركنا الكابينة وعدنا إلى محطة القطار مرة أخرى».

أزمات قطاع السكة الحديد لم تكن فى القطارات المتهالكة، أو فى تأخر المواعيد فحسب، وإنما أيضاً الحصول على تذكرة من شباك التذاكر، وخاصة فى المواسم والأعياد، هو درب من دروب الخيال، حيث يتطلب ذلك الذهاب إلى المحطة قبل موعد السفر بأسبوعين والوقوف فى طابور طويل قرابة الـ5 ساعات كاملة للظفر بها، وبعد محاولات مضنية، قمنا بشراء بعض تذاكر القطار قبل نهاية شهر مضان بـ10 أيام، وذلك لبيعها فى السوق السوداء، كان الأمر يعد مخاطرة بالنسبة لنا، خاصة أنه وصل إلينا، بأن هناك حملات تستهدف ظاهرة بيع التذاكر فى السوق السوداء، بسبب تعدد البلاغات من المترددين على المحطات بانتشار سماسرة لبيع التذاكر بأسعار أعلى من قيمتها الحقيقية، لم نتردد وذهبنا إلى المحطة بعد انتهاء رحلة «جراج» القطار، لبيع التذاكر داخل المحطة بسعر أعلى من قيمتها الأصلية، فوجدنا الإذاعة الداخلية لمحطة سكك حديد مصر تتطالب الركاب بالتوجه إلى شباك التذاكر لإعادة التذاكر نتيجة تعطل القطارات بسبب قطع الطريق.

فى الجهة المقابلة، كان يقف على الرصيف رقم 11 قطار درجة ثالثة متجهاً من القاهرة إلى أسوان، وهو المعروف عند الصعايدة بـ«القطار المميز»، حيث ركبناه من محطة مصر إلى محطة الجيزة، للتعرف على حالته بعد مزاعم التجديد، فوجدنا مقاعده من «البلاستيك فبر» وهى مقاعد لايمكن تحملها فى المسافات الطويلة، ونوافذه محطمة، ولا تستطيع المرور من عربة إلى أخرى، لافتراش بعض الركاب الأرض بعد فشلهم فى الحصول على مقعد داخل القطار، لأن الأسبقية فى حجز المقاعد للأقوى، ولم تختلف دورات المياه كثيراً عن غيرها، فى انبعاث الروائح الكريهة التى تجعلك تترك القطار، وعلمنا من الركاب أن القطار يظل مظلماً حتى يصل إلى محافظة أسوان.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية