مع دقات الساعة الثامنة مساء بتوقيت بغداد يُفتتح ستار المسرح الوطني العراقي لبدء عرض يتمنى ممثلوه أن يصبح استئنافا لعروض المساء العادية بعد ست سنوات ونصف السنة على الغزو الأمريكي للبلاد، ويذكر العرض الذي يحمل اسم "اللي يريد الحلو يصبر على مره" مئات المشاهدين العراقيين بالمآسي التي تعرض لها بلدهم، وبأن عرض مسرحية في هذا التوقيت من المساء يمثل إنجازاً كبيراً.
ويرتدي الممثلون أزياء بيضاء في إشارة للسلام، وتدور المسرحية حول قبيلتين تتنازعان بسبب زواج ترفضانه، لكنهما تتحدان في نهاية العرض وتعيشان في سلام وانسجام، ويصدح الممثلون بأغنية في المسرحية يقولون فيها "لنفرح. لم نحزن من دون كل البشر.."
يذكر أن تراجع العنف الطائفي في العراق على مدى الشهور الثمانية عشرة المنصرمة، قد سمح للعراقيين بالعودة لحياتهم الطبيعية كما عادت للعمل الملاهي الليلة والنوادي والمطاعم ومعارض الفنون، لكن هجمات انتحارية ضخمة كالهجوم على مبان حكومية يومي 19 أغسطس و25 أكتوبر تذكر العراقيين بأن الأمن لازال "هش".
وحاول المسرح الوطني العراقي استئناف عروض المساء عام 2008 بمسرحية كوميدية، لكن الأمر لم يستمر سوى شهرين فقط، وكرر المحاولة في سبتمبر بعدما تم تقليل مدة حظر التجول في بغداد وأصبح العراقيين أكثر استعدادا للخروج في المساء.
وقال «حارث سليم» (32 عاما) الذي يستكمل دراساته العليا "نحن متشوقين لهذه العروض. هذه العروض تذكرنا بالأيام الحلوة القديمة."
وتحرس الشرطة العراقية المسرح المحاط بأسوار تقيه من الانفجارات ، وتفتش الشرطة رواد المسرح، لكن الأمن لا يشكل التحدي الوحيد.. فمحاولة إقناع الممثلين العراقيين بالعودة لبلدهم ليست سهلة، حيث كان كثير من الممثلين العراقيين قد فروا إلى سوريا هربا من العنف الذي أثاره الغزو الأمريكي عام 2003 وتنامي خطر الميليشيات الدينية.
وذكر «عصام العباسي» منتج المسرحية أن العرض يتناول حب العراق والعودة إليه وقال "بالتأكيد كان الإقبال الجماهيري في الماضي أكبر والسبب استقرار الوضع الأمني في البلد. قيام هذا العمل في هذه الظروف يعتبر انجازا بذاته."
ويسع المسرح الوطني العراقي لنحو 1300 متفرج وبني أثناء الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينات، وكان المسرح يعرض في تلك الأيام كلاسيكيات لكتاب كبار مثل «شيكسبير» و«تشيكوف» لكنه يعرض الآن بعض المسرحيات العراقية.
وتغلب الكوميديا مع تزايد اعتياد العراقيين على السخرية من قادتهم ومآسيهم، مما يمثل تغييراً عما كان عليه الحال أيام الرئيس الراحل «صدام حسين»، وقال الممثل «ناهي مهدي» "قبل التغيير المسرح لم يكن جريء. لكن الآن بعد التغيير صارت النكتة يعبر عنها بحرية."
وكانت الممثلة العراقية «إنعام الربيعي» من القلائل الذين لم يتركوا العراق أيام الاقتتال الطائفي الدموي، وقالت "لا زال الرقيب يعيش بداخلنا لكن ليس كالسابق .. اليوم نستطيع الحديث بحرية."
وأشارت إلى أنه في الأيام التي تقع فيها انفجارات ضخمة تودي بحياة العشرات يكون المسرح أكثر ازدحاما بالمتفرجين، وقالت " يبدو أن الجمهور يريد إيصال رسالة معينة للمهاجمين بأنه ليس خائفا وبأن الحياة مستمرة".