ربما لا يصدق أحد أنه فى عصر العولمة والتكنولوجيا الحديثة هناك أشخاص يعيشون حياة بدائية تفتقر إلى أدنى الحقوق والاحتياجات التى تضمن حياة كريمة، ففى إحدى ضواحى الجيزة بالقرب من العمرانية الشرقية تجد حياة بدائية بكل ما تعنيه الكلمة: أناس يعيشون فى عشش مصنوعة من الطين وبقايا الخشب، وطلاب يذاكرون دروسهم على طبلية ولمبة جاز وهما من التراث المصرى القديم، الغريب أن هؤلاء الأسر وعددهم 15 أسرة يطلق عليهم «عرب باكثير» لانتماء جذورهم إلى الروائى الكبير على أحمد باكثير.
عشش «عرب باكثير» تمتد إلى 90 عاما، فحال سكان تلك العشش لم يتغير طوال هذه السنوات، فهم يتوارثونها جيلا بعد جيل، ورغم حياتهم التى تبعد تماما عن الحداثة فإنهم يصرون على تعليم أولادهم، فربما تأتى رياح التغيير من الأجيال الجديدة. «لا ماء ولا صرف صحى ولا كهرباء ولا بيوت آمنة».. هذا هو حال العائلة الكبيرة التى تضم 15 أسرة ويفتخر جميع أفرادها بأنهم أحفاد «على أحمد باكثير»، الذى عاش وتزوج فى مصر ورغم أنه لم ينجب فإنهم مازالوا يحملون لقب عائلته، ولديهم وثائق وشجرة عائلة يحتفظون بها وتثبت امتدادهم لهذا الروائى الكبير. لكى يحصل سكان تلك المنطقة على مياه فهم يذهبون منذ الفجر إلى المصنع المجاور لهم على بعد أكثر من 200 متر يوميا لملء جراكن المياه لاستخدامها فى الشرب والطهى. أما نقص الكهرباء وهو العائق الأكبر أمامهم فهم يستعيضون عنه بضوء الشموع أو بلمبات الجاز، التى أخرجت أجيالاً من حملة المؤهلات العليا والمتوسطة.
سالم حماد أحد السكان قال «إحنا يمكن على قد حالنا بس من صغيرنا لكبيرنا متعلم.. إحنا ممكن ماناكلش عشان نعلم ولادنا.. وولادنا كلهم اتعودوا إنهم يذاكروا على الشموع أو على الكلوبات بتاعة زمان». وأضاف: «العيال أول ما تيجى من المدرسة تقعد تذاكر على نور ربنا قبل ما تاكل لقمة، وقبل النهار ما يخلص نطلع لمبات الجاز نملاها ونجهزها عشان العيال تكمل مذاكرة».
ليس هذا هو حال سالم فقط، فكل سكان تلك المنطقة يعانون نفس المعاناة، وإن كان عدم وجود مرافق أساسية هو المشكلة الكبرى التي تواجههم، فإن عدم توافر الكهرباء هو المعطل الحقيقى لرغبتهم فى إصلاح أحوالهم، فهم مقتنعون بأن التعليم هو الحل.