على مساحة 300 فدان تقع مدينة زويل فى مدينة السادس من أكتوبر، وفى قاعة الاحتفالات الرئيسية بالجامعة، كان احتفال «زويل» ومجلس أمناء الجامعة بالمتفوقين والمتطوعين جميعاً مساء الجمعة ، لكن قبل أن يبدأ الاحتفال صحبنا «زويل» لمبنى آخر به مكاتب ومعامل أبحاث بعض العاملين معه، الذين بدأوا عملهم بالفعل، ويتوقع لهم أن يحققوا إنجازات ملموسة. جلسنا فى مكتب الدكتور شعبان خليل، المسؤول عن مركز الفيزياء، وشاركنا الجلسة العالم المصرى الجليل دكتور محمد غنيم، عضو مجلس الأمناء وحولهما باحثون فى عدد من التخصصات.
قال زويل فى بداية اللقاء: «لو لم نحترم أنفسنا فلن يحترمنا أحد، وعلينا نشر الثقافة العلمية والاستماع لبعضنا، وهذه ليست مجرد جامعة تقليدية بل مدينة متكاملة للعلوم تفتح أبوابها للمتفوقين وتبدأ من حيث انتهى العالم المتقدم». وأضاف: «تقوم المدينة هنا على 3 ركائز، أولاها الجامعة التى تتبع نظام ما يعرف اختصاراً باسم(Stem) وهو تعبير يحمل الحروف الأولى لكلمات («العلوم، التكنولوجيا، الإلكترونيات، والرياضيات). فالصلة بين هذه العلوم وثيقة جدا فى العالم المتقدم، الذى يعتمد تقدمه فى جميع المجالات على التقدم فى مجال العلوم الطبيعية. لذا عندما يلتحق الطالب بجامعة «مدينة زويل» سنقدم له دراسات لمدة عامين بعد الثانوية العامة فى كل شىء خاص بعالم العلوم الطبيعية الحديثة.
وأضاف: «سنجرى عملية تأهيل للطالب قبل اختياره التخصص الذى سيختاره للدراسة. وإلى جانب ذلك عليه دراسة لغتين وإتقانهما تماماً، الأولى الإنجليزية لأنها لغة العلم الدولية، والثانية العربية، لأنه لا يجوز أن نخرج علماء لا يتقنون التحدث بلغتهم الأم».
وتابع «زويل»: «أما فى مرحلة التخصص بعد ذلك فلن تتم بالطريقة التقليدية التى نتبعها فى جامعاتنا عبر أقسام محددة، لكن يمكن للطلاب أن يختاروا مثلاً دراسة الطب مع الكيمياء، أو اقتصاد مع إلكترونيات، وهكذا، لأن العالم فى الخارج يسير على هذا النهج. أما الجزء الثانى فى المدينة فهو مراكز البحوث العلمية فى التخصصات المختلفة، وقد قرر مجلس الأمناء ألا نتوسع فى تلك المراكز.
وأوضح: «نريد التركيز على عدد من التخصصات ونبدع فيه ولا نكون أقل من أى دولة أخرى فى العالم. لا يهم العدد لكن الجودة، وسنركز على عدد من المجالات مثل الطاقة المتجددة، وعلم الأمراض وعلوم الطب والجينات وأمراض الشيخوخة. أعلم أن تعبير (معهد) له دلالة خاصة فى الثقافة المصرية، تعطى الانطباع بالدونية فى التعليم وهذا على عكس العالم المتقدم، مثل معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، أما القسم الثالث فى المدينة فقد أطلقنا عليه (هرم التكنولوجيا)، والهدف منه أن يكون همزة الوصل بين ما يتم التوصل إليه من نتائج واختراعات والتطبيق فى المجتمع، لأننا لو لم نستفد مما نبحث فيه فلا قيمة له. ونسعى لتأسيس شراكات مع جهات متعددة لتساعدنا فى ذلك».
وتابع «زويل»: «سنبدأ فى العام الأول بقبول نحو 1000 طالب من المتفوقين فى الثانوية العامة، ومن يتقدم سيكون عليه اجتياز امتحان آخر فى الجامعة لمعرفة قدراته المتميز فيها والتخصص الذى يمكن أن ينبغ فيه، وعلى الطالب اجتياز المقابلة التى سيجريها معه الأساتذة، وهنا أشير إلى أننا سنقبل المتفوقين الحاصلين على الثانوية العامة سواء كانوا من القادرين أو غير القادرين. فالمعيار الأساسى هو التفوق».
ورغم أن شعار مدينة زويل العلمية هو «مصر تستطيع» أو«Egypt Can» فإن «زويل» يقول إن مصر لن تستطيع إلا إذا كان المناخ العام كله مهيئاً للتقدم، لأن التقدم لا يبدأ فى مكان واحد لكنه يجب أن يكون ثقافة عامة من المدرسة للمصنع، إذ لا يمكن أن نطلق صاروخاً للفضاء دون امتلاك أسس العلوم الطبيعية، على حد قوله.
وأضاف: «حالياً تستعد إحدى الجامعات الأمريكية لإرسال معمل بحثى متكامل للمريخ فى أغسطس المقبل. هم يستعدون لإرسال معمل فى المريخ، ونحن على وشك البدء فى 6 أكتوبر. هذا يعنى أن علينا الإسراع فى الخطى الجادة بدعم من المجتمع وجميع مؤسساته».
ورفض «زويل» الحديث عن الإعلام المصرى فى الماضى، وقال إن هناك دوراً آخر على الإعلام أن يلعبه بالدفع للأمام وتسليط الضوء على الإيجابيات لخلق حالة من الأمل القومى لدى المجتمع، وأضاف: «لا معنى لأن نواصل الحديث فى الماضى، علينا التفكير فى المستقبل لمعرفة موضع خطواتنا، وماذا نريد أن نكون كى نعد له. ولا تصدقوا الشعارات القديمة التى كانت تقول إن التقدم يمكن تحقيقه بعمل شراكة مع جهة أو دولة ما، القاعدة العلمية يجب أن يؤسسها المصريون وأن تنبع منهم. لذا ليس أمامنا طريق غير رفع شأن البحث العلمى، ونشر مفهوم الثقافة العلمية، التى لا تعنى مخاطبة الناس فى الرياضيات أو التكنولوجيا، لأن هذا مفهوم قاصر ومحدود روجوا له فى الماضى».
وتابع «زويل»: «الثقافة العلمية تعنى مفهوماً أوسع وأشمل يتضمن طرق التفكير الإيجابى والمناقشة والاستماع لبعضنا البعض ومفهوم العمل الجماعى، لا معنى للحديث عن المعونة ومن سيساعدنا. المصريون تعبوا من بلادهم وهم بحاجة للعمل الجاد. علينا احترام أنفسنا لأننا لو لم نحترم أنفسنا فلن يحترمنا العالم». وشدد «زويل» على أنه ينظر بفخر للمتخصصين العاملين معه فى مراكز الأبحاث، خاصة أن هناك منهم من ترك عمله فى جامعات أمريكية ليعمل فى المدينة.
وقال «زويل» إنه يتمنى وجود وقف قيمته 10 مليارات جنيه، يخصص للمشروع لحمايته من التدمير والبيروقراطية وسيطرة الأهواء الشخصية.
وقال الدكتور خليل شعبان، المسؤول عن مركز أبحاث الفيزياء: «يعمل تحت إشرافى 20 باحثاً من مختلف الجامعات المصرية وأحدهم من الجزائر، تم اختيارهم عبر امتحانات دقيقة ومقابلات شخصية لاختيار أفضل العناصر العلمية فى هذا التخصص العلمى. وقدمت لهم المدينة منحاً علمية ليتفرغوا لإتمام دراستهم للماجستير والدكتوراه على أعلى مستوى عالمى».
وأضاف: «وفى مركز الفيزياء ندرس حاليا النظريات العلمية المسؤولة عن طبيعة المادة الكونية، من المعروف أن هناك 4 قوى هى الكهرومغناطيسية، الجاذبية، النووية الضعيفة، النووية القوية، ونحن نحاول فهم العلاقات بينها لمساعدتنا على فهم الطبيعة المحيطة بنا، ولدينا مجموعة الفيزياء للطاقة العالية، وأخرى للفيزياء الفلكية، وثالثة للجزيئات الأولية، ونأمل أن نحقق نتائج فيما نقوم به من أبحاث ننشرها فى الدوريات العلمية العالمية».
والتقط أطراف الحديث دكتور عمرو الزنط، المسؤول عن قسم أبحاث الفيزياء الفلكية، الذى تحدث بشغف العالم عن طبيعة القسم الذى يركز على دراسة نشأة المجرات وما بينها من نجوم وكيفية وجود مادة غير مرئية تمثل 90% من تلك المجرات، وقال: «نعتقد أن تلك المادة جزيئات غير مكتشفة ونسعى لرصدها فى مراكز المجرات التى تتشكل على هيئة مجاميع وتكوينات فى الفضاء تشبه العنكبوت».
وقال الدكتور سيد لاشين، الباحث فى مجال «الجسيمات الأولية»، إن المجال يركز على دراسة اللبنات الأساسية التى يتكون منها الكون والقوى الأربع المؤثرة فيه. ويتعمق فى حديثه المتخصص مضيفاً: «أحد المكونات الأساسية فى التركيب النهائى للمادة هو (نيوترينو) وهو جسيم كتلته بسيطة وتم اكتشافه منذ الثلاثينيات من القرن الماضى بالتحلل الإشعاعى، ودراسته وفهمه يؤثران على فهمنا لشكل الكون. وقد قيل منذ فترة أنه أسرع من الضوء لكن تم الإعلان عن خطأ تلك الفرضية مؤخراً».
وتدخل الدكتور «زويل» فى الحديث وشرح تلك الجزئية وقال: «الذرة والجسيمات الأولية وغير ذلك من الدراسات تمثل العلم الأساسى فى كيفية التحكم فى المادة. وفى مدينة زويل لن نبدأ من جديد لكننا بدأنا من حيث انتهى الآخرون لنسرع فى اللحاق بهم».
وأضاف: «مجالات العلوم الطبيعية واسعة ومتداخلة ويخدم بعضها البعض، وهذا ما نعمل على ترسيخه عبر تلك المراكز البحثية التى استعنا فيها بمتخصصين فى مراكز عالمية».
وقال الدكتور سامح على، القادم من جامعة كاليفورنيا، الذى ترك عمله من أجل التفرغ لمركز الشيخوخة والأمراض المصاحبة لها، والذى تم إنشاؤه فى المدينة: «كلنا نتحدث عن الشيخوخة لكن العالم المتقدم لايزال يسعى لفهمها وكشف أسبابها لوضع يده على حقيقتها والأسباب المؤدية لها، وفى مركزنا بمدينة زويل، نعمل على دراسة الخلية التى تؤدى للتقدم فى العمر، ومعرفة طريقة إصابتها بالأمراض».
وأضاف: «كما نقوم بدراسة أمور موازية من بينها السلوك الخلوى المسبب للشيخوخة لدى كل البشر، والإجهاد الأوكسيدى، وهو عبارة عن مجال مركزى فى كثير من الأمراض. ولو توصلنا لنتائج فى الشيخوخة وأمراضها فإن ذلك سيساعدنا فى وضع العلاج للكثير من الأمراض مثل السرطانات وعمليات الأداء الذهنى لتحسين الذاكرة».
من جانبه قال الدكتور محمد غنيم، العالم القدير، أحد شركاء الحلم فى مدينة زويل العلمية: «المدينة هنا تقوم على دعم العلوم الطبيعية التى هى أساس التقدم فى العالم، فجائزة نوبل تخصص جائزة فى الطب، لكن لم يحصل على تلك الجائزة منذ نشأتها سوى طبيبين فقط، لأن الطفرات التى حدثت فى عالم الطب قامت على أساس العلوم الطبيعية، مثل المناظير الضوئية والأشعة المقطعية والتفتيت، لذا يزداد إيمانى بتلك المدينة العلمية، لأنها فرصة لحدوث تمازج بين العلوم الطبيعية والإكلينيكية نستفيد منه فى علاج الأمراض».
وأضاف: «أتذكر حالياً نهرو، رئيس الهند، بعد استقلالها، وكانت تعانى الفقر والتعدد العرقى والدينى والجهل، قال إن الهند بلد فقير، لكنه لا يقوى على إهمال البحث العلمى».
وتابع: «العالم يعرف الفارق بيننا وبين الهند اليوم فى مجال البحث العلمى، لذا أتصور أن أهم خطوة علينا فعلها كمؤسسات فى البلد وكمجتمع، هو نشر مفهوم البحث العلمى الجاد والاستفادة منه فى كل مجالات الحياة، وفى ذات الوقت علينا جعل التعليم وتنميته الأولوية الأولى فى إعادة بناء مصر، قبل أى شىء آخر، فالتعليم الجيد والبحث العلمى المتقدم، هما اللذان سيمنحان مصر القوة الناعمة، من خلال التأثير فى المجال العلمى والتواجد فيه والاعتماد على عقول أبنائنا، وكذلك القوة الخشنة فى الدفاع عن أرضنا ومكانتنا، إذا استلزم الأمر، ومراكز الأبحاث فى المدينة يمكنها تغيير وجه مصر لأن العلم لغة العصر».
ورصدت «المصرى اليوم» وقائع تكريم 200 ألف متطوع من أصدقاء المدينة فى قاعة الاحتفالات، ووقف «زويل» شاكراً الحضور وفى مقدمتهم المتطوعون من أصدقاء المدينة الذين مثلهم فى الحفل عدد منهم، بينهم سالى السيد ومحمود عبدالصمد.
وقال «زويل» خلال الاحتفال إنه تم وضع أساسها عام 2000، ولم يبدأ العمل بها إلا عام 2011، وأشار إلى قصة الاستيلاء على أرض المشروع من قبل مسؤولين سابقين، وبنائهم عليها جامعة خاصة، وقال أنه لولا ثورة يناير ما عادت الجامعة بمبانيها وأرضها إليه.
ثم شكر «زويل» كل فريق الباحثين معه، وأعلن أن من بين الحضور 17 طالباً من مدارس المتفوقين جاءوا للمشاركة فطلب منهم الوقوف ليحييهم الجميع.
وبعدها قدم «زويل» طالباً لا يتجاوز عمره 18 عاماً من الإسكندرية يدعى عمرو محمد، الذى تم اختياره ضمن 6 شباب على مستوى العالم فى مسابقة نظمها موقع «يوتيوب» لتصميم تجربة مميزة فى الفضاء.
وقال «زويل»: «أخشى منافسته فى العلم والجامعة، وأشعر أن الناس حين ترى صورتنا معا تتساءل من هذا الذى يقف مع عمرو، وحينما تستمع لعمرو يتحدث، تدرك أن سر بقاء بلادنا تلك، هو أبناؤها من أمثال ذلك الشاب الذى لا يمتلك الخيال العلمى الممنهج فحسب، لكنه يمتلك أيضاً الحضور والقدرة على التعبير عن روح جيله».
وقال «عمرو»: «السنة الجاية حاروح أمريكا للدراسة فى جامعة أمريكية، يا رب تكون جامعة (كالتك) التى يعمل بها الدكتور زويل، وحكاية المسابقة بدأت قبل 3 أيام من قفل باب التقديم، فكرت فى فكرة تكون جديدة ولقيتها فى نوع من العناكب اسمه «العنكبوت النطاط».
وأضاف: «المعروف عن العناكب، أنها تنسج شبكة عنكبوتية لتصطاد فريستها، لكن العناكب النطاطةتنقض على فريستها، فسألت نفسى يا ترى ممكن العناكب النطاطة تعمل إيه لو راحت فى رحلة للفضاء اللى ما فيهوش جاذبية تمكنها من النط، هل ممكن تتحور وتغير طريقة اقتناص فريستها، يا ترى الرغبة فى البقاء ممكن تساعدها ولا حتنتهى حياتها؟».
وتابع: «اشتغلت على التجربة واتقدمت بيها، فى البداية كنا 2000 متسابق من 80 دولة تم تصفيتنا عبر التصويت إلى 60 متسابق. بعدها بدأت مرحلة التحكيم من خلال محكمين متخصصين فى علوم الفضاء. ونجحت ضمن الـ6 الذين تم اختيارهم فى التصفيات النهائية، وسنسافر وكالة ناسا الشهر المقبل. لكن عاوز أقول لكم حاجة مهمة هى إن مدينة زويل عاملة زى ثورة 25 يناير، بتدينى أمل فى بكرة وبتقول إن التغيير ممكن، بس التغيير اللى بنحلم بيه مش حيحصل بقرار من رئيس الحكومة ولا البرلمان، التغيير اللى بنحلم بيه لازم يكون من جوانا إحنا وده اللى بيدينى الأمل».