بعد أن استنفدوا جرعتهم كاملة من الملل والإحباط بسبب التجاهل، قرروا الاحتفال بأنفسهم على طريقتهم ودون مساعدة من أحد، عملاً بمقولة: «لن يحك جلدك سوى ظفرك». منتخب مصر للصم والبكم فى كرة القدم أحرز المركز الثانى فى بطولة العالم فى تركيا بعد التأهل للمباراة النهائية أمام صاحب الأرض بعد نجاحات متتالية وبإمكانيات ضعيفة.
هم لن يجبروا أحداً على اهتمام مفتعل ولحظى، يقول أحدهم: «الفارق بيننا وبين لاعبى كرة القدم العاديين أننا نلعب من أجل المتعة، لا نقود.. لا عقود.. لا إعلانات.. لا احتراف وكاميرات تصوير.. نفرح إذا اهتم بنا وشاهدنا أحدهم، لكن إذا لم يحدث فنحن قادرون على صنع البهجة بأنفسنا ولأنفسنا دون مساعدة من أحد». الاهتمام الرسمى الوحيد كان استقبال السفير المصرى فى العاصمة التركية أنقرة للفريق فى مبنى السفارة وترحيبه بهم، ليقطع بذلك ميراثاً طويلاً من التجاهل الرسمى فى رحلات سابقة للفريق إلى كينيا والأردن، وهو ما استقبله أعضاء الفريق بالتقدير والاحترام، قبل الوصول إلى مطار القاهرة، فتحط أحلامهم على الأرض مع عجلات الطائرة بعد الإهمال الرسمى فى الاستقبال، ولم يكسر هذه الحالة سوى بعضالطبول التى جاء بها أهالى اللاعبين للاحتفال بأصوات لن يسمعوها ولكن يشاهدون وقعها على الجميع فى صالة الوصول
الفريق ملّ الانتظار، لكنه يتوقع فقط برقية تهنئة من الرئيس.
«الكرة حائرة بين لاعبى منتخب مصر.. أبوتريكة يعطى الفرصة لعماد متعب مهاجم المنتخب الأوليمبى لينفرد بالمرمى.. 4 دقائق فقط على نهاية المباراة.. آمال الجماهير المصرية بين قدمى متعب لكنه يضيع الكرة.. الفرصة تتكرر مرة ثانية فى اللحظات الأخيرة من المباراة.. متعب ينفرد بمايكل أوكيفى حارس مرمى نيوزيلندا ولكن دون فائدة أيضا.. يهدر الفرصة بكل سهولة ليضيع على المنتخب فرصة سهلة فى التأهل إلى الدور الثانى بدورة الألعاب الأوليمبية بلندن».. صوت معلق مباراة مصر ونيوزيلندا فى أوليمبياد لندن.
الحزن كان هو العنوان الرئيسى لجماهير الكرة يوم السبت الماضى بعدما أوشك المنتخب الأوليمبى على إضاعة فرصته للتأهل للدور الثانى ولكن الجميع لم يعلم أن المنتخب المصرى للصم والبكم كان سيخوض المباراة النهائية أمام المنتخب التركى فى بطولة كأس العالم المقامة بتركيا عقب نصف ساعة فقط من انتهاء مباراة المنتخب الأوليمبى التى أحزنتهم كثيرا.
هناك فى تركيا وعلى الرغم من التجاهل الرسمى والإعلامى والشعبى لمنتخب مصر للصم والبكم الذى يشارك لأول مرة فى هذه البطولة لكنه نجح فى التفوق على نفسه وعلى منتخبات لها اسمها فى الكرة العالمية، حيث استهل الفراعنة مشوارهم فى الدور الأول بالتغلب على أوزبكستان بنتيجة 5/صفر وعلى إسبانيا 1/صفر واليابان بنتيجة 2/1، قبل أن يتغلب الفراعنة على الماكينات الألمانية فى دور الثمانية ليتأهلوا للدور قبل النهائى وينجحوا فى الفوز على المنتخب الأوكرانى بضربات الترجيح ويصعدوا بعدها إلى الدور النهائى لمواجهة المنتخب التركى، لكن الحظ لم يساندهم فى المباراة النهائية وحصلوا على المركز الثانى محققين إنجازاً تاريخياً لم يحققه أى منتخب مصرى لكرة القدم إلا منتخب الشباب الذى حقق المركز الثالث فى 2001 بالأرجنتين.
لم يكن التجاهل فى تركيا فقط ولكنه كان هنا أيضا فى مصر فجر يوم الأحد الماضى عندما وصلت البعثة إلى مطار القاهرة.. اللاعبون يحلمون باستقبال ضخم يليق بما حققوه.. ولكن نائب رئيس اتحاد المعاقين وأحد أعضاء مجلس إدارة الاتحاد فقط هما اللذان كانا موجودين.. لم يكن هناك أى مسؤول تابع للجهاز القومى للرياضة أو مسؤول كبير بالجهاز أو على الأقل رئيس اتحاد المعاقين، ولم يكن هناك أيضا أى وسيلة إعلامية فى انتظارهم.. «المصرى اليوم» قابلت 3 من أعضاء المنتخب هم المدير الفنى والمدير الإدارى وأحد اللاعبين حكوا تفاصيل البطولة والتجاهل الرسمى والإعلامى وهم بتركيا وبعد عودتهم أيضا.
لكل منهم قصة، وليس للثلاثة الذين استطاعت الجريدة مقابلتهم فقط، ولكن لأعضاء البعثة بالكامل فبداية من المدير الفنى الكابتن فؤاد عبدالحميد الذى كان لاعبا فى نادى الترسانة وبعدها فى فريق الداخلية قبل الانتقال إلى التدريب، حنى بدأت علاقته بتدريب لاعبى الصم والبكم.
يحكى فؤاد «بدأت علاقتى بالتدريب بنادى الداخلية وبعدها لأحد الفرق بالسعودية ولكن فى 1997 وبسبب علاقتى بعدد كبير من شباب الصم والبكم الذين أعرفهم عبر شقيقى الأصم أيضا بدأت تكوين أول فريق للصم والبكم، وكان ذلك تابع لمركز شباب زينهم.. وبعد مفاوضات عديدة مع الإدارة تم تكوين الفريق والمشاركة فى أول دورى للصم والبكم وكان فى العام نفسه وبالفعل فزنا بالبطولة، ليتم ترشيحى بعدها فى عام 1999 لتدريب المنتخب المصرى للصم والبكم وقبلت المهمة لنحصل على المركز الثالث فى البطولة العربية لكرة القدم التى أقيمت بالأردن فى العام نفسه، يختفى بعدها الدعم المادى والمعنوى للفريق دون أى أسباب ليعود من جديد فى 2010، ونحصل على موافقة بالمشاركة فى البطولة العربية لكرة القدم لنحصل على المركز الأول والكأس، وبعدها بدأنا الاستعداد لتصفيات كأس العالم ، وفى أغسطس 2011 سافرنا إلى كينيا لخوض المواجهة أمام المنتخب الكينى دون أى دعم شعبى أو رسمى أو إعلامى وواجهنا المستحيل هناك ولعبنا مباراة الإياب والذهاب هناك وفزنا لنصعد إلى تصفيات كأس العالم فى تركيا».
يقطع الحديث نجاح عبد النبى المدير الإدارى للفريق الذى يبدأ حكاية المنتخب والاستعداد لكأس العالم قائلا: «بدأنا الاستعداد لكأس العالم فى يناير 2012 لم يكن هناك أى اهتمام رسمى ، تفاوضنا مع اتحاد المعاقين لتوفير إمكانيات مادية ومعنوية للتدريب، وبعد عدة اجتماعات وبصعوبة صدرت التعليمات بمساندتنا ولكنها لم تكن كما نريد.. انتهت فترة الإعداد وسافرنا إلى تركيا وقبلها أرسلنا خطاباً إلى وزارة الخارجية لإخطارهم بأن هناك بعثة ستسافر إلى تركيا للمشاركة فى بطولة كأس العالم كعادة كل سفرية ولم نكن نتنظر أى اهتمام من السفارة هناك بسبب ما حدث معنا من قبل فى الأردن وكينيا.. ولكن المفاجأة أن السفير المصرى بتركيا صلاح عبدالرحمن أوفد أحد أعضاء السفارة لاستقبالنا وتسهيل إجراءات الوصول».
«ليس هناك فرق بين فريق الصم والبكم وأى فريق آخر يلعب كرة القدم» الكلام على لسان فؤاد عبدالحميد، الذى يستكمل: «التدريبات والتعليمات هى هى.. الفارق الوحيد هو الإشارة فهى لغتنا.. نحضر لكل مباراة بعد مشاهدة الفيديوهات الخاصة بالمنتخب الذى سنواجهه.. بمشاركة الجهاز الفنى يتم وضع الخطة اللازمة للمباراة واختيار التشكيل المناسب.. كنا نلعب كل مباراة كبطولة لوحدها.. بدأنا مع أوزبكستان ثم اليابان وإسبانيا لنصعد بعدها إلى دور الثمانية لمواجهة ألمانيا لنواجه بعدها أصعب فريق فى البطولة وهو منتخب أوكرانيا لتنقلنا ضربات الترجيح إلى المباراة النهائية لمواجهة منتخب تركيا صاحب الأرض».
يكمل عمرو وجدى لاعب المنتخب وبمساعدة المدير الفنى الذى بدأ فى ترجمة إشاراته ويؤكد أنه كالعادة لا يجد أى اهتمام إعلامى أو رسمى أو شعبى على الرغم مما حققوه من بطولات عديدة موضحا: «إحنا بنلعب بس علشان الكرة.. بنحب الكرة وبنعشقها.. بروح اتفرج على الكرة فى الاستاد وفى أى مكان بلعب كرة.. الكرة هى حياتنا وعلشان كده بنلعبها من غير ما نستنى أى اهتمام، إحنا كمان بنصرف عليها من جيبنا». يوضح عمرو سبب ارتدائه رقم 6 بالمنتخب «ده كان رقم صاحبى اللى كان بيلعب معايا فى كفر الشيخ بلدنا ومات بعد ما اتكهرب، أنا بحب ألبس رقم 9 أو 8 لكن علشانه بلبس 6».
يقول مستخدما يديه: «فى تركيا كانت الأمور أفضل قليلا من كينيا والأردن بسبب اهتمام السفير، وفى طريق العودة كنت أتوقع أنا وزملائى أن الوزير سيكون فى انتظارنا، حتى إننا دخلنا فى رهان على أسماء الوزراء الذين توقعنا حضورهم، ولكننا جميعا خسرنا عندما وصلنا إلى المطار فوجدنا أهلنا فقط فى انتظارنا، ولولا بعض الطبول التى أحضروها معهم من محافظتهم لتحولت لحظات الوصول إلى عزاء.. ولكن بفضل الطبول وانضمام العديد من المتواجدين بالمصادفة فى المطار للاحتفال عدنا إلى منازلنا بما حققناه لمصر ولنا أيضا».
ينهى نجاح عبدالنبى المدير الإدارى الحديث قائلا: «فوجئنا بمعرفة المتواجدين مصادفة فى المطار بما حققناه أيضا ولولا أننا أظهرنا الكأس للجميع لما كان أحد صدقنا».
عاد أفراد المنتخب المصرى للصم والبكم إلى منازلهم واكتفوا ببعض الصور التذكارية أمام مطار القاهرة وصعد المنتخب المصرى الأوليمبى إلى الدور الثانى بصعوبة، دون برقية تهنئة من رئيس الجمهورية حسبما يقول فؤاد عبدالحميد، الذى أضاف: «انتظرناها من الرئيس مرسى مثلما فعل مع بطلنا علاء الدين أبوالقاسم صاحب فضية سلاح الشيش فى أوليمبياد لندن».