هى بهية المصرية التى أحبت بلدها فى زوجها، وإيزيس التى جمعت أشلاء الزوج لتحولها إلى روح جديدة تدافع عن البسطاء والمطحونين والفقراء إنها شاهندة مقلد بنت كمشيش وزوجة صلاح حسين والمناضلة الفلاحية، كانت سباقة فى كل شىء منذ دفاعها عن ارتباطها ممن تحبو معاركهما المشتركة ضد الإقطاع وضد منتهكى حقوق الفلاحين مروراً بمعاركها النيابية والمحلية ودفاعها عن حق المرأة فى الترشيح والانتخاب حتى أصبحت رمزاً لقضية شعب وحكايتها حكاية حب شعبية.
ومثلما كان النضال قدرها فى حياتها العامة، لم تتوقف عن النضال على المستوى الشخصى منذ دفاعها عن حقها فى أن تتزوج من تحب وتصديها لمن قتلوا زوجها ليمنعوه من المطالبة بحقوق الفلاحين وتحويل القضية من قضية قتل عادية إلى رمز للدفاع عن الحقوق وانتهاء بمعاركها من أجل تربية أبنائها والتى كان آخرها معركتها لكشف غموض رحيل ابنها الأكبر.
فى «أوتوجراف» شاهندة كلمات من أبيها توفى بعدها بقليل اعتبرتها وصيته لها وعملت بها منذ ذلك الوقت وحتى اليوم، وجاء من بين كلمات الأب: «اتقى الله، لا تفعلى سرا ما تخشينه جهرا، دافعى عن رأيك حتى الموت».
وفى شهادتها التى سجلها ملتقى تنمية المرأة تقول: «كان عندى 10 سنين فى بداية حرب فلسطين»، كان وقتها عبد الوهاب يغنى «أخى جاوز الظالمون المدى»، وكانت تبكى من الظلم الواقع على الفلسطينيين، فى نفس التوقيت تقريبا كانت الإقطاعية فى كمشيش تستولى على أراضى الفلاحين وتطردهم من أراضيهم، حينها شعرت الطفلة ذات الأعوام العشرة بأن الإقطاع والاحتلال وجهان لعملة واحدة، ولا تزال تذكر السؤال الذى ألح عليها وطرحته على أبيها «هما الإقطاعيين دول من إسرائيل؟».
قصة الحب التى جمعتها بصلاح حسين ابن عمتها بدأت بانبهار بذلك الشخص الذى سمعت فجأة أنه هرب إلى فلسطين للانضمام للفدائيين، كانت الكلمات تنطلق من بين دموع العمة تحكى كيف باع صلاح مصحفاً ذهبياً واستعان بثمنه ليستقل القطار مباشرة إلى غزة وينضم للفدائيين، حينها انتبهت شاهندة لذلك الشخص الذى اندفع ليناضل فى سبيل الشعب الذى تتألم من أجله، بعدها علمت بانضمامه للفدائيين فى السويس، كان بالنسبة لشاهندة ذلك الفارس الذى ركب حصانه ليحرر الأرض، وفى 1952 قاد المقاومة ضد عائلة الفقى الإقطاعية، لتكتمل صورة صلاح القدوة والمثال والفارس.
توفى الأب، لتبدأ مرحلة جديدة من حياة شاهندة، تصر على اختيار طريقها والدفاع عن رأيها «حتى الموت» كما أوصاها أبوها... أصرت على الزواج من صلاح الذى كان قد خرج من المعتقل لتوه رغم رفض أمها أن ترتبط ابنتها بشخص لم يكمل تعليمه، حيث تم فصله من الجامعة لانضمامه لجماعة الإخوان المسلمين، ولم يكن راتبه يتجاوز 12 جنيها.. إصرار الفتاة القوية تكلل بالزواج من حبيبها ورفيق دربها وبدأت حياتها معه بوضع دستور لحياة مشتركة ناضلا خلالها سويا من أجل فلاحى كمشيش ولمحاربة الإقطاع.
ومن بين المواقف التى أثرت كثيراً فى شاهندة مقتل طفل رضيع كانت أمه تعمل لدى عائلة الفقى، كان اسمها ستيتة جاد الله.. كانت تعمل ومعها طفلها الرضيع وحين شعر بالجوع جلست لترضعه، وحينها مر الإقطاعى فضرب الولد برجله ليسقط من على حجر أمه ميتاً.
مع قيام الثورة اعتقد الفلاحون وقيادتهم فى أن مشكلتهم سيتم حلها، خاصة أن الدولة الجديدة تعهدت بالقضاء على الإقطاع وتحقيق العدالة، وبعد مشاكل عنيفة تدخل الرئيس الراحل أنور السادات فى قضية كمشيش باعتباره أحد الضباط الأحرار فى ذلك الوقت، وكان الأقرب جغرافيا، فالمسافة بين ميت أبو الكوم وكمشيش لا تتجاوز 3 كيلومترات، لكنه حين نزل إلى القرية اعتقل 25 من قادة ثورة الفلاحين، حينها تم إرسال خطاب لعبد الناصر يقول عن السادات إنه: «زارنا فأكل على مائدة الإقطاعيين وأمر باعتقالنا فهل هذه مبادئكم؟».
شاهندة التى حقق لها صلاح أملها فى أن تنجب بنتا فجاءت «بسمة»، رحل وتركها لتعيد الرحلة ضد الإقطاع من جديد من نقطة الصفر. فقدت زوجها الذى قتل فى معركة الدفاع عن الفلاحين فأكملت المسيرة وربت أبناءها وحدها حاملة حبه فى قلبها وإيمانها العميق بالقضية التى تناضل من أجلها وسجنت أكثر من مرة، وتعتبر أن الثمن الذى دفعته ليس كبيراً ولا يمكن أن يثنيها وحين قتل ابنها فى روسيا فى قضية لم تتضح معالمها حملت الألم الجديد بجوار آلامها على فقدان الحبيب والفارس وعلى مأساة فلسطين وعلى فلاحى مصر، واستمرت فى رحلتها بحثا عن غد أفضل للجميع.