لم يعد سؤال المليون دولار، كما يقول الأمريكيون، «هل ستنشب الحرب ضد إيران؟»، بل السؤال الحيوى الآن هو «هل ستنشب الحرب العام الحالى؟».
الجدل مستمر حول عمليات تخصيب اليورانيوم فى إيران وسط شائعات وتسريبات من الداخل والخارج حول فكرة «تصنيع سلاح نووى» وهو الأمر الذى تنكره طهران رسمياً.
البعض يقول إن اندلاع الحرب قد ينشب بناء على سوء تقدير وخطأ إيرانى فى تجربة أحد الصواريخ، سواء عن قصد أو دون، مما يشعل فتيل معركة، تكون إسرائيل فى واجهتها، قبل أن تجر معها الولايات المتحدة لرد لا يكون بالضرورة عسكرياً، نظراً لعدم رغبة واشنطن فى اللجوء إلى عملية عسكرية غير مضمونة النجاح، تكون عواقبها وخيمة.
ويدلل على ذلك ديفيد بروميتش، أستاذ العلوم السياسية فى جامعة «ييل»، قائلاً إن رد الفعل الأمريكى على احتمالات توجيه إسرائيل ضربة عسكرية لإيران، سيتوقف على نتائج الضربة، فإذا جاءت النتائج معقولة، واستطاعت الضربة أن تعوق تقدم الإيرانيين عن تصنيع قنبلة نووية، ودون خسائر كبيرة فى الأرواح، فإن الولايات المتحدة «ستشجب العملية على استحياء، لكنها ستكون مرتاحة، لأن دولة أخرى حققت تلك النتائج بنجاح».
وأضاف «بروميتش»: «أما إذا فشلت العملية، فإن الإدارة الأمريكية قد تفرض عقوبات على إسرائيل قد تصل إلى تجميد المعونات الاقتصادية، مثلما فعلت إدارة الرئيس الأسبق رونالد ريجان، عندما قامت إسرائيل بضرب المفاعل العراقى عام 1981».
المشكلة التى يطرحها الخبراء العسكريون فى البنتاجون، ويتفق معها الخبراء الاستراتيجيون الإسرائيليون هى أن إيران قامت بإنشاء برنامجها فى عدد كبير من المواقع المحصنة فى باطن الأرض وفى مواقع سرية، وبالتالى فإنه من الصعب تحديد أى موقع يمكن ضربه، ومدى نجاح الضربة فى تحقيق أهدافها مع حساب قدرات إيران على التصدى للضربة، والقيام برد فعل انتقامى تجاه المصالح الأمريكية والإسرائيلية، إضافة لذلك فإن هناك محاولات لتقييم مساوئ تأخر توجيه الضربة العسكرية، فالوقت فى صالح إيران للمضى قدما فى برنامجها النووى، وفقا لما أكده وزير الدفاع الأمريكى، ليون بانيتا، عندما أكد أن أمام طهران «عاماً على تحقيق هدفها فى تصنيع قنبلة نووية».
ومع الحديث المتصاعد عن العقوبات، تحتفظ الإدارة الأمريكية بقدر كبير من المرونة فى الطريقة التى يتم بها فرض العقوبات، لا لشىء، إلا لمنع الارتفاع الحاد فى أسعار النفط، الذى يمكن أن يلحق الضرر بالاقتصاد العالمى، بما يضع الرئيس باراك أوباما فى موقف تتضاءل معه فرص إعادة انتخابه لفترة ولاية ثانية فى نوفمبر المقبل.
ويقول المتشائمون، حسب باتريك كلوسون، مدير البحوث فى معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، إن المجتمع الدولى فشل فى منع إيران من تطوير سلاح نووى، ويشير «كلوسون» إلى أن الإجراءات العقابية التى اتخذها الغرب ربما أعاقت الاقتصاد الإيرانى، لكنها لم تثن طهران عن برنامجها.
ويرى «كلوسون» أن المفاوضات الدبلوماسية أيضاً لم تؤد إلى التوصل إلى اتفاق لوقف البرنامج النووى الإيرانى، مشيراً إلى آخر جولتين من المفاوضات بين طهران ومجموعة الدول الـ5 الدائمة فى مجلس الأمن وألمانيا، وهى المباحثات التى استضافتها جنيف وإسطنبول فى 2010 و2011.
ومن ثم فإن خيار الحرب ربما يكون هو الوحيد أمام إسرائيل، برأى المراقبين، والتوقيت يتراوح بين ربيع وصيف 2012، ويقول «كلوسون» «إذا قررت إسرائيل القيام بعمل عسكرى كبير ضد إيران، ستتخذ قرارها دون إخطار الولايات المتحدة، على أساس أن الصفح أسهل من الحصول على إذن»، ويوضح «مهما كانت نتيجة هذه الهجمة الإسرائيلية على إيران، فإنها ستسبب مضاعفات كبيرة للولايات المتحدة، التى تبدو ضعيفة ومترددة».
وبين المتشائمين من إمكانية حل المشكلة النووية خلال العام الحالى، والمتفائلين من التطورات الجيوسياسية الداعمة لموقف واشنطن بعد تقويض حركة طالبان ونجاحها النسبى فى العراق، يقول «كلوسون» إن «ثمة تعقيداً آخر لإيران يتمثل فى تركيا التى تتجه أكثر للتعاون مع واشنطن»، ويوضح «ظهر ذلك جليا فى زيارة وزير الخارجية التركى أحمد داوود أوغلو إلى أمريكا قبل أسبوع، ومحادثاته التى اتفقت مع سياسات واشنطن عند ضرورة منع وجود سلاح نووى فى إيران أو فى المنطقة بأسرها.
ويلخص المراقبون «المتفائلون» رأيهم فى أن المشهد الجيوسياسى مشجع لخلق بيئة تزيد الضغوط على إيران، كما يرون إمكانية تحقيق ذلك فى 4 خطوات، تتمثل أولا فى «فرض عقوبات تدريجية، وليست مفاجئة»، لإبطاء البرنامج النووى، وتضييق الخناق على قدرة طهران فى الحصول على المواد اللازمة للاستمرار. وتتمثل الخطوة الثانية فى قيام الشركاء التجاريين لإيران مثل كوريا الجنوبية والإمارات بتقييد حركة التجارة، لنقل رسالة مفادها أن دولاً كثيرة تأخذ على محمل الجد المخاطر المرتبطة بالملف النووى.
وثالثا، وضع الدول الأوروبية فى مقدمة الخلاف مع إيران، لدحض ما تروجه طهران من أن الولايات المتحدة هى المسؤولة عن تصعيد الخلاف، ورابعاً وأخيراً، اللجوء إلى «المكان الوحيد الأكثر أهمية لتكوين توافق دولى حول القضية الإيرانية فى مجلس الأمن»، بحيث تنأى أمريكا بنفسها عن الوقوف فى صدارة الحرب المرتقبة مع إيران.