x

صعيدى اسمه نجيب ساويرس

الإثنين 25-01-2010 00:00 |

«دى بلدنا وقاعدين فيها ومش حنسيبها ومش حابيع الشركة حتى لو وصل سعر السهم لمليون جنيه»، قالها نجيب ساويرس بعد أن أسدل القضاء الستار على الصفقة الأزمة لصالح شركة موبينيل فى نزاعها مع الشركة الفرنسية «فرانس تليكوم»، وبدا جوهر المصريين فى هذه المعركة من خلال تعاطفهم مع ساويرس منذ أن بدأت الشركة الفرنسية تسعى للسطو بسيف القانون على شركة المحمول الأولى والأشهر فى البلاد مدعومة بجهات ما لعلها لم تعد خافية.

أما العبارات التى قالها ساويرس بعد أن سالت دموعه فى قاعة المحكمة، فلا تصدر إلا من «صعيدى حر»، فمع احترامى لجميع أطياف الأمة المصرية، يظل لأهلنا الصعايدة دورهم الحاسم فى كل مرحلة «تترهل» فيها الدولة والمجتمع، وقد حدث هذا منذ عهد مينا موحد القطرين مرورا بعبدالناصر، وصولاً لنجيب ساويرس، الذى لم يعد ممكناً تصنيفه كرجل أعمال فقط، بل هو لاعب مهم فى صياغة ملامح الحاضر والمستقبل، الذى أرى أنه يشهد بلورة أوضاع كثيرة تتشكل فى رحم الواقع، بالنظر إلى أن مصر تمر حالياً بمرحلة سيولة تجعل التردد سمة عامة، والانتماءات المواربة سيدة الموقف.

ولأن مصر «محروسة»، وأهلها فى رباط إلى يوم الدين، وباركها السيد المسيح بعد أن احتضنته وأمه السيدة العذراء، فإن العناية الإلهية قيضت لهذا البلد رجلاً يمثل نموذجاً لملايين الشباب الطامحين لمستقبل أفضل لأنفسهم وبالطبع لوطنهم، وسط مناخ سوداوى لم يعد هناك من يراه ملايين الشباب قدوة.

ولا شك أن رجلاً من طراز نجيب ساويرس لم يعد مجرد «تاجر شاطر»، بل أصبح قدوة ينبغى أن يضعها كل شاب مصرى نصب عينيه، ليس فقط لأنه ناجح وعصامى، بل لأنه مصرى حتى النخاع وخياراته محسومة فى هذا الصدد إذ يتمسك بالبقاء معنا فى ذات القارب، مهما عصفت به الأنواء وتقاذفته الأمواج، ولو شاء أن يهاجر لأى مكان لفتحت أمامه جميع الأبواب، وسارت أموره على نحو أفضل وأسهل كثيراً مما يقاسيه فى مصر، وهى معاناة لا يمكنه فى كثير من الأحيان أن يخوض فى تفاصيلها ولو بمجرد الشكوى، مما يضطره لابتلاعها وتجاوزها، ولا يسمح لمخلوق بأن يعوق مسيرته فيمضى كالنيل متدفقاً.

لم يولد نجيب وفى فمه ملعقة ذهبية بل كان ابن الطبقة الوسطى، وكان هناك من بين أقرانه المئات ممن ورثوا عن أسرهم أضعاف ما يملك أنسى ساويرس والد نجيب، لكن الصعيدى المقاتل، الذى رضع قيمة إنسانية مفادها أن المرء ينبغى أن يكون رجلاً قبل أن يكون مهندساً أو حتى مجرد عامل بناء، لا يلبث أن يخطو للأمام بعزم وصلابة، ليصبح مقاولاً ويمتلك عدة أبراج، وهناك نماذج لا تحصى تؤكد أننا لم نكن بحاجة لهذا النموذج الصلب كما هو حالنا الآن، فى وقت تسكننا فيه الرخاوة والهشاشة وتعوزنا الثقة بالنفس.

بالطبع أدرك أن مجرد الاقتراب من رجل مثل ساويرس سواء بالنقد أو الإشادة هو مسألة محفوفة بالريبة لكن ليس من الحكمة أن نكتفى بإهالة التراب على الجميع وإشاعة الأجواء السوداوية والمشاعر العدمية، بل ينبغى أن نصفق للناجحين، وننتصر لمحبى الوطن، ويعلم الله ونجيب ساويرس وكل الزملاء فى الوسط الإعلامى أننى لم أعمل يوماً بأى مشروع يسهم فيه الرجل،

حتى مقالاتى الأسبوعية التى تنشرها الصحيفة المتألقة «المصرى اليوم» هى بلا مقابل وأنا الرابح أيضاً، لأنها استطاعت أن تفعل ما فعله نجيب ساويرس فى كل مجال، وهو أن تنجح وتصل للناس وتنافس كبرى الصحف، وتلامس ذائقة جيل جديد بصيغة تقف فى المسافة الدقيقة بين حرية التناول من جهة، والالتزام بالقواعد المهنية الرصينة من جهة أخرى.

بقيت همسة صغيرة فى أذن نجيب الذى أدمن النجاح فى كل مجال: لماذا لا تعيش لك فضائيات؟، أو لماذا تكون على مستوى لا يليق باسمك؟، أما التفاصيل فلا يتسع لها المجال هنا، حتى لا تفسد فرحتنا بانتصار القضاء للحق وللمصريين.

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية