موقف الصحف القومية من تطورات الأسبوع الماضى يؤكد أنها مازالت على نفس نهجها القديم الذى يقوم ليس فقط على الانحياز للسلطة وإنما أيضا بأساليب قديمة وبالية وعفا عليها الزمن. وعندما قلت أحداث الأسبوع الماضى فإن ذلك كان لأن الصحف نفسها لم تعرف كيف تصفها، وحارت فى وصفها بالإضراب أو العصيان المدنى أو أى مسمى آخر. والظاهرة الواضحة فى تغطية الصحف لهذه الأحداث ليس أنها عادت إلى عصر مبارك وإنما إلى ما وراء ذلك إلى عصر الاتحاد الاشتراكى وصحافة الحشد والشعبوية، والقلة فى مواجهة الأغلبية.
وهذه الصحف لم تدرك أنها قامت بعمل متناقض، حيث إنها صباح السبت قالت إن الشعب يرفض العصيان، وفى اليوم التالى قالت بشرت الشعب نفسه بان الدعوة إلى العصيان فشلت. أى أنها وهى تنقل لقارئها رفض الشعب للعصيان لم تكن متأكدة من حقيقة ما تنقله. وإذا قارنا بين الصحف القومية ومثيلتها الخاصة سنجد أن الأخيرة كانت أكثر توازنا لأنها قالت إن هناك انقساماً حول العصيان، وبعضها قال إن العصيان هو دعوة تدريجية تبدأ بإضرابات متدرجة لتصل إلى العصيان المدنى الكامل أى أنها عرفت القارئ حقيقة الدعوة ومن دعا لها، على عكس القومية التى نظمت حربا دعائية ضد الفكرة من دون أن تحددها. وعندما هللت لأن الشعب المصرى رفض العصيان تجاهلت ما شهدته الجامعات المصرية، الحكومية والخاصة، والمدارس الثانوية من امتناع الطلاب عن الدخول إلى المحاضرات أو الفصول وتضامن عدد كبير من الأساتذة معهم.
وبالطبع من حق الصحف أن تتخذ الموقف الذى تريده، ولكن من دون أن تضلل القارئ عبر أخبار منقوصة أو مفبركة أو عبر استخدام أسلوب لم يكن يستخدم إلا فى الدول الفاشية والشمولية، وإذا كانت الصحف تدعى أنها تغيرت فى أعقاب الثورة فقط كان المفروض عليها أن تقدم معلومات كاملة لقرائها أما موقفها فهناك مقالات الرأى والافتتاحيات والكاريكاتير وغيرها من المواد الصحفية التى تبين رأى الجريدة، ولكن ذلك للأسف لم يحدث.
وإذا طالعنا العناوين والموضوعات الخبرية للصحف القومية سنجد أن الأهرام والجمهورية والأخبار كانت منحازة تماما لموقف السلطة حيث أبرزت مواقف القوى التى رفضت فكرة الإضراب أو العصيان المدنى من أحزاب أو مؤسسات دينية رسمية، وقد تشابه أداء هذه الصحف للأسف مع أدائها فى فترة مبادرة السلام التى أطلقها الرئيس الأسبق أنور السادات عندما أبرزت أن الشعب كله ومؤسساته الدينية فى جهة والرافضين لها فى جهة أخرى وهم قله ضئيلة هامشية. وقد تجاهلت الصحف هذه المرة ما قامت به السلطة من جهود من أجل إفشال الإضراب أو العصيان بما يعنى أنها كانت تخشاه وكانت فى نفس الوقت تدرك أن له قدرة على النجاح.
وهناك ظاهرتان جديرتان بالملاحظة فى هذه التغطية، الأولى أن صحيفة الوفد كانت ملكية أكثر من الملك فى تغطيتها، فهى زايدت على الصحف القومية، ويكفى أن نشير فقط لعنوان المانشيت الرئيسى لها صباح الأحد والذى كان: «مصر تعلن العصيان على العصيان» ولم تختلف باقى العناوين عنها فى الصحف القومية التى ركزت على انتظام العمل فى كل المرافق، لكنها أشارت إلى أن الطلاب نظموا وقفات صامتة وليس امتناعا عن الدراسة فى اليوم السابق.
أما الظاهرة الثانية فهى أن جريدة الأخبار كانت أكثر مهنية عن غيرها من الصحف القومية ففى الوقت الذى كان مانشيت الأهرام هو: «وفشل الإضراب» والجمهورية: «دولاب العمل يرفض العصيان» كان مانشيت الأخبار: «غالبية الشعب قالت لا للعصيان» وهو ما يعنى بالنسبة للأخبار أنه كان هناك أقلية مؤيدة للعصيان.