x

مصر البطلمية: امتزاج الحضارتين الفرعونية واليونانية

الإثنين 30-07-2012 16:31 | كتب: مركز للدراسات والمعلومات |
تصوير : other

عاشت مصر أكثر من 970 عامًا تحت حكم اليونان والرومان، بدأت بدخول الإسكندر المقدوني عام 332 ق.م الذي وضع نهاية لنفوذ الفرس، وانتهت بالفتح الإسلامي عام 641 م.

وخلال تلك الفترة الطويلة، ازداد ثراء بوتقة الحضارة المصرية بملامح من أثينا وروما، إلا إنها ذاقت الكثير من وطأة حكامهما أيضًا، سواء طمعًا في ثراوتها أو منعًا لتحول أهلها عن الديانة الوثنية واعتناق المسيحية، وهو ما واجهه أباطرة الرومان بالقوة، الأمر الذي بلغ أوجه في عصر الملك "دقلديانوس" الذي أُطلق عليه عصر الشهداء.

الأوضاع السياسية

عقب وفاة الإسكندر المقدوني عام 323 ق.م. وتقسيم إمبراطوريته، كانت مصر من نصيب بطليموس الأول الذى أسس لحكم البطالمة الذي انتهى بهزيمتهم في معركة أكتيوم البحرية عام 30 ق.م. وخلال هذه الفترة أسسوا نظام حكم قوي يتشبهون فيه بالنظام الفرعوني، ينقسم إلى رأس يمثله الملك، وثلاثة أذرع هي الحكومة، والإدارات المحلية، والجيش والأسطول.

في عهد البطالمة تم تقسيم مصر إلى قسمين كبيرين على غرار النموذج الفرعونى: "مصر العليا ومصر السفلى". كذلك تم تقسيم كل قسم إلى مديريات يرأس كل واحدة منها موظف كبير يطلق عليه "القائد" ولابد أن يكون يونانى الأصل، ويستمد سلطته ونفوذه من الملك مباشرة.

ويخرج من دائرة هذا التقسيم ثلاث مدن اختصها البطالمة بنظام مستقل وهي: الإسكندرية، وكانت العاصمة وموطن الإدارات الحكومية، وبطلمية (العاصمة الثانية الذى أسسها بطليموس الأول فى صعيد مصر خاصة من الناحية الإدارية) ونقراطيس (مدينة إغريقية أعدت موطنًا للإغريق المقيمين فى مصر).

وفي المرحلة الوسطى من هذا العصر، ضعفت الدولة البطلمية وشابها الانقسام وتغلغل نفوذ الرومان، حتى سقطت مصر في يد الرومانيين وفقدت استقلالها السياسي وأصبحت مجرد ولاية تابعة لامبراطورية الرومان. وقد شهدت هذه الفترة العديد من الفتن والاضطرابات والحروب الأهلية والثورات التى قام الولاة بإخمادها بالعنف والقوة.

وفى منتصف القرن الثالث الميلادي خاضت الإمبراطورية الرومانية حربًا ضارية ضد انتشار الديانة المسيحية، ومارست كافة أشكال الاضطهاد والتعذيب ضد معتنقيها، وهو ما بلغ أشده فى عهد الإمبراطور دقلديانوس الذى استهل عصره بتحسين معاملة المسيحيين حتى أقاموا له عامود الصواري تكريمًا له. إلا إنه مع انتشار المسيحية بسرعة انقلبت سياسته ومارس الاضطهاد الشديد ضدهم حتى قيل إن 800 ألف شهيد مسيحي لقوا حتفهم في عهده.

وفي عام 323 م، تم تنصيب أول إمبراطور للإمبراطورية الرومانية الشرقية التي تبعتها مصر، أو ما سمي بالإمبراطورية البيزنطية عقب تقسيم الإمبراطورية الرومانية، وهو الإمبراطور قسطنطين الأول الذي اعترف بالمسيحية وبدأت معه مصر حقبة جديدة هى حقبة الحكم البيزنطى التي لم تخلو كذلك من صراعات مذهبية.

وخلال العصر الروماني، أفرد الرومان لمصر أداة حكم مختلفة ميزتها عن بقية الولايات التابعة للإمبراطورية. فقد نشروا فيها قوات خاصة لتأمينها ووضعوا حكمها تحت إشراف الإمبراطور المباشر على عكس ولايات أخرى كانت تخضع لإشراف السناتو (مجلس الشيوخ). وقد أطلق على حاكم مصر اسم وال أو حاكم عام، ولقب رسميا باسم "حاكم عام الإسكندرية ومصر" وليس "قائمقام القنصل"، أو "قائمقام البرايتور" كحال حكام الولايات الأخرى.

لكن لم يتغير شئ فى إدارة المحليات المصرية عما كان الحال فى عصر البطالمة. حيث تم تقسيم البلاد إلى أقاليم يرأسها حاكم من الإغريق أو المصريين المتأغرقين، يكون على اتصال مباشر بالوالى، ويساعده الكاتب الملكى الذى يضطلع بمهام حاكم الإقليم فى غيابه، ويحتفظ بالسجلات والوثائق. ويلى ذلك كاتب القرية الذي يقوم بإمداد الوحدة المركزية بالمعلومات المطلوبة فى مختلف الشؤون، سواء المالية أو الخدمية.

الأوضاع الاقتصادية

رغم نقاط الالتقاء التى جمعت بين التوجهات الاقتصادية للبطالمة والرومان، من حيث نشاط التجارة الاهتمام الكبير بالزراعة حتى باتت مصر سلة غلال الإمبراطورية الرومانية، فإن ثمة اختلافات يمكننا أن نتلمسها بين النظامين الاقتصاديين.

فقد كان الملك البلطمى هو محور الحياة الاقتصادية لدولة ينظر إليها على أنها ضيعة الملك فيها هو مالك كل شئ والمتحكم فيه. فهو الزارع الأول، والصانع الأول، ولا بأس من أن يقوم بتسخير البشر لما فيه صالح البلاد. من هنا مورست سياسات الاحتكار فى بعض الصناعات بينما اتبع نظام التدخل المباشر فى أخرى، في حين اعتبرت خزانة الدولة هى خزانة الملك.

أما النظم الاقتصادية الرومانية فقامت على مبدأ النفعية، ومن ثم كانت أقل مركزية. حيث عملت على تشجيع طبقات المجتمع المختلفة، وخاصة المتوسطة، على ممارسة الأنشطة الاقتصادية بما يخفف على الدولة أعبائها ويمكنها من جنى أكبر استفادة من دخل الولاية لصالح الإمبراطورية الرومانية.

وفي العصر البطلمي احتكرت مصر لنفسها صناعة الزيوت المستخرجة من ثمرة الزيتون. وكانت الدولة تبيع حق إنتاجها لوسطاء يطلق عليهم اسم الملتزمون، وهم أشخاص يتابعون عملية الإنتاج فى مختلف مراحلها ويخضعون لرقابة مشددة من قبل رجال الملك لضمان سداد مستحقات الدولة. وكانت المنسوجات وصناعة الكتان من أكثر الصناعت التى اشتهرت بها مصر واحتكرتها، إلى جانب صناعة أوراق البردى والفخار والزجاج والعطور والحلى.   

وقد انتهج الرومان في مجال الصناعة نفس السياسات التى انتهجوها بخصوص الأراضى. إذ لم يمارسوا سياسيات الاحتكار التى مارسها البطالمة، بل تركوا شؤون الصناعة لأربابها، مع إخضاع الصناعات القومية الأساسية لإشراف الدولة، مثل المناجم والمحاجر. هذا بينما تدخلت الدولة بشكل طفيف فى صناعة النسيج والبردى. وعرفت مصر صناعة المنسوجات، وفطن المصريون إلى طرق سرية لصباغة وتلوين الملابس. ومن ناحية أخرى وجدت نقابات للعاملين فى صناعة المنسوجات تشرف عليها الدولة وتجمع منها الضرائب.

ويرجع الفضل لليونانيين فى ظهور العملة فى مصر. حيث كان النظام التجارى السائد قبل ذلك هو المقايضة أو التبادل. ولكن فى عهدهم صكت العملات فى الإسكندرية وأصبحت وسيلة للتبادل التجارى وكافة المعاملات. وكان يظهر على الوجه الأمامى للعملة صورة للملك، وعلى الوجه الآخر صورة لأحد أرباب اليونان مثل "زيوس"، أثينا، أرسنوى، سيرا، مع إضافة اسم الملك واسم الإله.

الأوضاع الاجتماعية والثقافية

لم تختلف حياة المصريين فى عصر البطالمة كثيرًا عن حياتهم فى عصر الرومان. بيد أن البطالمة حرصوا على الظهور أمام الشعب المصرى بمظهر الحكام العادلين الوطنيين، فاحترموا عاداتهم وتقاليدهم التى ورثوها من الفراعنة القدامى، حتى التدرج الهرمى للمجتمع تشابه فى العصرين، ولكن الاختلاف الجوهرى نلحظه فى الاهتمامات العلمية والأدبية عند الدولتين.

وخلال العصر البطلمي، ظل الإغريق على رأس الهرم الاجتماعى طيلة حكمهم. ففى بداية العصر اليونانى (حكم الإسكندر المقدونى) كانت هناك طبقة ارستقراطية مصرية بصنفيها المدنى والدينى. بيد أن الوجه المدنى أخذ دوره الاجتماعى يتلاشى حين صادر البطالمة ممتلكاتهم. أما الوجه الديني فظل محتفظًا بارستقراطيته، بل تعاظم نفوذه خلال الفترة الوسطى من حكم البطالمة نتيجة حرص الملوك على اكتساب رضائهم.

وتلى تلك الطبقة طبقة المحاربين التي نسبت فيها المناصب العليا إلى الجنود الأجانب الذين اعتمد عليهم البطالمة فى تكوين جيوشهم وأغدقوا عليهم العطايا والهبات. وتلا ذلك موظفى الدولة. وكانت المناصب العليا تنسب إلى الإغريق، ويأتى من بعدهم المصريين، ثم يأتي في قاعدة الهرم ملايين المصريين العاملين فى الزراعة والصناعة والتجارة اللذين عانوا مختلف صنوف المشقة والألم.

وفي العصري الروماني جاء على رأس الهرم الاجتماعى المواطنون الرومان الذين طرأوا على المجتمع المصرى. وكانوا يتمتعون بامتيازات واسعة، يليهم طبقة اليهود والإغريق، وهى طبقة أقل امتيازًا وتسكن المدن الإغريقية الأربعة (نقراطيس، الاسكندرية، بطلمية، انتينوبوليس) وكان من حقهم التقدم للالتحاق بفرق الخدمة العسكرية الرومانية. ثم يأتى فى قاعدة الهرم جموع الشعب المصرى من المزارعين والحرفيين وصغار الملاك والتجار، وأطلق عليهم إجمالا اسم "المصريون"، وكانوا يعانون معاملة قاسية من الرومان ولا يحق لهم الالتحاق بالخدمة العسكرية.

ومن الناحية الثقافية، أعطى البطالمة اهتمامًا خاصًا للعلوم والأداب، فأنشأوا دار العلم فى الحى الملكى، وألحقوا بها مكتبة الإسكندرية، وأطلق على الأدب اليونانى فى تلك الفترة الزمنية اسم الأدب السكندرى، حيث تم وضع أسس النقد الأدبى، وتم تسجيل ونشر ملاحم هوميروس وتاريخ هيرودوت.

 ومن أبرز العلماء اللذين درسوا في الإسكندرية إقليدس فى الرياضيات، وأرشميدس فى الفيزياء، وأرستارخوس فى الفلك الذى توصل إلى نظرية دوران الشمس قبل كوبرنيكوس بعدة قرون، وكذلك أراتوستيثنز الذي نجح فى قياس محيط الشمس.

وعلى خلاف تلك النهضة الثقافية تراجع الانتاج الأدبى والشعرى فى عصر الرومان وتدهور مستوى الكتابة التاريخية. فلم يكن هناك سوى الشعر الوصفى الذى يتناول وصف أماكن جغرافية أو آلهة. إلا إن عصرهم شهد ازدهارًا للعلوم الفلسفية. وكان فيلون اليهودى أول فيلسوف تنتجه مدينة الاسكندرية، ومن بعده أثينايوس النقراطيسى الذى ألف كتاب (مأدبة الحكماء). ولكن الإسكندرية استمرت فى عطائها العلمي. حيث ظهر بها علماء منهم عالم الرياضيات كلوديوس وجالينوس البرجامى فى الطب.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية