فى سبتمبر 1974 كان قد مضى على حرب 6 أكتوبر 1973 عام واحد، وجاء ذلك متوافقا مع يوم العاشر من رمضان من ذلك العام، الذى أصدرت فيه مجلة الهلال عددا تذكاريا، تضمن ملفا كبيرا عن حرب أكتوبر، تضمن شهادات لقادة أفرع القوات المسلحة، مع شهادات الجنود وضباط الصف، كما تضمن أكثر من ملحمة من ملاحم البطولة لرجال القوات المسلحة، وكان الصحفى والشاعر صالح جودت آنذاك هو رئيس تحرير المجلة، وقدم للملف وقد جاء فى المقدمة:
«لقد كانت محنة 1967 واحدة من المدلهمات الأربع فى التاريخ العربى، حيث لم تقل فى سوادها عن سقوط بغداد وخروج العرب من الأندلس وضياع فلسطين فى 1948، ثم جاء أكتوبر - من العام الماضى - متزامنا مع شهر ليلة القدر، وانتفضت مصر وسوريا، بزعامة القائدين العظيمين أنور السادات وحافظ الأسد، والتفت حولهما الأمة العربية بملوكها ورؤسائها وكل قواها، وخاض الجميع المعركة بأعمق الإيمان، وكان حقا على الله نصر المؤمنين، وبقى على الأمة أن تعى الدرس، وأن تعرف لماذا انهزمت فى 1967، ولماذا انتصرت فى 1973، فقد انهزمت بالفرقة، وانتصرت بالوحدة والرجوع إلى الله».
وبعد مقدمة صالح جودت كانت شهادات بعض قادة الجيش وكان منهم الفريق عبدالغنى الجمسى، رئيس الأركان، والفريق طيار محمد حسنى مبارك، قائد القوات الجوية، والفريق محمد على فهمى، قائد قوات الدفاع الجوى، والفريق فؤاد ذكرى، قائد القوات البحرية.
وفى شهادته قال الفريق الجمسى: «لقد تحقق فى حرب أكتوبر أعظم الأعمال والمنجزات، وفى مقدمتها عامل المفاجأة، وقد اقتحمنا بها العدو الإسرائيلى، فأصيب بالزلزلة والتصدع والمفاجأة الكاملة فى أرقى أشكالها استراتيجيا وتكتيكيا، وهنا تكمن قيمتها العسكرية الكبرى، فوقفت أمامها قيادات عسكرية عالمية بالدهشة والإكبار، وجاء إلينا ممثلو أكثر من ستين قيادة عسكرية تمثل أسلحة جيوشها، لتدرس نتائج الحرب وتستخلص منها دروسا مستفادة، لقد حطمت حرب أكتوبر أسطورة الجيش الإسرائيلى التى ظلت لسنوات تباهى بنصر هزيل فى حرب 1967»، وعن عنصر المفاجأة استطرد الجمسى قائلا: «الرئيس السادات قد هيأ الأجواء لذلك، لكى تصبح القوات المسلحة على درجة كافية من الاستعداد لشن هجوم كاسح على كل الجبهات، ثم الاستعداد لمرحلة ما بعد هذا الهجوم، وهى حسابات لا تقبل تقديرات عفوية أو نتائج قدرية، فالمقصود من المفاجأة هو شل حركة العدو لفترة محسوبة، للتقليل من الخسائر، وكان هناك فى هذا السياق تكامل عسكرى راق، لقد وقفت الشعوب كافة لما للمقاتل المصرى والعربى من شجاعة وبطولة وفداء وقدرات قتالية عالية، ومن هذا هجومه الأسطورى فى معارك الدبابات، التى وقعت بهذا الحجم لأول مرة فى التاريخ العسكرى، وانتهى الأمر بأن الدبابة الإسرائيلية كانت تعدو، هربا من الجندى المصرى الذى يعدو خلفها، مصوبا لها سلاحه، وإجمالا أقول إن جندى المشاة المصرى أو المدفعية أو الدبابات أو الدفاع الجوى أو البحرية أو المهندسين أو الطيران أو الاستطلاع أو القوات الخاصة كان بطلا بمعنى الإعجاز، عملاقا بقتاله وهجومه وتكتيكه واستخدامه للسلاح، كما كانت القيادات العسكرية قمة فى الذكاء العسكرى وفى الفكر والمعارف العسكرية المتطورة».
أما اللواء - وقتها- حسنى مبارك، فقد قال فى شهادته: «كان الله معنا فى كل ما قمنا به، وقد ألهمنا التوفيق، وذلك لأننا أتقنا التدريب وبذلنا الجهد وقدمنا الروح فداء للوطن، فحق تحقيق وعده: (وكان حقاً علينا نصر المؤمنينّ، ومن هذا المنطلق بعد حرب أكتوبر يجب أن يستمر استعدادنا ويقظتنا، وأن ندرك أن المعركة لم تنته بعد وما تحقق ليس إلا مرحلة من مراحلها، لقد تركت أمتنا ظلام النكسة بفضل ما حققته قواتها، وهى الآن تتطلع إلى مرحلة البناء والانفتاح الاقتصادى، لتساير ركب الحضارة، ولست أرى قواتنا المسلحة فى معزل عن جماهير هذه الأمة وهى تنطلق لتحقق هذا الواجب»، واللافت أنه بعد أكثر من 37 عاماً على نشر هذه الشهادة تنحى الرئيس المخلوع حسنى مبارك عن الحكم بضغط الثورة، وسلم قيادة البلاد للقوات المسلحة، التى قال أيام خدمته فيها إنها «ليست بمعزل عن الجماهير».
أما الفريق محمد على فهمى، قائد قوات الدفاع الجوى، فقال فى شهادته: «إن الدفاع الجوى يستحق بجدارة أن يوصف ما قام به بـ(الملحمة) حيث بلغت ذروتها فى معركة العبور، ثم التقدم عمقا فى سيناء، وقد برز فيها ما للمقاتل المصرى من كفاءة وسرعة استيعاب فى استخدام الأسلحة المتطورة، وكان السادات قد أمر قبل المعركة بنقل بطاريات الصواريخ، وكان عملا جريئا، وحين جاءت الطائرات المعادية لم تجد البطاريات واستدارت عائدة، وإذا بها تفاجأ بالصواريخ المصرية تحاصرها وتسقطها.. لقد ظل العدو يفاخر بقواته الجوية، وأخذ يعربد فى المنطقة العربية، حتى لقناه درسا فى حرب أكتوبر، لقد قام الدفاع الجوى بعمل معجز بكل المقاييس».
وسجل العدد التاريخى شهادة للفريق فؤاد ذكرى، قائد القوات البحرية وقتها، قال فيها: «لقد سجلت القوات البحرية المصرية فى التاريخ العسكرى ملحمة حقيقية، فقد كانت تلاحق قوات العدو فى خليج السويس ورأس محمد وشرم الشيخ، لقد كان لقواتنا شرف المبادرة بعملياتها النوعية التى أربكت إسرائيل، وقد أخذت مواقعها فبل الحرب بعشرة أيام، ووقفت فى باب المندب، وسيطرت على بعض المواقع الاستراتيجية فى البحرين الأبيض والأحمر، دون أن تلفت النظر إلى تحركاتها».