كانت عقارب الساعة تشير إلى الثانية فجرا، اثنان من جنود حرس الحدود يسيران فى دورية أمنية على الحدود المصرية الإسرائيلية، لاحظا شخصا غريبا قرب خط الحدود عندما اقترب الجنديان، خرج لهم انتحارى فجر نفسه فيهما ليدفعا حياتهما فورا ثمنا لحمايتهما حدود مصر. قبل ذلك بأيام وفى 29 يوليو الماضى خرجت عشرات السيارات ترفع رايات سوداء وتطالب بإعلان سيناء إمارة إسلامية، وعلى متنها مئات التكفيريين فى مظاهرة لاستعراض القوى بشوارع العريش، حاصروا قسم العريش أطلقوا ثلاثة آلاف رصاصة لاحتلال القسم فى معركة استمرت لمدة 9 ساعات كاملة.
«هم مجموعات من التكفيريين كانوا يريدون احتلال قسم ثانى العريش ومهاجمة مديرية الأمن واحتلال محكمة العريش الكلية لإعلان إمارتهم الإسلامية المزعومة». هكذا أكد لنا اللواء صالح المصرى مدير أمن شمال سيناء وقتها.
تبدو الأمور فى سيناء على حافة الخطر انتحارى يفجر نفسه فى حراس الحدود، وآخرون يفجرون خط الغاز مرات ومرات معلنين اعتراضهم على تصدير الغاز لليهود بمنطق دينى ليس وطنياً، وهو ما أكده بيانان تركتهما جماعة أطلقت على نفسها جماعة «أنصار الجهاد بسيناء» اعترفت بانضمامها لتنظيم القاعدة وبمسؤليتها عن 11 تفجيراً للغاز فضلاً عن اعترافهم بتنفيذ عملية إيلات فى الأراضى الإسرائيلية.
أحد المصادر الأمنية حلل الأمر قائلاً: «انتشرت فى سيناء عدة جماعات دينية بعضها يتبنى فكرا تكفيريا للمجتمع والجيش والشرطة ويعملون على إنشاء دولة دينية لهم فى سيناء وسبق وتم رصد عشرات من التكفيريين من مختلف المحافظات يصلون إلى سيناء ليحدث تحول كبير فى فكر هؤلاء الذين يعملون تحت الأرض وينفتحون على الجماعات التكفيرية الأخرى، بعدما كانوا منغلقين يرفضون التعاون مع الآخرين».
«أعداد التكفيريين فى سيناء تتزايد بصورة غريبة ربما لا تتجاوز أعدادهم الـ400 فرد لكنهم فى السنوات الأخيرة زادوا بصورة كبيرة ولم تكن أعدادهم تتجاوز السبعين فردا لكنهم نجحوا فى التوسع بمساعدة خارجية من منظمات فلسطينية تتولى تدريب بعضهم وتمدهم أحيانا كثيرة بالسلاح» هكذا قال أبوعمار الشاب الذى تاب عن الأفكار التكفيرية وترك إحدى الجماعات التكفيرية.
لكن المصدر الأمنى عاد وأكد أن أرقام التكفيريين فى سيناء تصل إلى حوالى 1200 فرد منضمين لأكثر من تنظيم وجماعة، بعضها جماعات كبيرة مثل أنصار الجهاد مثلا وينحصر أعداد اتباعها بين 300 و400 فرد تقريبا وهناك جماعات أخرى صغيرة لا تتجاوز أعدادهم أصابع اليد منغلقون على بعضهم البعض، فضلا عن بعض بقايا جماعات تكفيرية سابقة مثل تنظيم التوحيد والجهاد.
«يملكون الكثير والكثير من السلاح بعضه ملك لهم اشتروه من حصيلة عدة عمليات قنص وسرقة قاموا بها فضلا عن أسلحة أخرى حصلوا عليها من جماعات فلسطينية، وهى أسلحة متقدمة للغاية، وبعد الثورة تحديدا تغيرت نوعية الأسلحة فى أيديهم بعدما وصلتهم أسلحة حديثة للغاية من ليبيا» قال أبوعمار ذلك مؤكداً أن المواجهة الأمنية معهم صعبة للغاية ومشيراً إلى أننا فى حاجة إلى مواجهة فكرية ودينية أولا قبل المواجهة المسلحة.
تبدو الحالة الدينية فى سيناء ملتبسة للغاية فبينما يتحدث الكثيرون وترصد التقارير الأمنية معسكرات لتدريب المتطرفين دينيا على السلاح بوسط وأطراف مدينة العريش تجد على الجانب الآخر العشرات يتوافدون إلى «خُص» صغير مبنى بجوار زاوية على أطراف مدينة العريش حيث الشيخ سليمان أبوحراز.
يتبارك أبناء سيناء بالشيخ العجوز ويذهبون إليه بحثاً عن حل لمشكلاتهم، أو بركة ينالونها، فى تناقض غريب بين المشهدين هو نفس التناقض الذى أصبح يحكم أشياء كثيرة فى سيناء الآن، وحسب دراسة لمركز دراسات سيناء - تحت التأسيس - أطلق عليها «سيناء فى خطر» تؤثر الحالة الدينية لسكان سيناء بشدة على الأمن القومى المصرى أكثر من أى مكان آخر، كونها تمثل نقطة التماس مع فلسطين فى ظل صراع محتدم هناك لجماعات أصولية وسياسية، وتحفز إسرائيلى للعب دور ما على جانبى الحدود بين مصر وقطاع غزة ليبقى الأمر مجهولاً بالكامل بالنسبة لمؤسسات المجتمع المصرى، التى اكتفت بالشعور بالصدمة عقب تفجيرات سيناء فى طابا وشرم الشيخ ودهب ومن بعدها الظهور الكبير للجماعات التكفيرية فى سيناء.
وتضيف الدراسة «يصلح ما كتبه نعوم شقير فى كتابه تاريخ سيناء بدايات القرن التاسع عشر نقطة ارتكاز لرصد تطور علاقة أهل سيناء بالدين»، وبالنص يقول «شقير»: «يعترف أهل سيناء بالإسلام ديناً لهم، لكن ليس بينهم من يعرف قواعد الإسلام، وليس فيهم من يعرف قواعد الصلاة»، ثم يضيف: «وقد مازجتهم عدة سنين فلم أجد منهم من يصلى إلا نفر يعدون على الأصابع ممن يخالطون المدن وهم لا يصلون الأوقات الخمسة على الترتيب، بل يصلون كلما خطر ذلك على بالهم»، ويختم «شقير» قائلاً: «لولا احتفالهم بعيد الضحية وذكرهم النبى وحلفهم به والصلاة عليه ما علمت أنهم مسلمون».
استمرت علاقة أبناء سيناء بالدين على النحو السابق حتى الخمسينيات من القرن الماضى، حيث شكل عدد غير قليل منهم طلائع المقاومة فى فلسطين ضمن جماعة الإخوان المسلمين، ولم يعرف عنهم أى نوع من التطرف كما لم تظهر بينهم الجماعات الدينية المعروفة فى مصر إلى أن ظهر الشيخ عيد أبوجرير (1953)، الذى تصنف جماعته ضمن أقدم الطرق الصوفية - وصلت الطرق الصوفية الآن فى سيناء إلى أكثر من 12 طريقة أكبرها عدداً طريقة الشيخ «أبوجرير» - التى كان لها دور وطنى واضح جعل علاقتها بالدولة تتسم بالتقدير، إلى أن ظهرت جماعة منافسة لرجل من نفس القبيلة أسس زاوية أخرى حاول من خلالها التصدى لجماعة «أبوجرير»، الذى انتشرت دعوته وشاعت كراماته، فى الوقت الذى مارست فيه الجماعة الجديدة طقوساً وصلت إلى إقامة محاكمات شرعية، فيما يمثل المؤشر الأول لظهور التطرف فى سيناء، حيث وثقت الجماعة الخارجين عليها تحت الشمس الحارقة لساعات طويلة، لكن ترحيل الرجل من مصر ساهم فى تحجيم الدعوة، كما جاء احتلال سيناء ليدفع إلى مقدمة الوعى السيناوى فكرة المقاومة والتحفز، التى استمرت إلى ما بعد تحرير كامل سيناء (25 أبريل 1982)، وبقى المجتمع يبحث عن قضية إجماع بديلة ليجد ضالته بعد طول بحث، ولمؤثرات بيئية ومجتمعية واقتصادية فى الجانب الذى طالما كان غائباً عنهم ليقدم اهتماماتهم متمثلاً فى رصيدهم الروحى والدينى، بينما وقفت المؤسسة الدينية الرسمية موقف المتفرج لتبدأ تفريخ جماعات منفصلة عن بعضها البعض خلقت لنفسها أطراً فكرية منحرفة ومتطرفة تحت تأثير ضغوط عدة أبرزها العامل الاقتصادى والظلم الواقع عليهم، وتراجع قضاياهم وفرصهم فى تطوير حياتهم، لتظهر بين شباب ولدوا بعد التحرير ميول انعزالية استقوا مبرراتها وشرعيتها بطريقتهم ووفق إلمام محدود بالدين انحصر فى قراءات قليلة ومحاولات بائسة للخروج من صراع الزوايا التى لم تلق قبولاً لديهم فصنعوا جماعاتهم واختاروا أمراءهم وهو أمر قد ينم عن نوع من الهروب من واقع مجحف انقلب إلى جماعات تكفيرية محلية وخلايا لفظت المجتمع ووقعت فى نفس أخطاء الجماعات التى هزت استقرار مصر، حين اقتصر دورها على ذلك دون محاولة لإصلاح من حولهم وتوعيتهم بالدين «انعدام صلتهم بالمجتمع»، حتى وصل الأمر بالبعض أن حاولوا وطلقوا أمهاتهم من آبائهم ورفض تناول طعامهم، وذلك أقصى ما يمارسونه من أشكال التطرف حينها.
ولقد غاب دور الجميع هنا رغم استغاثة بعض الأهالى بالجهات المعنية التى لجأت إلى العصا والزنزانة، ولم تدرك أن الفكر يقارعه مثيله ويقومه، وأغفلت تراجع مستوى الأئمة والمشايخ وعجزهم عن إدارة حوار ليصبح الخلل شاملاً ومدمراً.
لكن ما لا يستوعبه أحد هنا الانتشار الذى حققته هذه الجماعات بين الحضر والبادية على تأصيل قناعات دينية خاطئة حولت البعض إلى انتحاريين، وهو ما يستوجب البحث فى كيفية ظهور هذه التوجهات التى فشل الأمن وحده فى التصرف معها، والذى قد تسهم الأخطاء التى ارتكبها فى اتساع هذه الجماعات وزيادة حيطتها وسريتها لتفاجئنا بعاصفة من الأحداث كما حدث من قبل.
والإشكالية الأهم أن أسباب القبض على الكثيرين أو الإفراج عنهم ما زالت مجهولة ولا نعلم شيئاً عن نوعية المراجعات التى تمت.
وبعيداً عن دراسة الحالة الدينية فى سيناء فإن تطور الجماعات الدينية فى شبه الجزيرة المصرية بدأ من عام 53 على يد الشيخ عيد أبوجرير، الذى شكل نوعاً فى الدين الصوفى السمح والسهل.
لكن مع عام 1979، وإبان الاحتلال الإسرائيلى لسيناء نشأت الجماعة الإسلامية كأول جماعة دينية واضحة المعالم فى سيناء فى مسجد العباسى، أقدم مساجد سيناء، ونشأت على يد الشيخ صلاح شحادة، القائد الشهير بكتائب القسام فيما بعد، وكان دورها مقتصراً على التوعية الدينية فى مواجهة الاحتلال الإسرائيلى.
وكما يؤكد أشرف أيوب، الناشط السياسى السيناوى، «كانت الصوفية هى المسيطرة على المشاعر الدينية لأهل سيناء حتى بدايات عام 1980، إلا أنه بعد إبرام معاهدة السلام بدأ مجموعة من الشباب الجامعى يعودون إلى سيناء حاملين معهم الأفكار الدينية المتشددة وانتشر الفكر الوهابى فى ربوع سيناء لأول مرة، وبين وديانها وجبالها، ومع عام 1984 بدأ «محمود آدم»، وكان يعمل مدرساً، الدعوة وأنشأ جماعة التبليغ والدعوة وقتها بدت الطريقة التى اعتمدت على جذب أتباعها بالخروج فى سبيل الله ودعوة أنصار جدد، وقد انتشرت فيما بعد بصورة كبيرة، إلا أنه مع نهايات الثمانينيات شكلت مجموعة من الطلبة العائدين من الدراسة بالجامعات المصرية مجموعات دينية أكثر تطرفاً وتشدداً، وتبنى معظمها الفكر الوهابى المتشدد ليظهر على الساحة شباب يكفرون آباءهم ويرفضون تناول الطعام معهم.
وفى حين يحدد أشرف أيوب نهايات الثمانينيات كنقطة لانطلاق الأفكار المتشددة يرى الشيخ سليمان أبوأيوب، أحد قادة الجماعة السلفية فى سيناء، بداية التحول من الإسلام السمح إلى التشدد المرفوض بدأ من عام 1993 تقريباً قائلاً: «تعتبر التنظيمات الدينية فى سيناء كلها سنية وسلفية ولكننا نختلف مع بعضها فى بعض الأمور، مثل عملية تفجير محطة الغاز التى ننكرها تماماً, لكن الموجودين الآن والجماعة الرئيسية فى المكان هى الجماعة السلفية، وبدايتها كانت عام 1986، وكل الجماعات التكفيرية خرجت من رحمها.
ويضيف: أنا أحد 12 شخصاً أسسوا الدعوة السلفية فى رفح وكان هناك مجموعة من الطلبة عادوا من القاهرة كانوا قد تشربوا هذا المنهج فى جامعاتهم وعادوا لينقلوا لنا ما تعلموه، كان غالبية الموجودين يتبعون المنهج السلفى على تعاليم الشيخ ابن باز وفى عام 93 دبت الخلافات بين التنظيم فخرجت الجماعات وتفرعت لأسماء مثل توحيد وجهاد وسلفية جهادية وتكفيريين والقاعدة وسلفية دعوية، وبعض تلك الجماعات موجود وبعضها اختفى تماماً من على الأرض، وربما يكون هناك 3 أو أربعة أشخاص فقط يكونون فكراً ويطلقون على أنفسهم تنظيماً، والجماعة الأم هى الجماعة السلفية الدعوية.
وحول مدى انتشار القاعدة فى سيناء، قال: هناك شباب يلبسون طواقى سوداء ويبدون التشدد وهم من رفع الرايات السوداء فى الهجوم على العريش، مدعين انتماءهم للقاعدة، وأضاف قائلاً وما يقال عن القاعدة أعتقد أنه كلام غير دقيق وأعتقد أنه لا وجود تنظيمياً لها، لكن بعض الموجودين ينتمون فكرياً للقاعدة، وأضاف: وبصفة عامة نحن نرفض العنف بكل أشكاله.
لكن الحاج أسعد البيك، أحد مؤسسى السلفية فى سيناء، والذى أعلن خلال الانتخابات، تحوله وجماعته إلى اسم أهل السنة والجماعة، يرى أن الحركة السلفية الدعوية بدأت فى سيناء قبل ذلك بأعوام قائلاً: نشأت جماعة أهل السنة والجماعة فى سيناء عام 1979 بعد رحيل اليهود من العريش وقامت على يد فتحى حمدى إسكندر، الملقب بأبوإسلام «رحمه الله» وحللت مكانه حيث كنت أكبر الموجودين سناً وكنت متخرجاً فى الأزهر الشريف.
ويروى قائلاً: بدأت الجماعة فى مسجد عمر بن عبدالعزيز بالعريش من بعض رواد المسجد من المصلين حيث كانوا يجلسون بعد صلاة الفجر لتدارس علوم القرآن من أحكام تلاوة وتجويد وبعض أمور العقيدة، ثم انتقل النشاط إلى مسجد النور، الذى كنت ألقى فيه دروساً فى العقيدة والعبادات على أعين رجال مباحث أمن الدولة «فرع العريش» وعندما ضيقت مباحث أمن الدولة على جميع فصائل العمل الإسلامى فى المساجد وضمت المساجد للأوقاف، وعاقبت حتى من يصلى بالناس فى المساجد ولو كان هو المؤهل لهذا المقام، لزم كل واحد بيته وتوقفت الدعوة السلفية، تحت الضغط الأمنى والاعتقالات والتعذيب.
وعلى العكس من كل الأرقام المتداولة حول أعداد التكفيريين فى سيناء، فإن الحاج أسعد البيك، يرى أنه من الصعب بمكان تقدير أعداد السلفيين الدعويين، فما بالك بالتكفيريين ويؤكد قائلاً أنه أصبح من الصعب إعطاء عدد حقيقى أو تقريبى لهؤلاء السلفيين، ويشكك الحاج أسعد البيك، أحد المرجعيات المهمة عن السلفيين فى سيناء فى أعداد التكفيريين ويعتبر أنهم غير موجودين حيث إن أعدادهم قليلة للغاية ومتدنية.
لكن «أبوعمار» الشاب الذى أعلن توبته عن الأفكار التكفيرية يخالف الحاج أسعد الرأى ويؤكد أن أفكار التكفير بدأت تنتشر فى سيناء بصورة كبيرة فى أواخر عام 1993، نتيجة اختلاف حول النظرة للنظام الحاكم، فمنهم من كفر النظام ومنهم من لم يكفره ومن لم يكفره تم تكفيره لأنه يساند النظام وذلك بسبب ممارسات النظام ضد التيار الدينى بصفة عامة، والتنكيل بكل من ينتمى للتيارات الدينية والأصولية، هذا غير أنهم أصبحوا مقتنعين بأن ضباط أمن الدولة كانوا يشنون حرباً على الإسلام ويسبون الدين، لذا فهم كفار.
ويقدر «أبوعمار» أعداد التكفيريين وقتها بعشرين لا أكثر، مضيفاً: لكنهم الآن يتجاوزون 300 شخص بأسرهم.
لكن الخلافات دبت بينهم بقوة بعد الثورة - الكلام لأبوعمار - لرغبة البعض فى الاندماج مع المجتمع بينما يرفض البعض الآخر التعامل مع النظام الكافر، ويشير «أبوعمار» إلى أن القاعدة الفقهية للتكفيريين بسيناء هى «من لم يكفر الكافر أو شك فى كفره أو صحح مذهبه فهو كافر» فالحكم بما لم ينزل الله كفر، ومن يوافق عليه أو يتبعه مشركون فالمجتمع يعتمد الكفر سبيلاً لإدارة حياته، حسب رؤيتهم، ويشير أبوعمار إلى أن هناك تياراً من التكفيريين يعتبرون أن استخراج أوراق ثبوتية يعتبر ولاء للنظام الكافر ولم يظهر هذا التيار إلا فى العام 2005 وهم من أشد التيارات التكفيرية تشدداً فهم لا يأكلون ما نذبحه ولا يتزوجون أو يزوجون لنا حتى من بين السلفيين فما بالكم بباقى المجتمع.
وحول تحولهم إلى استشهاديين واستخدامهم السلاح ومشاركتهم فى أحداث العنف بسيناء، قال لا يمكن لهؤلاء أن يتحولوا إلى استشهاديين أو يشاركوا فى أعمال العنف لأنهم لا يرون من يستحق أن يستشهد من أجله فحماس والجهاد وفتح والقاعدة وبن لادن من الكافرين.
وهؤلاء- حسب كلام أبوعمار- يعتبرون أن المشكلة الكبرى هى غياب شرع الله والإسلام عن كل الكون، ويضيف قائلاً هؤلاء تحديداً ليست لهم علاقات بجماعات أخرى، وليس لهم أى التقاء فكرى سوى مع جماعتهم المحلية وهم لا يحملون السلاح.
ويعد شكرى مصطفى هو المرجعية الفكرية من خلال بعض الكتابات مثل (الحجة البالغة)، وفهم بعض نصوص الأئمة النجدية مثل الشيخ محمد عبدالوهاب بشكل خاص، كونه واضع القاعدة من لم يكفّر الكافرين فهو كافر.
وحول مدى تزايدهم وانتشارهم فى المجتمع السيناوى، قال هم فى تناقص نتيجة تأثرهم بمراجعات مع أصحاب الأفكار المعتدلة وليست هناك عملية مراجعات منظمة، وهم أقارب، وبينهم صلات نسب، وليست لهم مساجد يصلون بها ولا يقيمون صلاة الجمعة، حيث إنه لا جمع ولا جماعات فى ظل الحاكم الكافر.
لكن هناك تيارات أخرى تحمل السلاح وتمارس العنف وهم من التكفيريين وهنا لابد من الإشارة إلى أن هناك جماعات مختلفة من التكفيريين أصبحت منتشرة فى ربوع سيناء الآن، وهناك من يتلقى تمويلاً من جماعات خارجية سواء من فلسطين أو من العراق أو إيران أو أماكن أخرى.
إلا أن الشيخ مرعى عرار، المتحدث باسم جماعة السلف الحق، أحد المتخصصين فى شؤون الجماعات الدينية فى سيناء يلخص الموقف قائلاً المشكلة إن الكثيرين هنا لا يفهمون خريطة التنظيمات والجماعات الدينية بصورة واضحة فيطلقون على الجميع لفظ تكفيريين، وهذا تعميم خاطئ، فهناك العديد من الجماعات التى تنتهج فكر التكفير، لكن للحقيقة لا يمكن أن نطلق عليها أيضا لفظ جماعات بشكل كامل، فربما تكون مجموعات صغيرة فى أحيان كثيرة وأحياناً تكون بعض الأسر والعائلات لا أكثر، وبصفة عامة هناك 3 انشقاقات أساسية حدثت داخل الجماعة السلفية وبدأت تقريباً مع عام 1993.
وكل انشقاق أدى لنشأة جماعة تكفيرية وأحياناً كانت تلك الجماعات تنشق أيضاً من داخلها لتكون مجموعات صغيرة مختلفة الرؤى، وكان النظام والرؤية إليه أهم أسباب الانشقاقات وانتشار مجموعات التكفيريين.
وأضاف فى إطار الخلط أيضاً هناك من يقول إن التوحيد والجهاد وهو تنظيم يكاد يكون قد اندثر بعد اعتقالات 2000 هو من الجماعات التكفيرية، هم لم يكونوا يكفرون المجتمع لكنهم كفروا النظام الحاكم فقط، لكنهم يرون أن السلف متقاعسون فقد تراجع العديد منهم عن أفكاره المتشددة.
وحول دور الجماعات السلفية فى مراجعة هؤلاء فكرياً، قال لقد بدأنا بالفعل مراجعات فكرية مع عدد منهم وهناك من استجاب وهناك من فى الطريق، وأضاف لن نسمح لأى تنظيم خارجى أن يستهدف مصالحنا الداخلية لعدم جواز ذلك شرعاً.
تبدو إذن الصورة مرتبكة للغاية، واقع لا أحد يعلم عنه شيئاً فى ظل غياب تام وكامل للمعلومات فلا الأجهزة الأمنية تملك المعلومات ولا أى مراكز بحثية لعبت فى تلك المنطقة المعتمة لتفهم حقيقة ما يحدث وطبيعة تلك الجماعات التكفيرية الذى درج الجميع على جمعها وتوحيدها تحت اسم التكفيريين، ولم يحاول أحد الفهم أو الغوص داخل تلك الجماعات ليفهم أنها عدة جماعات بعضها مسلح والبعض الآخر غير مسلح، ورغم أنه لا ينتهج العنف لكنه من الخطورة بمكان أن يدمر مجتمعاً كاملاً.
والأخطر من كل ذلك أن كل تلك الصورة تغيب عنها تماماً المؤسسة الدينية الرسمية التى اكتفت بدور المتفرج والمتابع فلا الأزهر كان له دور ولا الأوقاف حاولت أن تتواجد على الساحة الرسمية فى سيناء، ورغم انتشار المساجد وتأميمها وتحويل تبعتها إلى الأوقاف فإنها تحولت إلى مساجد مهجورة خالية لا يرتادها أحد بعدما عاقب النظام سيناء بمنع أى داعية شهير أو محبوب من الدعاة أو الخطابة فى سيناء.
ويبلغ عدد المساجد فى شمال سيناء حوالى 770 مسجداً حكومياً غير 129 مسجداً أهلياً فضلاً عن 14 زاوية، وأمام هذا العدد من المساجد والزوايا، أوفدت الأوقاف حوالى 367 داعية و243 خطيباً بالمكافأة فقط لإلقاء خطبة الجمعة والاهتمام بشؤون الدعوة فى سيناء، وهذا العجز الكبير تسده الوزارة حسب تأكيدات الشيخ الدسوقى حجاج، مدير عام الأوقاف فى شمال سيناء، من خلال مفتشى ومديرى الإدارات.
إلا أن مسؤول الأوقاف الأول فى سيناء يشكو من قلة الإمكانات وصعوبة الوصول إلى الأماكن النائية ومن تدخلات سابقة «لأمن الدولة المنحل» ومنعه عدداً من مشاهير المشايخ من الخطابة، وهذا ما دفع بعض المنتمين للتيارات الدينية إلى هجرة مساجد بعينها والصلاة أحياناً فى مساجد أخرى أهلية غير تابعة لنا وأصبحنا نرى مشاهد مؤسفة من مساجد خالية وأخرى ممتلئة.
وأضاف وكيل الأوقاف فى سيناء، قائلاً: «كنا نرسل كشفاً بالأئمة إلى أجهزة أمنية تتولى هى توزيعه على مناطق كانت ترى أن بها خطورة جمة وتطرفاً وتحتاج للنصح والإرشاد، وكانت تلك المناطق تتركز فى رفح والشيخ زويد ووسط سيناء ومدينة الحسنة، لكن إمكانياتنا كانت بسيطة صحيح علمنا أكبر بكثير لكن نقص الإمكانيات أثر علينا».