التقت مجموعة من الشخصيات في قاعة للاجتماعات بإحدى الكليات في غريان ليسمعوا كيف يريد أحد الأحزاب أن يضمن ترسيخ الديمقراطية في ليبيا.
وقال صديق كريم، رئيس الحزب الديمقراطي الوطني، الذي تشكل حديثا للرجال، وأغلبهم مهنيون في منتصف العمر، إن دولة دون ديمقراطية لا تعني شيئًا.
وفي حين يسعى حكام الفترة الانتقالية في ليبيا جاهدين للإبقاء على السيطرة على الأوضاع في البلاد بعد ثورة استمرت 9 أشهر وانتهت بأسر وقتل الزعيم معمر القذافي، تشهد البلاد نوعًا من الصحوة السياسية.
عشرات الأحزاب الجديدة تشكلت بعد حظر دام 4 عقود من الزمن لتعرض مزيجًا حيويًا من المناهج الديمقراطية والإسلامية والقومية والخاصة بالسوق الحرة، ولتوفر بديلًا لحركات سياسية راسخة مثل الإخوان المسلمين.
وتجمع كل هذه الأحزاب تقريبًا صبغة إسلامية معتدلة، فبيانات الأحزاب تحمل عادة إشارات عديدة إلى الإسلام على أنه الدين الرسمي للدولة ومصدر قيمها السياسية والاجتماعية، ودون أيديولوجيات واضحة أو شخصيات معروفة فمن المحتمل أن تندمج في آخر الأمر أو تشكل تحالفات قبيل الانتخابات البرلمانية المقررة في يونيو.
لكن في الوقت الحالي الذي تعكف فيه الأحزاب الجديدة على توضيح أغراضها وأهدافها من البرلمان الذي سيضع دستورًا جديدًا، فإنها تنشد الدعم من الولاءات الإقليمية والقبلية وحتى العرقية.
وأبلغ كريم، وهو طبيب أسس الحزب الديمقراطي الوطني في أكتوبر، مستمعيه في كلية العلوم بغريان، في منتصف يناير، أنه لا يريد دولة علمانية محضة.
وتساءل «إن كان أحد يريد إطلاق اللحية فهل يستطيع أحد أن يمنعه أو إذا أرادت امرأة أن ترتدي الحجاب فهل يمكن لأحد أن يقول لها لا تفعلي ذلك؟». وقال إنه إذا كانوا يعتقدون أن ذلك سيقربهم إلى الله فلهم ما يريدون.
ويذكر حزب التواصل وهو حزب قومي أسس في نوفمبر على موقعه على الإنترنت، أن الحزب يعتقد أن الشريعة الإسلامية يجب أن تكون المصدر الرئيسي للتشريع.
وقال محمد عدنان القروي، العضو بمجلس مدينة طرابلس والمسؤول عن تقسيم العاصمة إلى دوائر انتخابية، إن الجميع في ليبيا يتحدث بنفس اللغة وإنهم جميعًا قوميون وإسلاميون.
وأضاف أن النقاش ليس بشأن الاستعانة بالقرآن كمصدر للتشريع، بل يتعلق بدرجة أكبر بما إذا كان المصدر الرئيسي أو واحدًا من عدة مصادر.
و«الإخوان المسلمين» من الجماعات السياسية البارزة التي لم تشكل حزبًا حتى الآن، ومن المتوقع أن تشكل حزبًا هذا الشهر، وتنشط الجماعة في ليبيا منذ 1950.
ومن المتوقع أن يبلي «الإخوان المسلمين» بلاء حسنا في الانتخابات الليبية، لكن لن يقتربوا بأي حال من الأحوال من النسبة التي حصل عليها حزب الحرية والعدالة، المنبثق عن الجماعة، في الانتخابات البرلمانية في مصر.
وقال عماد البناني، عضو مجلس الشورى، وهو الهيئة الحاكمة للجماعة، إن المواطنين قلقون من الإخوان المسلمين لأنهم لم يتعرفوا على الجماعة بعد.
وقال البناني الذي كان يتحدث من بهو فندق بطرابلس إن مبعث قلقهم يرتكز على حملات التشويه التي كان يقوم بها النظام القديم، والتي تصورهم كجماعة ذات جدول أعمال عالمي وقال إن هذا أمر طبيعي سيختفي بمرور الوقت.
وأضاف أن الحزب المدعوم من الإخوان المسلمين سيستقطب الدعم، لأن له أيديولوجية واضحة، وليس له مصلحة قبلية أو إقليمية خاصة.
لكن زعماء الأحزاب الوليدة قالوا إن الليبيين سئموا من الأيديولوجيات بعد 42 عامًا تحت حكم القذافي، الذي كان حكمه يسترشد بتعليمات «الكتاب الأخضر» الذي ألفه الزعيم الليبي الراحل.
وقال محللون إن من الجماعات الأخرى الجديرة بالمتابعة، السلفيون، المتأثرون بالحركة الوهابية في السعودية، والذين حققوا نجاحات انتخابية أيضا في مصر، ولا يوجد لهم وجود سياسي رسمي حتى الآن لكن المساجد التي كان يديرها أئمة كان يعينهم القذافي ويقوم عليها الآن دعاة سلفيون، تجتذب أتباعًا لهم. ويتوقع محللون أن يصرف التشدد الذي يبديه السلفيون الليبيين عنهم.
وقالت أستاذة العلوم السياسية عبير أمنينة، إن السلفيين لن يحظوا بالشعبية إذا قرروا المشاركة في العملية السياسية.
ومن قطاعات المجتمع التي يمكن أن تهيمن في الفترة المقبلة الجماعات القومية، مثل الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا التي أسست عام 1981 وتعتزم إنشاء حزب لها.
وقالت أمنينة التي شاركت في صياغة مسودة قانون الانتخابات، إنه إذا لم تدخل الأحزاب القومية في تحالفات مع أحزاب صغيرة مماثلة، فسيكون من الصعب عليها الفوز.
ومن المتوقع أن يخوض حلبة السباق أيضا وبدرجات نجاح متفاوتة العلمانيون وشيوخ القبائل وحتى الميليشيات.
وقال عيسى عاشور أبو دية، مؤسس الحزب الديمقراطي الاجتماعي، إنه سيستلهم أغلب الدعم من الأمازيغ الذين ينتمي إليهم. ويعتزم استخدام الحزب كمنتدى للدفاع عن حقوق الأمازيغ.
وقال إنه إذا كان هناك أي تحامل على الأمازيغ أو تهميش لهم، فسيجري التصدي لذلك عن طريق الحزب، لأن الأمازيغ ضاقوا ذرعًا بالتهميش والتقليل من شأنهم.
ومن المتوقع أن يشكل عبد الحكيم بلحاج، وعبد الله ناقر، وهما من زعماء الميليشيات المتنافسة في طرابلس، حزبًا خاصًا بكل منهما، أو قد ينضمان للأحزاب القائمة، لكن أمنينة قالت إن شخصًا مثل بلحاج لا يمكنه حقا تشكيل تكتل سياسي قادر على المنافسة.
وسيستغرق الأمر عدة أشهر قبل أن يتضح المشهد السياسي في ليبيا.
فالأفراد فقط وليس الأحزاب السياسية هم من سيسمح لهم بخوض الانتخابات وفقا لمسودة القانون التي نشرت في ديسمبر، لكن القانون يجري تحديثه بعد حالة من الغضب جراء ذلك مع ظهور نسختين مسربتين من المسودة الجديدة، توضح أن الأحزاب ستشغل ما بين ثلث وثلثي المجلس المنتخب.
وكان من المفترض أن تصدر المسودة النهائية للقانون في أواخر يناير لكن تم تأجيلها عدة مرات وهو دليل على حساسية القضية.
وحتى الآن لم يظهر سوى القليل من اللافتات السياسية والدعائية في شوارع طرابلس، وتقول الأحزاب إنها تقوم بالدعاية عبر الإنترنت أو الانخراط بين الناس.
وقال كريم وهو من الحزب الديمقراطي الوطني إنه يفضل التحدث مباشرة إلى الناس بدلا من دفع أموال في إعلانات تليفزيونية أو إذاعية.
ولا يمكن للأحزاب الجديدة بالفعل توفير الأموال الإعلانات، فالأحزاب يمولها حاليا أعضاء في غياب لوائح تسمح بحملات جمع الأموال، وتقول الأحزاب الإقليمية والقبلية إن التحدث إلى شيوخ القبائل النافذين أكثر فاعلية من أي إعلانات.
وقال كريم إنه أيًا كان شكل الساحة السياسية فإن كثيرين يراهنون على نجاح الانتخابات المقبلة.
وأضاف أن الليبيين لا يريدون عودة الطغيان وأن هذا هو سبب ضرورة أن يكون لليبيا مؤسسات ودستور يعيش لمئات السنين.