زيكا شهيد«أحداث بورسعيد»:صورونى قبل ما أموت
مع دقات السابعة، صباح الأربعاء الماضى، استيقظ محمد محمود أحمد عبدالتواب، الشهير بزيكا، على اتصال عبر هاتفه المحمول من صديقه محمد عباس عبدالمنعم يطالبه بسرعة النزول من شقته التى يقطنها بقرية باسوس بالقليوبية، حتى يتمكنا من الذهاب إلى محطة السكة الحديد لاستقلال القطار والذهاب إلى بورسعيد لتشجيع النادى الأهلى. لم يتردد زيكا ذو الخمسة عشر عاما، فى تلبية طلب صديقه ولم يشك لحظة واحدة فى أن تلك الرحلة هى المحطة الأخيرة فى قطار عمره.
وهناك فى استاد بورسعيد كان آخر طلبات زيكا من صديقه أن يصوره بمدرجات الاستاد قائلا: «صورنى قبل ما يموتونا»، إذ لقى حتفه بعد التقاط تلك الصورة فى أحداث بورسعيد، وأصبحت تلك الصورة هى عزاء أهله الوحيد وأصدقائه فى مدرسة «باسوس الإعدادية» محمود نميرى ومحمود صابر ومحمد عباس الذين لم يصدقوا حتى الآن خبر وفاة زيكا.
فور اندلاع الأحداث لم ينتظر عم الشهيد زيكا أى تفاصيل عن أسماء الشهداء وتحرك مسرعا مستقلا سيارته وذهب إلى بورسعيد وتفقد جثامين الضحايا ليجد ابن أخيه فى مقدمتها، ونجح فى نقله عبر إحدى سيارات الإسعاف إلى منزله فى باسوس، إلا أن والده أصر على دفنه بمسقط رأسه بإحدى قرى الفيوم القريبة من بيت سيد عبدالحفيظ، مدير الكرة بالأهلى.
محمود والد الشهيد زيكا قال: ابنى كان ينتظر شهادة دراسته الإعدادية ولم أتوقع أن أحصل على تصريح بدفنه وشهادة وفاته، وطالب والده بالقصاص لنجله وسرعة الكشف عن المتورطين فى هذه الأحداث، لافتا إلى أن عزاءه الوحيد هو احتساب نجله شهيدا عند الله.
الغندور قبل سفره بساعة: نفسى أشوف كل صحابى
اتصال هاتفى تلقاه طارق عجاج، عضو فى «ألتراس ديفلز» من تليفون صديقه محمود الغندور، مؤسس الألتراس فى الإسكندرية، وهو طالب فى كلية التجارة، قلب حياته رأسا على عقب، فبينما رد طارق على صديقه بقوله: «إيه اللى بيجرا عندك يا ابنى»، سمع صوتا غريبا لم يكن صوت صديقه يقول له: «انت تعرف صاحب الرقم ده.. طب تعالى استلمه من بورسعيد».
صدمة شديدة تعرض لها طارق، فسافر مسرعا إلى بورسعيد، وخلال السفر تذكر آخر رسالة بينه وبين الغندور الذى أصبح واحدا من ضحايا أحداث بورسعيد. فى يوم الأربعاء الدامى، أرسل «الغندور» رسالة إلى صديقه على موقع «فيس بوك» يقول له: «واحشنى جدا يا برنس.. نفسى أشوفك، تعالى نتقابل ونسافر الماتش مع بعض، أنا نفسى أشوف كل أصحابى.. أنا قلقان قوى.. أشوفك عند الأتوبيس».
لم تثر تلك الرسالة قلق طارق حيث اعتبرها رسالة عادية ورغم أنه لبى نداء صديقه وذهب إلى مكان إقلاع الأتوبيس فإن القدر لم يمهله للحاق به، إذ ذهب متأخرا حتى إنه لم يلتق صديقه لتصبح تلك الرسالة هى آخر اتصال بينه وبين الغندور.
وصل طارق إلى بورسعيد ليجد كما هائلا من الجثث الملقاة على الأرض، بحث بينها عن صديقه فلم يجده، فأخبره شخص بأنهم حاولوا إنقاذه ونقله بعربة الإسعاف عندما اكتشفوا أنه حى ويقول: «صدرى بيوجعنى.. مش قادر أتنفس»، ذهب طارق إلى عربة الإسعاف فوجد صديقه جثة هامدة، فسقط إلى جواره مغشيا عليه.
شهاب أوصى أصدقاءه قبل موته: قولوا لأمى ماتزعليش
من يصدق أن تستقبل أم خبر وفاة ابنها الطالب فى كلية الهندسة بنوبة ضحك هستيرى.. تلك هى الحالة التى انتابت والدة الشهيد شهاب محمد الذى راح ضحية أحداث بورسعيد، شهاب ودع والديه وسافر إلى بورسعيد مع أصدقائه ليشجع ناديه، ولم يدر أن لحظة الوداع التى بالغ فيها فى تقبيل والديه هى الأخيرة وأنه لن يعود مرة أخرى لا حيا ولا ميتا.
حالة من الصمت الشديد تخيم على إمبابة حزنا على رحيل ابنها شهاب الذى لم يعثروا على جثته حتى الآن، ورغم محاولات صديقه أحمد مصطفى البحث عن جثته وسط الجثث الملقاة أسفل مدرجات استاد بورسعيد فإنه فشل، مصطفى أكد أنه كان بصحبة صديقه شهاب أثناء وفاته، عندما كانا يشجعان النادى الأهلى وفجأة اشتعلت المدرجات وفوجئ باثنين مجهولين يضربانه ضربا مبرحا على رأسه وقدمه ويخنقان «شهاب» بكوفية، ورغم الصرخات المدوية التى اطلقها لانقاذ صديقه فانه فشل، وقال مصطفى: «لم يغب عن عينى حتى الآن مشهد شهاب وهو متعلق فى قدمى للنجاة من الموت ويوصينى بأمه.. لكننى فشلت فى إنقاذه إذ سقطت من وقع الضرب الذى تعرضت له»، الاثنان المجهولان اللذان قتلا «شهاب» لم يكتفيا بذلك بل قاما بإلقائه من فوق المدرجات ليلقى حتفه على الفور.. وهذا ما عرفه مصطفى بعد أن استعاد وعيه.
منذ تلقيها الخبر الذى لم تصدقه، لم تترك والدة شهاب شرفة منزلها، غير عابئة بالأب الذى أصيب بجلطة فى المخ ونقل إلى المستشفى بعد سماع خبر ابنه، فالزمن عندها توقف عند غياب شهاب منذ يوم الأربعاء، وبين وقت وآخر تسمع صوت شهاب يناديها من بعيد: «ابعتيلى المفتاح يا ماما.. أنا جيت خلاص».
تلك هى الحالة التى وصلت إليها أم شهاب وهذا ما جعلها تصم أذنيها وتغمض عينيها عن مشاهد الدماء التى تناثرت فى استاد بورسعيد، لأنها لا تريد أن تصدق أن ابنها واحد ممن لقوا حتفهم - غدراً - فى تلك الأحداث. ولا أحد يعرف إلى متى ستستمر حال تلك الأسرة، فالأب راقد فى المستشفى، والأم لاتزال تتعلق فى شرفة المنزل وتحدق فى المارة علها تجد بينهم وجه ابنها «شهاب».
فى جمعة «الشهيد»: أعلام وتى شيرتات ووشوش.. أبيضx أحمر
بعد أحداث بورسعيد.. كل شىء تغير فى «ميادين الغضب»، حتى شكل التظاهرات والهتافات والشعارات واللافتات المرفوعة، كل شىء اصطبغ باللونين الأحمر والأبيض، فعلما الأهلى والزمالك كان لهما حضور لافت، وارتدى عدد كبير من المتظاهرين تى شيرتات بيضاء وحمراء، حتى وشوش المتظاهرين لونت بعلمى الناديين، وإلى جانب علم مصر رفعت أعلام الأندية الرياضية «أهلى وزمالك وإسماعيلى»، التى باتت ترفرف فى سماء ميدان التحرير لتعلن أن السياسة أصبحت للجميع.
الباعة الجائلون فى ميدان التحرير استجابوا لتلك الحالة واستبدل عدد كبير منهم بعلم مصر أعلام الأندية الرياضية لتحقيق مكسب أوفر، فـ«جمعة الشهيد» التى نظمت أمس كان بطلها مشجعى كرة القدم تضامنا مع شهداء ألتراس أهلاوى.
إبراهيم عاطف (24 عاما)، بائع أعلام فى ميدان التحرير، قرر بعد أحداث بورسعيد التى راح ضحيتها 71 شهيدا ومئات المصابين، أن يتماشى مع الأحداث ويستبدل بعلم مصر أعلام الأهلى والزمالك والإسماعيلى ليبيعها فى ميدان التحرير، بعد أن لاحظ قلة الإقبال على علم مصر: «بعد أحداث بورسعيد لاحظت أن المتظاهرين بيطلبوا علمى الأهلى والزمالك وفيه ناس طلبت علم النادى الإسماعيلى، لذلك قررت إنى أبيع أعلام الأندية الرياضية».
الإقبال الكبير على تلك الأعلام غيّر خريطة الأسعار فى ميدان التحرير، فالأعلى كان من نصيب علمى الأهلى والزمالك اللذين رفع الباعة أسعارهما بعد شدة الإقبال عليهما فى مقابل خفض أسعار علم مصر، وقال «إبراهيم»: «إن علم مصر الكبير انخفض سعره من 10 جنيهات إلى 8، والصغير انخفض من 5 جنيهات إلى 3، أما أعلام الأهلى والزمالك كبيرة الحجم فارتفعت أسعارها إلى 10 جنيهات والصغيرة إلى 3».
لم يكتف باعة ميدان التحرير بذلك، بل بدأوا فى طباعة صور شهداء بورسعيد، وتصميم شمسيات من علمى الزمالك والأهلى، وكذلك رسم وشوش المتظاهرين بعلمى الأهلى والزمالك.
طارق نجيب (21 عاما)، عضو فى رابطة «التراس زملكاوى»، قرر أن يقف بعلم وتى شيرت الزمالك وسط ميدان التحرير تضامنا مع شهداء ألتراس أهلاوى، طالبا القصاص أو الشهادة: «قررت إنى أنزل لوحدى من غير ما أتفق مع حد.. ويا أجيب حقهم يا أموت وأبقى وسطهم».
مرة أخرى: الخميرة والميكوجيل فى مواجهة قنابل الغاز
المتظاهرون الذين اشتبكوا مع قوات الأمن، مساء أمس الأول، قرب وزارة الداخلية، جددوا استخدام الابتكارات التى اخترعوها فى المواجهات السابقة، مثل كتابة أسمائهم على أيديهم، والاستعانة بـ«الخميرة» و«الميكوجيل» لمنع احتراق الوجه جراء قنابل الغاز المسيلة للدموع. وفى الليلة الأولى من المواجهات، التى جرت أمام وزارة الداخلية، احتجاجا على المذبحة التى وقعت فى بورسعيد، لجأ المتظاهرون إلى كتابة أرقام تليفونات منازلهم على أذرعهم، للاتصال بذويهم، حال تعرضهم للإصابة.
ومع اشتداد المواجهات مع قوات الأمن التى أطلقت قنابل الغاز بغزارة لمنع اقتحام وزارة الداخلية، استعان المتظاهرون بمادة «موبيك جيل» ووضعوها على وجوههم لمنع تأثر الوجه والعينين بالغازات، وعندما نفدت هذه المادة استعانوا بالخل، ووزعوا كميات كبيرة منه على المعتصمين لمقاومة الغازات، فيما استخدم المعتصمون بالميدان «الخميرة» المخلوطة بالمياه وقاموا برشها على الوجه لمقاومة الاحتراق الذى يصيب الوجه بعد وصول الغاز المسيل للدموع إليه.
دواء «المايكوجل» و«الإبيكوجل» يحتوى على مادة أيدروكسيد الألومنيوم وأيدروكسيد الماغنسيوم أوكسيثازين، ومن خواصه أنه «ميكوجيل» مضاد للحموضة قوى ويحتوى على المخدر السطحى أوكسيثازين، إضافة إلى أن المادة القلوية الموجوده به تحمى من الغازات المسيلة للدموع، حينما تتعرض العين لها وتفقدها مفعولها، علاوة على أنها تعتبر مخدراً لألم الحرقان الذى تصاب به العين. كما قال عدد من الأطباء بالمستشفى الميدانى فى عمر مكرم.