أكد التقرير أن الملف الاقتصادى والاجتماعى استمر يحظى بأولوية على جدول أعمال الدولة، ما أكسبه بالتبعية أولوية مطلقة فى جهود الحكومة، وكذا جهود مجلس النواب الذى منح أولوية مطلقة للتشريعات ذات الصلة بالشأن الاقتصادى لمساندة جهود الحكومة، مشيرا إلى أن التحدى الاجتماعى والأعباء الناجمة عن مجريات الإصلاح الاقتصادى لايزالان يشكلان الهم الأكبر للدولة وللمجتمع معاً، حيث لا تفى إجراءات الحماية الاجتماعية المكثفة التى اتخذتها الدولة بتوفير العيش الكريم للمجتمع على النحو المأمول.
وأكد التقرير أنه وبينما تلقت البلاد إشادات دولية كبيرة بنجاح برنامجها للإصلاح الاقتصادى وجهودها التى أفرزت ارتفاعاً متتابعاً فى معدلات النمو الاقتصادى وخفض عجز الموازنة وتعظيم الإيرادات، خاصة تعزيز البيئة الجاذبة للاستثمارات رغم تحديات الاضطراب الإقليمى، فقد عبّرت مؤشرات الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء عن ارتفاع نسبة الفقر المسجلة من 27% فى العام 2018 إلى 32% فى العام 2019، موضحا أنه رغم برامج الحماية الاجتماعية الممنوحة للطبقات الأشد فقراً ولضمان توفير دخل للأسر معدومة الدخل ومحدودة الدخل وتعزيز حجم الدعم العينى عبر دعم رغيف الخبز والسلع التموينية فقد شكل ارتفاع أسعار المحروقات عامل ضغط إضافيا على الفئات الأشد فقراً لتأثيره فى ارتفاع استخدامات الطاقة والنقل وتأثيره المنعكس على أسعار السلع. وتابع التقرير: بالإضافة إلى ذلك فإن ارتفاع أسعار المحروقات وتكلفة الخدمات الأساسية شكل عاملاً ضاغطاً على فئات الطبقة المتوسطة، خاصة الفئات غير المشمولة فى منظومة الدعم، لاسيما أنها تتحمل بصفة رئيسة تكلفة خدمات الصحة والتعليم عبر القطاع الخاص، وتسهم بالحصة الأكبر فى حصيلة الضرائب العامة بصور جماعية وفردية.
ولاحظ التقرير أنه ورغم انخفاض معدلات التضخم بصورة متتابعة طوال الفترة التى يغطيها التقرير من 13.5% فى يوليو 2018 إلى 7.8% فى يوليو 2019 فإن أسعار السلع الغذائية لاتزال مرتفعة بصورة نسبية كبيرة، وبينما نجحت الجهود المتنوعة التى نهضت بها الدولة ومساهمات وزارة التموين ومؤسسات القوات المسلحة والشرطة فى ضخ السلع الغذائية الأساسية فى الأسواق بأسعار متدنية بهدف كسر الغلاء الناتج عن الاحتكارات ومحدودية المنافسة فى السوق، إلا أن عجز الدخول عن مواكبة الغلاء الذى شهدته البلاد خلال الأعوام الثلاثة الماضية يُلقى بظلاله على قدرة فئات واسعة من الطبقتين الدنيا والوسطى لاقتضاء احتياجاتهم الغذائية بصورة كافية، لافتا إلى أن تعثر تفعيل المبادرات الرئاسية المتنوعة أدى إلى غياب الأثر المأمول، خاصة إزاء العلاوة الاستثنائية التى قررها رئيس الجمهورية لموظفى الدولة والقطاع العام قبل نهاية مارس 2019 ولم تُفعل حتى إعداد التقرير للطباعة، رغم أن موعدها المقرر كان بداية شهر يوليو 2019، وكذا المنهج الذى اتبعته الحكومة فى تفعيل مبادرة الرئيس للتراجع عن الطعن على حكم المحكمة الإدارية العليا الذى قضى بضم العلاوات المتأخرة للمعاشات، حيث أدت القرارات المتخذة لتفعيل الحكم إلى إفراغه من مضمونه.
وأكد التقرير أنه ومع التقدير الإيجابى لجهود الدولة فى مجالات الإسكان والحقوق المرتبطة بها، فإن الأعباء الاجتماعية المتزايدة نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة والمياه وخدمات الصرف الصحى تشكل حجر الزاوية فى المعاناة المجتمعية للشريحة الأكبر من المواطنين، خاصة الطبقات المتوسطة والفقيرة، مطالبا الدولة بتحقيق توازن بين مستوى الدخول لكل الشرائح الاجتماعية من جهة، وتكلفة المعيشة بجوانبها فى توفير الخدمات الأساسية من جهة أخرى.
وعلى صعيد الحق فى العمل، أكد التقرير أن جهود الدولة نجحت فى خفض معدلات البطالة من 9.8% إلى 7.5% من إجمالى قوة العمل البالغة أكثر من 28 ميلوناً، ووفقا للجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء يبلغ عدد المتعطلين نحو 20.094 مليون شخص، وتكشف الأرقام أن قوة العمل فى الريف أكبر من نظيرتها فى الحضر، حيث بلغت نحو 12.026 مليون فى الحضر مقابل 16.043 مليون فى الريف، كما سُجل أن 41.9% من جملة السكان ممن يبلغون 15 سنة فأكثر يسهمون فى النشاط الاقتصادى.
وأكد التقرير أن هذا الانخفاض الكبير يُعزى إلى تنامى الأداء الاقتصادى والعناية بالمشروعات كثيفة التشغيل، وبصفة خاصة المشروعات القومية التى تبلغ نحو 1300 مشروع قومى تنفذها الدولة بصفة رئيسة، خاصة ما يتصل بنمو القطاع العقارى الذى ينشط فيه القطاع الخاص بصفة مستقلة أو يشارك الدولة فى تنفيذه.
وألمح التقرير إلى تحذيرات خبراء من أن هذه المؤشرات الإيجابية لا تعبر عن الواقع، حيث قد يرتد أعداد من العاملين بالمشروعات القومية إلى البطالة عقب الانتهاء من تنفيذ المشروعات التى يعملون فيها ويستغرق إنجازها بين سنة إلى خمس سنوات، بينما أشار خبراء آخرون إلى ضعف آثار هذه المخاطر فى ضوء حاجة هذه المشروعات إلى العمالة لتشغيلها بعد الانتهاء من تأسيسها، مستدلين بنمو الاعتماد على العمالة الوطنية فى المشروعات القائمة وتراجع العمالة الأجنبية فى القطاع الخاص، وقدرة قطاعات على استيعاب أعداد إضافية كبيرة من العمالة مثل قطاع الطاقة.