قال الدكتور سلطان الرميثي، الأمين العام لمجلس حكماء المسلمين، إن العولمة حين تحاول أن تصبغ العالم بلونٍ واحدٍ، فهي تتجاهل أنه لا بد لأيِّ وطنٍ من ثقافةٍ خاصةٍ به تميزه عن غيرِه، وهي بذلك تلغي تراثَ الشعوبِ وتاريخَها، ونتاجُ ذلك نراهُ في مجتمعاتٍ منسلخة عن تاريخِها، وشعوبٍ تتشابَهُ في لبسها وأكلها وتصرفاتها، ومع الزمن تُطْمَسُ الهوية الوطنية.
وأكد الرميثي خلال كلمته في المؤتمر الدولي «أبومنصور الماتريدي والتعاليم الماتريدية: التاريخ والحاضر» الذي يعقد في أوزبكستان، أن الدين هو الواقي الأهم والملاذُ الآمنُ لجميع المجتمعات في تشكيلِ ثقافتِها والحفاظِ على هويتِها؛ فالمجتمعات المؤمنةُ ينزع أفرادها إلى الله سبحانَه وتعالى، ويلبي الدينُ حاجةَ الروح للإيمان والسكينة. مضيفا أن هويةِ الفردِ في المجتمعاتِ يستمر تشكيلها من الإيمان بعقيدَتِه، وتتشكلُ تبعًا لذلك مفاهيمُه للوجودِ والحياةِ، ويضبطُ به أمور حياتِه، وخصوصا من خلالِ الالتزامِ بالقيمِ الحميدةِ والأخلاقِ الفاضلة.
وشدد على أن الدين في الفكر الإسلامي بمصادره الصحيحة يعد الأساسَ الأولَ الذي تقوم عليه، وتأخذ منه مادتَها العلمية والثقافية، وتستمد منه ذاتيتَها، ووجهتَها، وتصوراتِهَا، وقِوامَ شخصيتِها، وتعتمد عليه في نقد التراث البشري، ومواجهةِ التحدياتِ التي تعترض سبيلَ المحافظةِ على هويتِها من الذوبانِ في غيرِها، وهو العاصمُ لها منَ الانحرافِ عن الطريق السويِّ، أو الاندثارِ مع الثقافاتِ الدخيلةِ التي لا تخدمُ الروحَ ولا تنسجِمُ مع الهويةِ الوطنيةِ وتتعارضُ مع القيمِ الأخلاقيةِ؛ وبذلك يتحققُ الصمودُ أمامَ متغيراتِ الحياةِ، وأمامَ الذوبانِ في غيرها من الثقافاتِ الأخرى، ذوبانٌ يهدم الأصولَ وينسفُ الركائزَ.
وعبر الأمين العام لمجلس حكماء المسلمين عن أهميةُ هذا المؤتمر في تشكيل دعامةٍ قويةٍ لتأصيلِ الفهمِ الصحيحِ لكتابِ الله عز وجل، وسُنَّةِ رسوله صلى الله عليه وسلم، والتفقُّهِ في الدين، واستيعابِ التاريخ الإسلامي، وحلِّ المعضلاتِ المعاصرةِ للمجتمعِ، من خلال العودةِ إلى الفهم السليم؛ وهو شرعُ الله تباركَ وتعالى.
وتحدث الرميثي عن قيامُ الثقافةِ الإسلاميةِ في جمهوريةِ أوزبكستان على المصادر الصحيحة -وهي كما نعلم بلدُ الإماميِن البخاري والماتريدي، وغيرهما من الرواد الذين اجتهدوا في حفظ السنة النبوية-، وأن هذه الثقافة جعلت من أوزبكستان تتميز عن الثقافاتِ الأخرى، وسيظل الحفاظُ على هذا الموروثِ ملاذًا آمنًا لجميعِ المسلمين، وصونًا لهويٍة تحفظُ الأوطانَ وتصونُ كرامَةَ الإنسانِ.
وأشاد الأمين العام لمجلس حكماء المسلمين بما طرحَهُ الدكتور أحمد الطيب ،شيخ الأزهر، من أهميةِ مشروعِ إحياءِ تراثِ العلماءِ الأوائل؛ إحياءٌ لا يقف عند عتبات النص، بل يتعداه إلى إحياءِ المنهجِ العلميِّ الرصينِ جنبًا إلى جنبٍ مع الآدابِ الإسلاميَّةِ، هو التنويرُ الذي يمكنُ العقلَ من فهمِ النصِ ومخاطبَةِ النفسِ البشريةِ بالحكمَةِ والقولِ الطيِّبِ.
يذكر أن مجلِس حُكَماء المُسلمين هيئة دوليَّة مستقلَّة تأسَّست في يوليو عام 2014 م، تتخذ من أبوظبي مقرا لها، وتهدف إلى تعزيز السِّلم في المجتمعات المسلمة، وتجمع ثلَّة من علماء الأمَّة الإسلاميَّة وخبرائها ووجهائها ممَّن يتَّسمون بالحكمة والعدالة والاستقلال والوسطيَّة، بهدف المساهمة في تعزيز السِّلم في المجتمعات المسلمة، وكسر حدَّة الاضطرابات والحروب التي سادت مجتمعات كثيرة من الأمَّة الإسلاميَّة في الآونة الأخيرة.