أعادت التجربة المتعثرة لطرح شركة مصر الجديدة للإسكان والتعمير، إلى الأذهان تجربة الخصخصة الناجحة لشركة مدينة نصر، فكلتاهما كانتا تابعتين للحكومة، وتمتلكان محفظة كبيرة من الأراضى غير المطورة، لم تفلح الإدارات الحكومية المختلفة على مر العصور فى تحقيق الاستفادة الأمثل من هذا الكنز، إلا عندما اقتنصت شركة «بلتون» حق إدارة مدينة نصر للإسكان والتعمير عام 2006، لتبدأ مرحلة جديدة فى تاريخ الشركة تنقلها إلى مصاف الكبار.
وتعد شركة مصر الجديدة للإسكان والتعمير من أقدم الشركات المصرية حيث تأسست عام 1906 لتطوير ما يقرب من 80 مليون متر مربع فى منطقة مصر الجديدة، وبعد نصف قرن (خمسين عاما) تأسست شركة مدينة نصر للإسكان والتعمير، لتطوير 40 مليون متر فى مدينة نصر والمناطق المجاورة.
وفى عام 1995 قررت الحكومة المصرية ضمن برنامجها لخصخصة الشركات الحكومية وتوسيع قاعدة الملكية، طرح الشركتين الكبيرتين فى البورصة المصرية، واستمر أداؤهما يسير متوازيا من خلال منظور اعتمد على التوسع فى ترفيق الأراضى، وطرحها للبيع إلى شركات القطاع الخاص، حتى دخول شركتى «بلتون إنفستمنت جروب ليمتد» و«بلتون كابيتال للتجارة والاستثمار» فى إدارة شركة «مدينة نصر» ديسمبر 2006، لتخرج الشركة تدريجيا من تحت عباءة الإدارة الحكومية إلى فكر القطاع الخاص، بعد تراجع حصة الشركة القابضة للتشييد فى هيكل ملكيتها ليسجل حاليا ما يقرب من 15%، وتتحول الشركة إلى مظلة قانون الشركات المساهمة 159 الذى يسمح لها بحرية أكبر فى اتخاذ القرارات بعيدا عن البيروقراطية، وتظل شركة «مصر الجديدة» فى نفس مكانها تحت سيطرة قانون 203 لشركات قطاع الأعمال العام حتى هذه اللحظة.
ووفقا لتصريحات سابقة، لأحد مسؤولى شركة مدينة نصر، خلال ٢٠١٠، قال: «دخول بلتون إلى الشركة نقلها لمرحلة من التطوير اعتمدت على تحقيق خمسة أهداف، تأمين الأراضى المملوكة للشركة، وإزالة العقبات التى تواجهها فى مشروعاتها السكنية، وتعيين إدارة جديدة، وشراء مساحات إضافية من الأراضى، وأخيرًا توقيع عقد تنمية إحدى الشركات الرائدة فى مجال التنمية والتطوير للمدن الجديدة، كما اعتمدت على وضع إطار مؤسسى للحفاظ على استمرارية الشركة على نمط القطاع الخاص، من خلال إنشاء الإدارات الحيوية الحديثة، وتفعيل قواعد ومبادئ الحوكمة».
ونجحت «مدينة نصر» فى اقتحام مجال التطوير العقارى وتحقيق الاستفادة القصوى من تنمية محفظة الأراضى التابعة لها لترتفع القيمة السوقية للشركة إلى 6.134 مليار جنيه، فيما حصلت شركة «مصر الجديدة» خلال الشهر الماضى فقط على موافقة الهيئة العامة للرقابة المالية على إضافة نشاط التطوير العقارى.
النجاح الذى لحق بتجربة القطاع الخاص فى مدينة نصر، دفع الحكومة الحالية لتكرار نفس التجربة مع شركة مصر الجديدة التى تمتلك محفظة أراض غير مطورة تصل إلى 24.9 مليون متر مربع، ولكن بأسلوب مختلف، من خلال طرح 25%، منها 10 % للمستثمر الذى يتولى عقد الإدارة، والنسبة الباقية فى البورصة.
وامتنعت الشركات الأربع التى سحبت كراسة الشروط عن التقدم بعروضها الفنية والمالية، فى الوقت المحدد، الأحد قبل الماضى، الأمر الذى ترتب عليه إلغاء الطرح، وأرجعت شركة السادس من أكتوبر «سوديك»- إحدى الشركات التى سحبت كراسة شروط الطرح- فى تصريحات على لسان ماجد شريف، الرئيس التنفيذى، السبب الرئيسى لموقف الشركة إلى تراجع صلاحيات الشريك الإدارى وتقييد حق شركة الإدارة بمقعد واحد فقط فى مجلس الإدارة ممثلا «العضو المنتدب»، فيما أشار مسؤول آخر بإحدى الشركات الأربع، إلى أن حصة الشركة القابضة للتشييد ما زالت مرتفعة حتى بعد الطرح الأخير، حيث تنخفض من 72% إلى 50.5% فيما تصل فى شركة مثل مدينة نصر إلى 15% فقط.
من جانبها أكدت شركة «مصر الجديدة»، وجود خطط بديلة، للتطوير سيتم الإعلان عنها فى وقت قريب، وأدى تعثر الطرح إلى انهيار سهم الشركة فى التداولات اليومية بالبورصة، وبحسب عمر المناوى، محلل قطاع العقارات فى «سى آى كابيتال»، لـ «عقارات المصرى اليوم» فإن السهم كان أداؤه سلبيًا خلال الأسبوع الماضى بعد الإعلان عن تعثر الطرح، وبلغ حجم التراجع 12.4%، وربط «المناوى» تحسن الأداء بظهور مؤشرات عن قدرة الشركة على تحقيق الاستفادة الأفضل لمحفظة الأراضى الضخمة المملوكة لها.
وتوقع أن تتجه الشركة خلال الفترة المقبلة، إلى زيادة خططها التوسعية فى بيع الأراضى التابعة لها أو الدخول فى شراكات مع مطورين لتحقيق عوائد أكبر تساعدها فى تحسين التدفقات النقدية وخفض مديونياتها البنكية.
صفوان السلمى، الرئيس الأسبق للشركة القابضة للتشييد والبناء، قال إن أسلوب طرح كل من الشركتين مختلف تماما، ففى «مدينة نصر» تم الاعتماد على طرح الشركة للاكتتاب العام، ونجحت «بلتون» على مدار سنوات، فى شراء أسهم من البورصة حتى بلغت حصتها 40%، وتولت الإدارة، أما فى «مصر الجديدة»، فإن الطرح كان قائما لـ 10% فقط لمستثمر يتولى إدارة الشركة، مقابل حوافز محددة، بديلا عن الإدارة الحكومية، وهذا النموذج يطبق لأول مرة ولم يتم اختباره حتى نستطيع الحكم عليه.
وحول اعتراضات الشركات على قيود الإدارة، قال «السلمى» إنه من الطبيعى أن تكون حصة شركة الإدارة فى المجلس مقعدا واحدا نظير مشاركتها بحصة لا تتجاوز 10% من أسهم الشركة وفقا للقانون، أما أن يكون المقعد مخصصا للعضو المنتدب فهذا يسمح له بالتحكم فى أغلب قرارات العمل اليومية والمنظمة لشركة، ما عدا القرارات المصيرية فقط.
من جانبه، يرى هانى توفيق، الخبير الاقتصادى، أن مشكلة مصر الجديدة ليست فى قانون قطاع الأعمال العام فقط، ولكن أيضا فى المناخ الاستثمارى الذى تمر به السوق العقارية حاليًا.
وقال «توفيق»: «وقت طرح مدينة نصر كانت البورصة تعكس حالة من التفاؤل فى المجتمع ومناخ الاستثمار وحجم التداولات يصل إلى 400 مليون دولار فيما لا يتجاوز حجم التداولات فى الوقت الحالى 20 مليون دولار».
وأضاف أن أزمة «مصر الجديدة» فى أن طرحها جاء فى مناخ استثمارى غير تفاؤلى، وهى تطلب مطورا عقاريا بقدرات كبيرة فى سوق وضعها مترد، ولا توجد سيولة لشراء الوحدات، والمنافسات السعرية بين الشركات على أشدها، واعتبر أن طرح مصر الجديدة لمستثمر استراتيجى ربما كان الأنجح لو كانت الظروف مختلفة.