x

منى أبوسنة التنوير بين المثقف والحاكم منى أبوسنة الجمعة 28-02-2020 00:40


ما هي طبيعة العلاقة بين المثقف والحاكم، وما دور التنوير في تحديد تلك العلاقة؟، للجواب عن هذا السؤال يستلزم أولًا طرح السؤال الآتى: من المثقف ومن الحاكم؟.

أجاب عن هذا السؤال، منذ ما يقرب من مائتى عام الفيلسوف الألمانى المثالى «يوهان جوتليب فيشته» (1814 ـ 1762) في أطروحته بعنوان «عن طبيعة المثقف والحاكم» 1805، يرى فيشته أن المثقف هو الذي تكون لديه فكرة، وأن الفكرة يجب أن تكون لها علاقة بتغيير الواقع، وفى توضيحه لأهمية الفكرة يقول فيشته إن الفكرة بحكم قوتها الذاتية تخلق عالمها الخاص داخل الإنسان الذي بفضلها يستطيع أن ينظم العالم الخارجى وفقا لهذه الفكرة، والفكرة هي التي تدرك ذاتها بشكل محدد وتحدد مكانتها وسط عدة تصورات، وهى في حالة تغيير مستمر، ومن ثم تصبح الحقيقة مجهولة بل تصبح موضع صعوبة في اقتناصها، ومع ذلك فالفكرة تستلزم عنصرين.. الوضوح والحرية، الوضوح مطلوب لأن أي فكرة في بدايتها لا تكون لها أي شفافية في ذهن الإنسان لأن الإنسان لا يستطيع أن يقتفى أثرها في تغيراتها وتحولاتها، والحرية نابعة من الوضوح، أي أن الحرية ليس لها وجود من غير الوضوح، وإذا تم ذلك فإن الإنسان بواسطة الفكرة يستطيع أن يربط بينها وبين الأشياء المرتبطة بها، وبهذا المعنى فإن الفكرة ليست حلية يتباهى بها الفرد، أي أن الفكرة خالية من الفردية والذاتية لانها موجودة في النوع الإنسانى برمته وتحركه في حياة جديدة، بل تغير الحياة وفقا لطبيعتها.

هذه هي السمة الجوهرية للفكرة كما يحددها فيشته، ومن غير هذة السمة لا تكون للفكرة أي قيمة ومن أجل ذلك كله ارتبطت حركة التنوير في القرن الثامن عشر ارتباطًا عضويًا بضرورة توفير مناخ الحرية اللازم من أجل وضوح الفكرة، ولذلك سميت حركة التنوير في ألمانيا بالوضوح أو التوضيح

هذا عن المثقف، فماذا عن الحاكم؟.

الحاكم طبقا لفيشته، هو الذي يقود عصره وينظم، وبالتالى يرتفع فوقه، وهذا يستلزم ليس فقط أن تكون لديه معرفة تاريخية عن العصر، بل يجب عليه أن يفهمه وأن يعرف أن كل جزء من الصورة الراهنة ليس له من الضرورة أو الثبات إنما هو عرضى في مراحل التقدم التي تمارسها الفكرة وهى في اتجاهها نحو الكمال، وهذا الأمر يدفع الحاكم إلى الإبداع لأنه يعينه على الربط بين الأجزاء والكل الذي يحتويها، والعاجز عن ذلك لن يكون حاكما بل يصبح دمية في يد الآخرين.

والسؤال بعد ذلك هو: ما طبيعة الفكرة التي تربط بين المثقف والحاكم، والمطلوب تجسيدها الآن في الواقع المصرى من أجل الخروج من حالة التخلف إلى التقدم ومواكبة العصر، في الحد الأدنى، والانطلاق نحو المستقبل، في الحد الأقصى؟.

الجواب وارد في فكرة التنوير، بيد أن هذا الجواب يثير سؤالا آخر: ما أبعاد التنوير التي تحكم العلاقة بين المثقف والحاكم والتى من شأنها إخراج المجتمع المصرى من حالة التخلف الراهنة؟.. تكمن الفكرة المحورية التي يدور عليها التنوير كما عرفه كانط، في إيقاظ العقل من حالة الكسل التي يفرضها الإنسان على نفسه إيثارا للسلامة وخوفا من الجسارة في إعمال عقله، مما أفضى إلى خلق من يسميهم كانط بـ «الأوصياء» الذين يفرضون سطوتهم على كل مجال من مجالات الحياة، ومن ثم أطلق كانط شعار التنوير «كن جريئا في إعمال عقلك».

ثم حدد كانط مجالين أساسيين لإعمال العقل هما المجال الخاص والمجال العام، ويقصد بالمجال الخاص المستوى المهنى الذي يضم جماعة محددة من أصحاب المهنة الواحدة يتداولون فيما بينهم وبحرية وجسارة أفكارا من شأنها إحداث تقدم في مجال المهنة التي تنتمى إليها تلك الجماعة وهو مجال محدود.

أما المجال العام لإعمال العقل فهو الذي يتم فيه التواصل بين المثقف والجماهير في مناخ من الحرية التي تضمن الجسارة في إعمال العقل دون معوقات أو عقوبات.

وهنا يكمن الدور الجوهرى للحاكم المتنور في علاقته بالمثقف الملتزم بالتنوير، وأعنى بذلك خلق المناخ السياسى الملائم من أجل ضمان الحرية التي هي الشرط اللازم والضرورى لسيادة التنوير.

وإذا أردنا أن ننتقل من المستوى النظرى إلى المستوى العملى فيما يخص العلاقة بين المثقف والحاكم في هذا الزمان، أي زمان تفشى ظاهرة التكفير التي يمارسها التيار الأصولى الإخوانى مدعمًا من التيار السلفى، على أي تيار يسعى إلى تجديد الفكر وتطوير النسق الثقافى والدينى والاجتماعى بحيث يواكب التطور الحضارى، وحيث إن تربص القوى الدينية السلفية بالمفكرين المجددين يمثل عائقا صلبا أمام تطوير المجتمع، فإنه يصبح من الضرورى على الحاكم توفير المناخ الصحى الداعم لقوى التنوير، وتمثل المادة 98 من قانون العقوبات المصرى والشهيرة بمادة ازدراء الأديان والمنبثقة من المادة 53 من دستور ٢٠١٤ العقبة الكؤود أمام التنوير وهما على النحو الآتى:

دستور ٢٠١٤ المادة 53: «المواطنون لدى القانون سواء وهم متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة ولا تمييز بسبب الدين أو العقيدة أو الجنس أو الأصل أو العرق أو اللون أو اللغة أو الإعاقة أو المستوى الاجتماعى أو الانتماء السياسى أو الجغرافى أو لأى سبب آخر، والتمييز والحض على الكراهية جريمة يعاقب عليها القانون وتلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على كافة أشكال التمييز وينظم القانون إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض».

المادة 98 من قانون العقوبات: «يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تتجاوز خمس سنوات أو بغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تجاوز ألف جنيه كل من استغل الدين في الترويج بالقول أو بالكتابة أو بأية وسيلة أخرى لأفكار متطرفة، لقصد إثارة الفتنة أو تحقير أو ازدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها أو الإضرار بالوحدة الوطنية».

والمطلوب الآن تعديل هذه المادة الدستورية لتصبح أكثر وضوحًا ومباشرة بحيث تمنع أي التباس قد ينتج عنه ما نتج من المادة 98 من قانون العقوبات والذى يعرف بقانون ازدراء الأديان.

وحتى يتم تعديل الدستور أطالب بإلغاء ذلك القانون الذي يغتال التنوير والمتنورين.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية