في الثالث والعشرين من سبتمبر 1945 اجتمع مجلس الوزراء وأقر البيان الذي أصدرته الهيئة السياسية والذى أقر مطلب جلاء البريطانيين عن مصر، وفى 20 ديسمبر من نفس العام سلم سفير مصر في لندن (عبدالفتاح عمرو) إلى وزارة الخارجية البريطانية مذكرة من الحكومة المصرية طلبت فيها الدخول في مفاوضات لإعادة النظر في معاهدة 1936، وفى 26 يناير 1946 ردت الحكومة البريطانية على هذا الطلب بمذكرة أعلنت فيها استعدادها لإعادة النظر مع الحكومة المصرية في أحكام المعاهدة وأنها سترسل إلى سفيرها في مصر تعليمات لإجراء محادثات تمهيدية معها، ولأن الشعب المصرى يضيق بالتسويف، فقد اندلعت مظاهرات بين يومى 9 و10 فبراير 1946 بعدما تبين إصرار الإنجليز على إبقاء قواعد معاهدة 1936 كأساس للعلاقات بين البلدين، وكأن انتهاء الحرب العالمية والمبادئ الحديثة التي أقرها ميثاق الأمم المتحدة لم يغير من سياسة الإنجليز الاستعمارية، فخرجت مظاهرات الشباب من جامعة فؤاد الأول (القاهرة) قاصدة قصر عابدين ولما وجدوا كوبرى عباس مفتوحا هبطوا إلى قوارب في النيل، وأغلقوا الكوبرى ليمر من فوقه آلاف المتظاهرين الشباب الذين هتفوا بالجلاء فواجههم البوليس بضراوة وحسب هذا الأمر سقطة لوزارة النقراشى رغم عدم وجود ضحية واحدة بين المتظاهرين سوى أنها أسفرت عن 84 مصابا، وتجددت المظاهرات في اليوم التالى، وانتقلت إلى محافظات ومدن أخرى، وفى 15 فبراير 1946 استقالت وزارة النقراشى، وتألفت وزارة إسماعيل صدقى في 17 فبراير، ولما رأى صدقى أن أسلوب تصدى أحمد ماهر للمظاهرات قد أسقط وزارته فقد اعتمد أسلوب الملاينة فسمح بالمظاهرات مع الحفاظ على مقدرات الدولة وممتلكات الأجانب، وحددوا يوما اسمه (يوم الجلاء) شهد إضرابا عاما، واندلعت مظاهرة كبرى سميت مظاهرة الجلاء في مثل هذا اليوم 21 فبراير 1946 وما لبث أن انضم لها كل طوائف الشعب، وتعامل معها الانجليز بوحشية في ميدان الإسماعيلية (ميدان التحرير الآن) وقد واجه الإنجليز المتظاهرين بالسيارات المسلحة مما أدى إلى إزهاق أرواح الكثيرين فوقع 23 قتيلا و121 جريحا، وسارت عدوى المظاهرات في محافظات مصر وأعلنت الأمة الحداد وكانت روحا وطنية عارمة شملت البلاد إلى أن وقع صدقى معاهدة (صدقى– بيفن).