البعض يخاف من التغيير، عملًا بمبدأ المثل القائل «اللى نعرفه أحسن من اللى مانعرفوش»، وعلى الرغم من أن الأمثال الشعبية هي حكمة مختصرة للشعوب، فإن الكثير منها «يصيب»، والكثير أيضًا «يخيب».
وأظن أن المثل المذكور من الأمثال الخائبة، التي تحمل في طياتها آفات عدة للفكر المصرى المعاصر، أولاها الخوف من التغيير باعتباره شرًا محضًا، أو باعتباره مجهولًا، متناسين أن إحدى القوى الكامنة في المجتمع البشرى هي قوى التغيير، وهى مِثلها مِثل قوى الطبيعة التي ظل الإنسان يهابها ويخافها، حتى تمكن من التعامل معها والسيطرة عليها نسبيًا.
دعونا نتخيل الإنسان الأول وكيف كان يفزع كلما تسببت العواصف في إحداث حريق، هو عبارة عن نيران لم يتمكن الإنسان الأول من إشعالها، وظلت قوة خفية وغير مسيطر عليها، حتى تمكن من التحكم في إشعال النار، بذلك تخلص من خوفه منها واستطاع الاستفادة بها، وهكذا بقية القوى الأخرى التي يظل الإنسان متخوفًا منها حتى يتمكن من السيطرة عليها أو توظيفها وفقًا لاحتياجاته، ولو لم يتمكن من ذلك، فإنه لا يملك إلا أن ينسحق أمامها أو يتجنبها. هكذا ظل الحال مع قوة الرياح والمياه والعواصف، وأظنه يصلح للتطبيق على قوة التغيير.
التغيير ليس فيه شر، فقوة التغيير هي قوة قابلة للتوظيف الإيجابى مثلما هي قابلة للانسحاق أمامها، المعيار هنا أو العنصر الحاسم هو: هل نقود نحن التغيير أم نقف متسمرين أمامه فلا نجد مستقبلا لنا؟. أعتقد أن ضرورة إحداث التغيير مسألة ملحة، لا نتكلم عن تغيير أشخاص، بل تغيير أفكار ومناهج ومواقف.
أظن أن المخرج الوحيد لعبورنا إلى المستقبل هو أن نتغير. أفكارنا يجب أن تتغير، وتوجهاتنا كذلك. فالتغيير هنا يصبح مرادفًا للاستقرار لا هادمًا له.
ولنا في هذه المرحلة أن نقود نحن عجلة التغيير بأيدينا، تلك العجلة التي بدأت في الدوران ولم يعد بإمكان شخص ما القدرة على إيقافها أو دفعها إلى الوراء. فالتغيير المفروض مرفوض. المسألة لا تتعلق مطلقًا بقرار فوقى دائمًا، فالإصلاح الاقتصادى المنشود لن يؤتى ثماره إلا إذا تغيرت أفكار المجتمع. موسيقى المهرجانات لن تُمنع بقرار من نقابة الموسيقيين ولا بتصريحات من نقيبها، إلا إذا حدثت نوبة صحيان ثقافية وفكرية. نوبة تطرد كل ما هو ردىء لصالح كل ما هو جيد، فهذه هي بضاعتنا التي ترد إلينا دائمًا.