x

«البخيل» رهان مسرحي بالروح المصرية على نص «موليير»

الثلاثاء 18-02-2020 22:51 | كتب: ماهر حسن |
مشهد من المسرحية مشهد من المسرحية تصوير : آخرون

تظل مسرحية «البخيل» واحدة من أهم المسرحيات الكوميدية في تاريخ المسرح الفرنسى والعالمى أيضًا، وقد تم تقديمها على خشبة المسرح في عدة دول، كما تمت ترجمتها إلى العربية أكثر من مرة، بل تم تقديمها على المسارح العربية، وهى للمؤلف المسرحى الفرنسى موليير، كتبها عام 1668.

والمسرحية تقدم نموذجا إنسانيا فريدا في البخل، وهو البرجوازي الثري «هيرباجون» الذي أمضى حياته يكدس المال ويبخل به على عائلته وأبنائه، والذي انعكس أيضًا على اختياراته لزوج ابنته، فقد أراد لها أن تتزوج من ثرى عجوز، متجاهلا مشاعرها تجاه شاب في مثل عمرها.

رسم «موليير» شخصيات العمل بدقة شديدة وبكل تفصيلاتها وملامحها الخارجية والداخلية، حتى إننا نعايشها عند قراءة النص أو مشاهدته، ولعل ما عزز هذا هو وجود المفارقات الكوميدية في سياق الأحداث، ومنها اكتشاف «كليانت» أن البخيل «هيرباجون»- يجسد دوره الفنان أشرف طلبة- هو الشخص المرابى الاستغلالى الذي سيقترض منه هو وأبوه، واكتشاف «هيرباجون» أن ابنه هو من يسعى للاقتراض منه عن طريق وسيط، لم يكن يعرف صلة القرابة بينهما، فضلا عن المواقف الكوميدية المبنية على سوء الفهم المثير للضحك، ومنها الموقف الذي يتهم فيه «هيرباجون» رئيس الخدم «فالير»- الممثل محيى الدين يحيى- بأنه سرق صندوق نقوده، في حين يظن «فالير» أن كلام «هيرباجون» يعنى به حبه لابنته دون علمه.

وهناك أيضا شخصية المعلم جاك- هادى محيى- الذي يقوم بوظيفتين في بيت «هيرباجون»، السائق والطباخ، بأداء مثير للضحك، خاصة أنه لا تعجبه مداهنة «فالير»، إلى جانب شخصية «فروزين» المرأة واسعة الحيلة التي تتوسط بين الناس ولا سيما في أمور الزواج، وهى ماهرة في الحديث وتحسن السفسطة، ولديها قدرة على امتداح القبيح وتقبيح الحسن، ومع هذا التملق لـ«هيرباجون» لا تنال منه شيئا، وأخيرًا تأتى شخصية «هيرباجون» كأشهر وأبرع نمط كوميدى رسمه «موليير»، يتحدث الناس بنوادره في البخل في مجالس سمرهم. المسرحية عرضت على مسرح أوبرا ملك مؤخرا بمجموعة من الشباب المتميزين بنفس الاسم «البخيل»، لكن الجديد والجميل أنه تم تقديم النص بالعامية المصرية، الأمر الذي حقق المعايشة مع عموم المشاهدين، وليس الصفوة فقط، وجسد دور البخيل باقتدار وبروح فكاهية غنية الفنان أشرف طلبة، على نحوٍ جعلنا نتعايش معه باعتباره نمطًا للبخيل المصرى، وليس الفرنسى، ظل ديكور المسرح ثابتًا يمثل العصر الذي كتب فيه النص الأصلى، ويمثل ردهة قصر «هيرباجون» البخيل، وهو من تصميم رانيا الدخاخنى، ورغم ثبات الديكور إلا أن هذا لم يؤثر على حيوية العرض وتدفق الأحداث الساخنة والضاحكة، وأيضا الأزياء الفرنسية تمثل العصر الذي كتب فيه النص، من تصميم نردين عماد، ونفذ الديكور والملابس نهال محمد على، والعرض إعداد وإخراج خالد حسونة وإنجى إسكندر، ومخرج منفذ فاروق مسعد مساعد مخرج، وقدمه مسرح الشباب التابع للبيت الفنى للمسرح، والذى يترأسه المخرج عادل حسان.

ما أضفى الحيوية والانتعاش على العرض أنه تخللته مشاهد استعراضية غنائية تعمق وتؤكد المضمون العام أو مضمون كل موقف فارق على حدة، ما مثّل جسرا جاذبا لتوصيل الفكرة لعموم المشاهدين.. الاستعراضات صممها شيرلى أحمد، والأشعار لحامد السحرتى، والموسيقى والألحان للدكتور محمد حسنى، كما لعبت الإضاءة دورا مهما في توافقها مع طبيعة الموقف والحدث المسرحى.

بدأ العرض بمجموعة من الخادمين في قصر البخيل وهم ينظفون ردهة القصر، نشاهد ونسمع مشهدا استعراضيا غنائيا عن الفلوس، وما تحققه من متعة، حتى إنه يمكن زيارة بلدان العالم، وكانت كل فقرة من الاستعراض الراقص تعكس طبيعة البلد الذي يحلم الشباب بزيارته، فكانت رقصات التانجو والباليه والرقص الهندى.. وفى مشهد آخر، نجد البخيل يقول «أحسن حاجة الاستثمار، والفلوس بتجيب فلوس، ولا أحب الخزائن، فهى دائما معرضة للسرقة»، حيث يكتنز 10 آلاف ليرة ذهبا في صندوق دفنه في الحديقة، ويسمعه أبناؤه وهو يتحدث إلى نفسه بهذا الأمر، ويتعاون الجميع في سرقة صندوق الليرات الذهبية الذي يدفنه البخيل في الحديقة، ويأتى المفوض للتحقيق في الجريمة، ويتهم كل الناس بمن فيهم الجمهور ليتم إرغام الأب البخيل على الاستجابة لأحلام ابنيه والزواج ممن يريدان مقابل إعادة الصندوق، ثم تتكشف الحقائق تباعا، ويكشف رئيس الخدم الشاب عن هويته، وإذا بالرجل الثرى الذي أراد البخيل أن يزوجه لابنته من قبيل تحقيق المصلحة هو البارون أبوالشاب رئيس الخدم «فالير»، ثم يكون الختام الغنائى الذي يلخص فلسفة العرض: «الفلوس مش كل حاجة»، في مقابل غنائية تمثل قناعات وطبيعة وسلوك البخيل وهى أن «الفلوس هي كل حاجة.. ومامعاكش ماتساويش».

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية