فى ميادين مصر، الاربعاء ، كان هناك رابحون وخاسرون وفق حسابات السياسة، فالثورة تجددت وفق اعتبارات المنطق والواقع، لأنها كانت تعبيراً عن جميع المصريين دون انتماءات أو عصبيات أو تيارات، ومن ثم سقطت، الخميس ، جميع الفوارق، كما حدث يوم 25 يناير، وما تلاها من وقائع حتى تنحى المخلوع، واليوم بعد أن تغيرت المعادلة السياسية، بدت الصورة «عسكر» و«برلمان» يمثله أغلبية من التيار الدينى فى مواجهة ميدان تمثله القوى الثورية، وإزاء هذه الوضعية كانت نتائج الأمس، رابحون هم الثوار، والشارع فى مواجهة النخبة البرلمانية، وقبلها بالطبع المجلس العسكرى، ليعود الميدان إلى خانته المثلى فى دفاتر الوطن.. خانة الضمير، الضمير الذى سيظل رقيباً على الجميع، سلطة وبرلماناً ونخباً، ومادامت الصورة كذلك فإن الهتافات كانت موجهة للعسكر والأغلبية البرلمانية.
شباب الثورة: كسبنا المعركة.. والإسلاميون خسروا
قال شباب الحركات الاحتجاجية، وائتلافات شباب الثورة، وحركة كفاية، إنهم الرابحون مما حدث فى الذكرى الأولى للثورة، لأن الإخوان والسلفيين والمجلس العسكرى خسروا أمام الرأى العام، وسيظل اهتمام الثوار بالميدان، والإسلاميين بالبرلمان. وهدد الشباب بمقاضاة عاصم عبدالماجد، المتحدث الرسمى للجماعة الإسلامية، بسبب اتهاماته لحركة شباب «6 أبريل» بسعيهم للحصول على السلاح لتدمير مؤسسات الدولة.
واتهم الشباب، فى تصريحات لـ«المصرى اليوم»، المجلس العسكرى، وقوى الإسلام السياسى، وفى مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين، بالمسؤولية عن بث الرعب فى نفوس المصريين خلال الفترة الماضية، وإيهامهم بأن فعاليات الذكرى الأولى لثورة «25 يناير» ستتحول إلى مناسبة لأعمال عنف وتخريب لمؤسسات الدولة.
وقال طارق الخولى، المتحدث الإعلامى لحركة شباب «6 أبريل»، الجبهة الديمقراطية، إن المحاولات المستميتة من قبل المجلس العسكرى، بمساعدة بعض قوى الإسلام السياسى، خلال الفترة الماضية، لإيهام المصريين بأن «25 يناير» سيكون يوماً إما للاحتفال أو للتخريب، أوضحت أن الرابح الأول مما حدث هو الثوار بشكل خاص، والمصريون بشكل عام. وأشار إلى أن رد الشعب المصرى أثبت أن كل هذه الادعاءات كاذبة، ولن تثنيه عن هدفه الحقيقى من ثورته، وحمل المجلس العسكرى و«الإخوان» المسؤولية عن بث الرعب بين المصريين بادعاءات كاذبة، وقال: «نحن الرابحين، لأننا أعلنا انتهاء فعاليات يوم 25 يناير بميدان التحرير وميادين مصر، ونعمل على الحشد لمليونية اليوم التى تحمل اسم (جمعة العزة والكرامة)، لسرعة تسليم السلطة فى أقرب وقت، ضماناً لعدم كتابة الدستور فى وجود الحكم العسكرى، وتجنباً لأى قرارات من شأنها خلق حالة من التخبط السياسى فى البلاد».
ودعا إلى تشكيل لجان قضائية مستقلة من قضاة مصر الأبرار لمحاسبة كل من أخطأ فى حق الشعب، ولفت إلى أن الحركة ستستخدم حقها الطبيعى فى مقاضاة كل من ادعى عليها كذباً، بما يسىء إليها، دون دليل، كما فعل «عبدالماجد»، عندما أكد شراء حركة «6 أبريل» أسلحة لضرب مؤسسات الدولة، من باب «الهرطقة» الإعلامية، وتناسى من الذى كان يضرب ويقتل ويفجر باسم الدين، والدين منه براء.
وأكد «الخولى» أن الحركة تؤكد شرعية البرلمان الذى يمثل الشعب، لكنها لا تغفل أن صوت الشعب أقوى وأسبق من أى برلمان، لذا فإنه يجب أن يستمع البرلمان للشارع، ويتفاعل مع مطالبه المشروعة. وأوضح بلال دياب، عضو المكتب التنفيذى لائتلاف شباب الثورة، أن شباب الثورة هم من ساهموا بصورة واضحة فى تنظيم فعاليات الذكرى الأولى للثورة، ليؤكدوا أنها بدأت وستستمر سلمية حتى لو ماتوا دون ذلك، وقال: «لا توجد نية للقيام بأعمال عنف، كما ادعت بعض التيارات الإسلامية، وتحديدا جماعة الإخوان، التى منحت نفسها حق تأمين الميدان، رغم أن أعداد شباب الثورة تجاوز أعدادهم عشرات الأضعاف، وهؤلاء الشباب هم الذين أمنوا الميدان فعلياً، وأى فصيل، سواء كان الإخوان أو السلفيين أو غيرهما، لا يمتلك الحق فى تنصيب نفسه وصيًا على الآخرين». وقال محمد عبدالعزيز، المنسق العام المساعد لحركة «كفاية»، إن السلفيين وقبلهم الإخوان اهتموا بالبرلمان والانتخابات، وأدخلوا الدين فى السياسة لحصد أكبر عدد من مقاعد البرلمان على حساب القضية، فى حين اهتم الثوار بالميادين.
وأضاف: «جماعة الإخوان تتحدث كثيرا عن الضريبة التى دفعتها نتيجة خطها السياسى فى ظل حكم النظام السابق، لكنها تناست أنها كانت تعمل بمنطق (الغاية تبرر الوسيلة) لكى تصل إلى التواجد الرسمى من خلال البرلمان، ومن ثم الانتشار فى المجتمع، فيظهر الفارق واضحاً بينهم وبين رجال النظام السابق، ويراهن المصريون عليهم فى مرحلة مثل التى تمر بها البلاد الآن».
قيادات الأحزاب: الشعب أعطى إنذارا لـ«العسكرى» و«الإخوان»
تباينت آراء القيادات الحزبية حول الرابحين والخاسرين بعد مظاهرات 25 يناير، لكنهم اتفقوا على أن الرابح الرئيسى هو الشعب المصرى نفسه، الذى أثبت وعيه وتمسكه بثورته، حتى بعد مرور عام عليها، فيما هزم الإخوان الذين اختاروا مقاعد البرلمان.
قال نبيل زكى، المتحدث باسم حزب التجمع، إن الرابح من يوم 25 يناير، هو الشعب المصرى لأنه أثبت أنه أكبر من أى تيار سياسى، وحيثما توجد الجماهير يسود الأمن، بدليل عدم حدوث أى أعمال تخريب.
أضاف أن الشعب أكد إصراره على أن يكون شريكا فى صناعة القرار السياسى، ورقيبا على العملية السياسية، ولن يسمح بالعودة للخلف، أو فرض الوصاية من أى قوى سياسية، وأوضح أن الخاسرين هم الذين تصوروا أن الثورة انتهت، وشبابها أصبحوا عاطلين عن العمل، وأنهم يستطيعون اتخاذ أى قرار بعيدا عن الرقابة الشعبية، لأن الشرعية الثورية انتهت.
وتابع: «شرعية البرلمان لن تنهى شرعية الثورة، والمجلس العسكرى خسر بارتكابه أخطاء فى الشهور الماضية، وظن أنها ستمر، لكن الشعب يقظ، والإخوان خسروا إمكانية فرض دولة دينية تعيد فرض الوصاية على الشعب، وتلغى تاريخه وتقاليده».
وأكد الدكتور محمود السقا، عضو الهيئة العليا لحزب الوفد، أن الجميع ربح، لأن كل عمل تذكر فيه الثورة مكسب كبير، وقال: «أصبح ميدان التحرير بالنسبة لى كالكعبة التى يجب على جميع المناضلين والثوار الحج إليها، ولا ينبغى ارتكاب الأخطاء فى ساحته».
وأشار محمد حرش، عضو الهيئة العليا للحزب، إلى أن الرابح فى المقام الأول هو الثورة المصرية، فوجود هذا الحشد الكبير يعد مكسباً يدل على استمرارية الثورة واستكمالها، والخاسرون هم كل من يتصور أن الثورة ستتنازل عن مبادئها، والخاسر الأكبر هو التيار الإسلامى الذى تصور أنه عندما حقق فوزا فى الانتخابات البرلمانية، أصبح المتحدث الرسمى باسم الشعب المصرى.
وأوضح الدكتور محمد أبوالعلا، رئيس الحزب الناصرى، أن المكسب هو تأكيد الثوار على تمسكهم بثورتهم مهما كانت الدعاوى بأن الشعب عاد إلى استكانته، لكن المارد خرج من القمقم ولن يعود مرة أخرى ـ حسب قوله.
وأضاف أن الإخوان خسروا فزعاتهم، وهى القدرة على الحشد، لأن الثورة قادرة على حشد أبنائها، وقال: «المجلس العسكرى لم يخسر، لكن يجب عليه أن يتفهم رسالة الشعب، التى تعد آخر إنذار له لكى ينحاز لمطالب الثورة»
وقال الدكتور صلاح حسب الله، رئيس حزب المواطن المصرى، إن الرابح هو الشعب المصرى الذى يؤكد كل يوم أنه لا يعرف الخوف، وأبرز الخاسرين هم الإخوان المسلمون، حيث أثبتت الحشود أن الثورة المصرية ليست أحزابا إسلامية فقط، وهذا ما أكد عليه الشعب، بعيداً عن الانتماءات السياسية.
نواب: «العسكرى» خسر بسبب فشله فى المرحلة الانتقالية
أكد نواب مجلس الشعب أن البرلمان هو أحد أهم الرابحين خلال إحياء ذكرى 25 يناير، واتفق معظمهم على أن الخاسر الأكبر هو المجلس العسكرى بسبب فشله فى إدارة المرحلة الانتقالية، ورفض بعضهم اعتبار الهتافات المضادة للإخوان خسارة للجماعة وقالوا: نعتقد أن حزب «الحرية والعدالة» حريص على عدم تحوله إلى حزب حاكم على طريقة «الوطنى المنحل».
قال أمين إسكندر، النائب البرلمانى عن حزب «الكرامة»، إن الخاسر الأول فى يوم إحياء الثورة هو المجلس العسكرى بسبب فشله فى إدارة المرحلة الانتقالية، وبعد أحداث «ماسبيرو وشارعى محمد محمود ومجلس الوزراء».
وأشار «إسكندر» إلى أنه رغم بعض الهتافات التى شهدتها ذكرى الثورة ضد الإخوان فإنهم لم يخسروا أو يربحوا شيئاً بسبب اعتماد الجماعة على قوتها التنظيمية فى الشارع، وأضاف أن الإخوان وصلتهم رسالة بأنهم متسرعون ويستفيدون من الفرص.
وأضاف «إسكندر» لـ«المصرى اليوم» أن البرلمان هو أهم الرابحين فى هذا اليوم، واتضح احترام الناس له، لمشاركة نوابه فى المسيرات التى تمت، مضيفاً أنه لابد من محافظة البرلمان على هذا المكسب، وأن يعلم نوابه أنهم سيخسرون لو تصوروا أن هناك انفصاماً بين البرلمان و«التحرير».
وقال النائب المستقل مصطفى بكرى إن ذكرى قيام ثورة 25 يناير الاربعاء أظهرت تآكل رصيد المجلس العسكرى بعض الشىء، ولم يصل إلى فقدان الثقة، بسبب مجموعة الأخطاء التى ارتكبها أثناء إدارته للفترة الانتقالية، وأضاف: رغم ذلك أنا على يقين أن تلك الأخطاء لم تكن بسوء نية، ولكن لعدم الخبرة والارتباك، وأن المجلس العسكرى لا يمكنه أن يحيد عن تحقيق مطالب الثورة.
ورفض «بكرى» اعتبار الهتافات ضد الإخوان خسارة لهم، وقال: حزب «الحرية والعدالة» نجح بانتخابات نزيهة، وربما يكون لبعض الثوار عتاب عليه إلا أننى أعتقد أن الحزب حريص على شعبيته فى الشارع، وليس معنى وجود هتافات ضده أنه تحول إلى حزب حاكم على طريقة «الوطنى المنحل.
وأشار «بكرى» إلى أن البرلمان أهم الفائزين فى ذكرى يوم الثورة، وأنه كان محل تقدير الثوار بعد البدء بقضية الشهداء، ومع ذلك سيفقد هذا البرلمان كثيراً إذا ما ابتعد عن أهداف الثورة، وتحول للتعبير عن فئة معينة، لذلك أقترح تشكيل لجنة من البرلمان للتواصل مع الميدان، ونقل رغبات الجماهير.
وقال النائب محمد العمدة: إن مصر كلها ربحت خلال هذا اليوم، ولا يوجد خاسر، بعدما أثبت الشعب أنه حضارى وواع ومقدر للمسؤولية، وإذا كان هناك هتاف ضد «المجلس العسكرى» فإن ذلك لا يعنى خسارته، فى ظل تأييد عدد كبير من الشعب له، والتزام هذا المجلس بما جاء فى الإعلان الدستورى وجدول انتقال السلطة.
أشار إلى أن الهتافات ضد المجلس العسكرى وأى حزب تعبر عن رأى من يطلقها، ولا تعبر عن ربح أو خسارة للطرف الذى يتم الهتاف ضده، وتابع: رغم ذلك أعترف بتراجع أسهم المجلس العسكرى وحزب الحرية والعدالة الذى يحاول الاستبداد بالبرلمان والميدان.
«البورصة» و«السياحة» يدفعان ثمن تصريحات «مخططات الفوضى»
قال عدد من الاقتصاديين إن قطاعى البورصة والسياحة دفعا ثمن تصريحات المجلس الأعلى للقوات المسلحة حول وجود مخطط ومؤامرة للوقيعة بين الشعب والشرطة.
قال الدكتور حازم الببلاوى، وزير المالية السابق، «أى تصريح أو واقع أو أفعال على أرض الواقع أو سياسات معلنة تؤثر على الاقتصاد، لأن المستثمر والسائح لا يأتيان بلدا به مخاوف ويتحملان مخاطر أعلى من الطبيعية.
وقال عيسى فتحى، العضو المنتدب لإحدى شركات الأوراق المالية «البورصة خسرت 15 مليار جنيه من قيمتها السوقية، فى أعقاب الحديث عن هذه مخططات التخريب، ما دفع المستثمرين للشعور بالقلق، وبدأت هذه المخاوف فى التقلص نهاية الأسبوع الماضى مع انعقاد أولى جلسات البرلمان، وانتهت المخاوف تماما مع مرور ذكرى الثورة بسلام، بل احتفلت البورصة بالذكرى وكسبت أكثر من 16.4 مليار جنيه فى جلسة واحدة، وسط شعور بالارتياح والتفاؤل احتفالا بالذكرى».
وشدد «فتحى» على أن «القطاع الذى يأتى فى المرتبة الثانية الذى تأثر بالادعاءات يتمثل فى قطاع السياحة، لأن السائح يهتم بالاستقرار السياسى».
وقال أحمد عطية، رئيس غرفة السياحة السابق، عضو مجلس إدارة اتحاد الغرف السياحية: إن «تصريحات المجلس العسكرى لم تؤثر على قطاع السياحة بالقدر الكبير، لأن القطاع متأثر منذ البداية بالأحداث، لكن هناك مخاوف حالية على الاقتصاد بشكل عام، ناتجة عن الاضطرابات وعدم الشعور بالمسؤولية تجاه المليونيات والمظاهرات فى الميادين الرئيسية، التى تؤثر بشكل رئيسى على الحياة اليومية للمواطن والسائح أيضا».
وأضاف أن «السائح يرغب فى حدوث استقرار سياسى، ودائما هناك مخططات لضرب السياحة من الخارج، حيث يستغل البعض أى اضطرابات أو أحداث سلبية فى (خطف) السائحين إلى بلادهم».
خبراء: سقوط نظرية «تشويه الثوار»
هل ذهبت محاولات تشويه الثوار دون رجعة؟ سؤال طرحته «المصرى اليوم» على خبيرين فى العلوم السياسية والإعلام، فأكدوا أن ما حدث، الاربعاء ، فى المسيرات السلمية التى خرجت لإحياء ذكرى الثورة، أسقط محاولات تشويه الثوار، التى جرت على مدار العام الماضى، وقت أن كانت قوات الأمن تحتكر العنف وتلصقه بالشباب.
وقال الدكتور محمود خليل، الأستاذ بكلية الإعلام جامعة القاهرة، إن نظرية تشويه الثوار بدأت بالفعل يوم 19 مارس 2011، وقت الاستفتاء على التعديلات الدستورية، وبدا الأمر وقتها بمثابة انقلاب كامل على الثورة من المجلس العسكرى، ظهرت ثمرته فى توظيف وسائل الاعلام الرسمى، لتشويه صورة الثورة، الأمر الذى انتهى بمجرد تجمع الحشود فى الذكرى الأولى لها.
وأضاف: «لا أحد يستطيع أن يجمع هذا الجمهور إذا صدق وجود بلطجية بين الثوار، لكن الإعلام الرسمى مارس نوعا من أنواع الهذيان، ولم يقدم خطاباً إعلامياً قادراً على إقناع الراى العام بوجهة نظر السلطة، فتحدث عن الثوار على مراحل، من الثائر الحق الذى جاء ليهزم الفساد، إلى الثائر الذى لابد أن يتوجه إلى الإنتاج، ثم تحول إلى اتهام الثوار بأنهم يحتضنون البلطجية ويسمحون بوجودهم أثناء التظاهرات والاحتجاجات، وبعدها اتهم الثوار أنفسهم بالبلطجة، الأمر الذى ظهر جليا فى أحداث محمد محمود وقصر العينى».
وتابع: «ألغى مشهد، الاربعاء ، فكرة اقتناع الشعب بنظرية (بلطجة الثوار)، بل وبدا بريق الثورة أكثر وضوحا فى عقل ووجدان المصريين، والدليل تدفقهم بالآلاف إلى الميادين، واحتشادهم بصورة أكبر مما جرى فى الشوارع والميادين يومى 25 و28 يناير 2011».
وقال «خليل»: «القائمون على الإعلام لا يفهمون أن المواطن العادى ينظر إلى الخطاب الذى تقدمه وسائل الإعلام الرسمى على أنه الخطاب الذى تريد السلطة السياسية أن تقدمه، وبالتالى يتخذ حيالها نوعا من العناد والرفض، بعد أن تعود أن يفهم خطاب السلطة بصورة عكسية.
وأكد أن المشكلة تكمن فى أن القائمين على الإعلام ينظرون إلى المواطن على أنه طفل، ويفرضون عليه الوصاية، متصورين أن أدمغة الناس فارغة، يمكن ملؤها بأى كلام، لكن واقع الحال أن كل نظريات العلم تؤكد أن الجمهور يتعامل مع الإعلام بشكل متناقض مع مضمون الرسالة، كما أن الإعلام الرسمى يقوم على كوادر إعلامية لا تفكر فى رأى الجمهور.
وقال: «الطابع السلطوى يؤدى إلى تهميش الجمهور، وعدم الاهتمام باحتياجاته، أو تتبع أفكاره واتجاهاته نحو الرسالة عند إعدادها، فهو يتعامل مع الجمهور كالأرنب الذى سيأكل الخس والجزر الإعلامى شاء أم أبى، ولا يدرك أن فكرة التشويه جعلته يبحث عن أشهى الوجبات الإعلامية على القنوات الأخرى، بعيدا عن الإعلام الرسمى».
وأكد الدكتور مصطفى كامل السيد، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن ما جرى، الاربعاء ، كان بمثابة استعادة لروح الثورة النقية، كما ظهرت فى 25 يناير حتى 11 فبراير 2011، عندما تلاحم المصريون على اختلاف معتقداتهم الدينية وطبقاتهم وأعمارهم، للتعبير عن رغبتهم فى إسقاط النظام السابق، وكان ميدان التحرير نموذجاً للمجتمع الفاضل الذى خلا من أى مظاهر للعنف والمضايقات.وأضاف: «الفارق بين ما جرى بالأمس، وما حدث العام الماضى، أن دبابات الجيش كانت تحيط بالميدان من كل ناحية، لكنها لم تنجح فى وقف الاعتداءات ضد الثوار، وفى المظاهرات الأخيرة اختفى رجال الأمن والقوات المسلحة، ومع ذلك لم ينشب حادث عنف واحد لا فى التحرير، ولا فى الميادين الأخرى، ولم يظهر الطرف الثالث الذى كان المجلس يحذر منه».
وتابع: «رغم أن المتظاهرين قرروا الاعتصام فإنهم سمحوا بتدفق الجماهير داخل ميدان التحرير، وأثبتوا أنهم يتحلون بروح النظام والأخوة والالتزام بالقانون، ومن ثم أكدوا على الصورة النقية، وأن ما تردد عنهم من ميلهم للصدام والبلطجة إن هو إلا أكاذيب».
ولفت «كامل» إلى أن استخدام العنف فى مناسبات سابقة سواء فى شارع محمد محمود أو أمام ماسبيرو أو فى شارع مجلس الشعب، كانت المبادرة فيه من جانب الأمن، سواء الشرطة العسكرية أو قوات الأمن، وبالتالى تسببوا هم فى عنف ليس له أساس، خاصة أن الذين يعرفون حقائق الأمور يدركون تماماً أن الثوار بعيدون عن العنف.