فجر محمد الجندى، دفاع اللواء حبيب العادلى، وزير الداخلية الأسبق، مفاجأة خلال مرافعته الخميس، فى قضية «قتل المتظاهرين»، المتهم فيها الرئيس السابق حسنى مبارك ونجلاه «جمال وعلاء» ووزير داخليته و6 من كبار مساعديه.
قال المحامى إن سبب قطع الاتصالات والإنترنت أثناء ثورة 25 يناير هو أن الأجهزة الأمنية والمخابرات اكتشفتا أن إسرائيل اخترقت إحدى شبكات شركات المحمول وكانت تتجسس على ما يحدث فى مصر. واتهم المحامى فى مرافعته النيابة العامة بالتقصير فى التحقيقات وعدم الحياد، وطلب من المحكمة إجراء تحقيق فى تلك الواقعة، كما استعان المحامى بما سماه «الطرف الثالث» لتبرئة موكله من تهمة قتل المتظاهرين.
وشهدت الجلسة مشادات كلامية واعتراضاً من قبل المدعين بالحق المدنى على ما أبداه الدفاع، حينما قال إن «العادلى» برىء من قتل المتظاهرين وإنه يطلب من الله إظهار براءته.
بدأت أحداث الجلسة، التى تحمل رقم 27، فى العاشرة صباحا، وعقب إعلان الحاجب بدء الجلسة تم إدخال جميع المتهمين القفص، عدا الرئيس السابق فى انتظار صعود هيئة المحكمة، حتى لا يسمع «مبارك» هتافات المدعين بالحق المدنى ضده، فى ظل عدم وجود المحكمة.
وحرص الأمن على إدخال «مبارك» القفص لحظة صعود القضاة إلى المنصة، وخلال الجلسة ظهر على «علاء وجمال» ثقة عالية حيث تجولا داخل القفص ذهابا وعودة، وحرص «جمال» على ارتداء كوفية بيضاء لفها حول رقبته، وشاهده الجميع يفعل ذلك لدرجة أن أحد محامى المدعين بالحق المدنى قال بصوت مرتفع: «لفها على رقبة أبوك قبل ما حبل المشنقة يتلف عليه».
وأثبتت المحكمة حضور المتهمين، وقال دفاع «العادلى» إن لديه بعض الدفوع سيستند إليها لتبرئة موكله من تهمتى الاشتراك فى قتل المتظاهرين والإضرار العمدى بالمال العام والخاص.
وأضاف أن دفوعه هى «بطلان إجراءات تحريز الأدلة والعبث بها والقصور فى تحقيقات النيابة وبطلانها وعدم حياد النيابة، وأصر على إثبات طلباته والكشف عن حقائق تلك القضية»، على حد قوله، ومن بينها الكشف عن السبب الحقيقى لقطع الاتصالات والإنترنت والطرف الثالث أو ما سماه «اللهو الخفى»، ودفع بعدم جواز نظر الدعوى الجنائية قبل المتهمين وانتفاء جريمة الاشتراك أو وجود سبق إصرار فى جريمة القتل أو الشروع فيه. واستشهد المحامى بما رواه أحد صحابة الرسول، عليه الصلاة والسلام، من أن الرسول كان قد دخل فى خصومة مع يهودى واحتكما لزيد بن حارثة الذى قال لليهودى: «رغم أنك أبغض الناس لى ورغم أن الرسول أحب الناس لى، سيكون الحكم بينكما بالعدل». وقال المحامى إنه يجب أن تطبق المحكمة العدل بين من يحتكم إليها أيا كانت طبيعة الأمر، وأضاف: «مهمة الدفاع هى الوصول للقصاص العادل من القاتل الحقيقى سواء كان من رجال الشرطة أو المتظاهرين أو أى أطراف أخرى لم تتوصل التحقيقات إليها». وتابع: «هذا الرجل الماثل أمام المحكمة وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلى، تجاوز عمره 73 عاما وحكم عليه فى قضيتين أخريين بالسجن لمدة 17 عاما، ما يعنى أنه لن يخرج قبل أن يبلغ عمره 90 عاما، إن أمد الله فى عمره، وبالرغم من ذلك هو صامد وواثق من نفسه، وسألته عن سر هذا الصمود فرد قائلا: (أنا لا أثق ولا أعمل إلا لله ولا يهمنى الناس، والله يعلم أننى لم أصدر قرارا بقتل المتظاهرين). وقال: «فوجئت منذ عدة أيام بأحد الجيران يطلب منى أن أبلغ سلامه إلى (العادلى) داخل السجن، فسألت هذا الجار عن سبب ذلك، فأكد لى أنه كان قد قابله فى إحدى الدول الأوروبية وطلب منه ضبط إذاعة القرآن الكريم على شبكة الإنترنت ليتابعها، وبعد أيام بالفعل وجدها». وانتقل المحامى بعد ذلك للحديث عن أحراز القضية، قائلا: «تلك الأحراز أصابها البطلان والتحريف، وخلت من الرصاص الحى ولا يوجد فارغ واحد برصاص حى أو فارغ آخر تم إخراجه من أجساد القتلى».
وأضاف: «كنا نتوقع من جراء العدد الكبير من القتلى والمصابين أن نشاهد أسلحة (آر. بى. جى) وأسلحة آلية ومفرقعات، لكن للأسف لم نجد شيئاً من هذا، فالأحراز تم تحريزها بإجراءات باطلة، لأنه لم تتم إعادة تحريزها من قبل هيئة المحكمة، التى كانت نظرت القضية من قبل».
وتابع الدفاع: «كل تلك الأحراز لا تخص الشرطة، لأن النيابة لم تثبت ذلك وقد يكون من قدموا تلك الأحراز أتوا بها من جهات أخرى أو تم تضليلهم بإلصاق التهمة لرجال الشرطة، والنيابة لم تتحقق من ذلك وكان عليها أن تثبت فى القضية أرقام الفوارغ وجهة المنشأ، فنتأكد من أنها خاصة بوزارة الداخلية». واستطرد: «الملاحظ من تلك الأحراز أنها مختلفة الأنواع وبلد المنشأ، ما يشير إلى أن مصدرها ليس جهة واحدة وكلنا قرأنا اليوم ما نشرته الصحف عن متهمين تم إلقاء القبض عليهم الخميس وبحوزتهم أسلحة وملابس عسكرية، فلماذا لا تكون تلك الأسلحة مثل التى تم وضعها فى أحراز القضية؟». وقال: «هناك أدلة تؤكد أن هناك طرفاً ثالثاً أو كما يسمونه (اللهو الخفى) وراء تلك الأحداث، حيث إنه من تفريغ الأحراز تبين أن أفراد أمن الجامعة الأمريكية قدموا 71 فارغاً من الخرطوش إلى النيابة العامة بعد 36 يوما من الأحداث، والسؤال هو: لماذا تأخروا فى تسليم تلك الأحراز؟ وكلامهم بأنهم احتفظوا بها لحين استقرار الأوضاع أمر غير منطقى». وأضاف الدفاع: «الحقيقة أن العاملين فى الجامعة هم الذين أطلقوا النار من أعلى المبنى اعتقادا منهم أنهم يدافعون عن منشآتهم ومن غير المعقول أن يكون رجال الشرطة صعدوا إلى المبنى المكون من طابقين فقط وأطلقوا النار من فوقه، رغم أن هناك مبانى شاهقة محيطة بهم، كما أنهم لم يظهروا على شبكة الإنترنت، ولم يقدم أحد من النيابة العامة أى صورة لهم».
وأوضح: «ما يؤكد ذلك أن أمن الجامعة الأمريكية لم يقدم أى فيديوهات أو صور لأفراد الشرطة داخل أو أعلى مبناه، رغم أن الجامعة مليئة بكاميرات المراقبة كما أن السلاح الآلى المحرز فى القضية تم تقديمه من أحد الأشخاص للنيابة العامة، التى كان يتعين عليها أن تستدل على مصدر هذا السلاح حتى تتحقق من أنه تابع لجهاز الشرطة من عدمه، وهذا ما يقطع بأنه لا يوجد دليل على أن تلك الأحراز والأسلحة تابعة للشرطة، وعلى المحكمة بناء أحكامها على الحقائق القاطعة وليس على الشك والاحتمال».
وحول أشرطة الفيديو فى القضية، قال «الجندى»: «الأشرطة لم نطلع عليها ولا نعرف كيف تم تصويرها وهل تمت بطريقة قانونية من عدمه، والدفاع صمم على الإطلاع عليها ومناقشة مصدرها أو استبعادها من القضية، ونلتمس ندب أحد الفنيين المختصين لتقييم الأسطوانة التى قدمتها النيابة وتحوى وقائع قتل متظاهرين، والنيابة حصلت عليها من إحدى القنوات الفضائية وتحتوى على عمليات مونتاج».
وأضاف: «فيما يتعلق بالشرائط التى قدمتها المخابرات العامة، هى لا تدخل فى مضمون القضية لأنها تحوى وقائع الفترة من بين 1 إلى 18 فبراير 2011 على الرغم من أن القضية المنظورة تحاكم المتهمين على الفترة من 25 إلى 31 يناير 2011».
وبعد ذلك حاول الدفاع أن يقدم للمحكمة أدلة قال إنها تثبت وجود الطرف الثالث فى الأحداث التى شهدتها البلاد، وقال: «وجدنا أحد الدفاتر الخاصة بوزارة الداخلية التى تم تحريزها قبل البدء فى التحقيق مع المتهمين، يتضمن قيام سيارة هيئة سياسية بإطلاق النار على ضباط ومجندين، وأثبتت الدفاتر أن أفراد الشرطة فشلوا فى التصدى لها لعدم وجود أسلحة نارية معهم».
وأضاف الدفاع أن «أجهزة الأمن ألقت القبض على قطرى وفلسطينى بحوزتهما أسلحة نارية أثناء تلك الأحداث، كما أن مسؤول غرفة الكاميرات بفندق هيلتون رمسيس قال فى التحقيقات إنه سلم لمدير الفندق أسطوانة عليها ما صورته الكاميرات خلال الأحداث، إلا أن النيابة لم تسأل عن هذا الـ(سى دى) أو السيديهات التى سجلتها 5 كاميرات للمراقبة موجودة بمجمع التحرير، على الرغم من أن أفراد الأمن بالمجمع قالوا فى التحقيقات إنها موجودة على جهاز كمبيوتر بالطابق الأرضى».
وتابع: «حتى لا ترد علينا النيابة نعرف أن المخابرات الحربية هى المشرفة على تلك الكاميرات، لكن لماذا لم تضبط خاصة أنها دليل مادى قوى فى القضية، والدفاع يطعن بالتزوير على كل الفيديوهات التى قدمتها النيابة والمدعين بالحق المدنى فى تلك القضية».
وقال «الجندى»: «حبيب العادلى قال فى التحقيقات إنه تلقى إخطاراً من مساعدى الوزير للأمن العام وأمن الدولة عن سرقة سيارات من جراج السفارة الأمريكية يوم 28 يناير، وأثناء مرور إحدى السيارات على أحد الكمائن أطلق شخص هولندى الجنسية طلقات نارية من داخلها وقتل 3 من أفراد الكمين أثناء محاولة إيقافهم السيارة».
وأضاف: «تم القبض على الهولندى واحتجز فى قسم عابدين إلا أن مجهولين اقتحموا القسم وقاموا بتهريبه، وأطالب باستدعاء مأمور القسم وقتها وإجراء تحقيق من قبل المحكمة حول تلك الواقعة، وذكر (العادلى) أيضا فى التحقيقات أن لديه شهود نفى فى القضية وهم كل ضباط الداخلية ومديرى الأمن فى المحافظات، إلا أن النيابة لم تستدع أحدا منهم».
وأصر الدفاع على استدعاء الضباط المذكورين لسؤالهم عما إذا كانت هناك أوامر قد صدرت إليهم بإطلاق الرصاص على المتظاهرين من عدمه، كما طالب المدعين بالحق المدنى بأن يقدموا شاهداً واحداً فقط من أفراد الشرطة قال إنه تلقى تعليمات بقتل المتظاهرين.
ووقعت مشادات وخلافات بين المدعين بالحق المدنى والدفاع، وأحدث الجانبان هياجاً فى القاعة ووصفوا المحامى بالكذاب، والتمس المحامى من هيئة المحكمة أن تجرى تحقيقا لمعرفة من قتل أفراد الشرطة وأصابهم فى أحداث الثورة مثلما حدث من تحقيق فى أسباب قتل المتظاهرين.
وقال الدفاع إن «النيابة لم تكن محايدة فى تلك التحقيقات، كما أن عملها شابه القصور نظرا لأنها لم تتقص أدلة الدعوى، فالقضية بها أمر عمليات من وزارة الداخلية مثبت به اسم كل ضابط ومجند وأماكن خدمتهم وكان يتعين على النيابة أن تستدعيهم لسؤالهم». وأضاف: «كان يتعين على النيابة أيضا إحضار محضر الاجتماع الذى عقد بمقر القوات المسلحة وحضره عمر سليمان و(مبارك) والمشير حسين طنطاوى و(العادلى) عقب الأحداث، والذى أدلى (العادلى) بتفاصيله فى تحقيقات النيابة حتى تعرف حقيقة ما دار فى هذا الاجتماع، الذى شرح فيه (العادلى) ما حدث خلال الثورة». وطلب الدفاع استدعاء هؤلاء الشهود لسؤالهم فى تلك الجزئية، وصمم أيضا على استدعاء قائد الحرس الجمهورى السابق، وقائد فرقة مكافحة الإرهاب والاستعلام من النيابة العامة، عما تم اتخاذه من إجراءات فى واقعة سرقة سيارات السفارة الأمريكية التى تبين من خلال أقوال مسؤول أمن السفارة أن مفاتيح تلك السيارات مشفرة وموجودة داخل السفارة ما يؤكد أن مسؤولى السفارة هم الذين دهسوا المتظاهرين» على حد قوله.
وخلال المرافعة سرد الدفاع تفاصيل عدة قضايا مثل التجسس لصالح إسرائيل، فى إشارة إلى أن إسرائيل كانت تقف وراء تلك الأحداث التى شهدتها البلاد، وروى الدفاع بعضاً من تلك القضايا وتواريخها من بينها قضية شريف الفلالى ومهندس الطاقة الذرية ومحمد العطار وعزام عزام وجرابيل وانتهاء بقضية الأردنى «بشار» التى تضمنت تفاصيلها اختراق إحدى شبكات المحمول فى مصر. وقال إن «المسؤولين الإسرائيليين صرحوا أكثر من مرة بأن مصر هى الملعب الأكبر لنشاط جهاز المخابرات الإسرائيلى، وأنهم نجحوا فى اختراق الأمن المصرى وإحداث فتن طائفية وسياسية وزعزعة الاستقرار، ليعجز أى نظام قادم عن إزالة هذا الضعف». وشدد المحامى على أن قضايا التجسس الخاصة بالمحمول كانت السبب الرئيسى لقطع خدمة الاتصالات والإنترنت أثناء المظاهرات، وقال: «إن معلومات وردت إلى الأجهزة الأمنية بأن هناك متهمين يعملون فى شركة محمول تم تجنيدهم لصالح الكيان الصهيونى فضلا عن وجود متهمين آخرين تسببوا فى خسائر فادحة للشركة المصرية للاتصالات، قدرت بنحو 2 مليار جنيه، وهو ما دفع (العادلى) إلى الإجتماع مع باقى المسؤولين واتخذوا قراراً بقطع الخدمة حفاظا على أمن مصر، ورفض (العادلى) أن يقول ذلك فى التحقيقات حفاظا على أمن البلاد رغم أنه يعرف أن هذا الأمر قد يدعم موقفه فى القضية».
وتابع: «جهاز الموساد الإسرائيلى اخترق شبكات المحمول وتمكن بمساعدة المتهم الأردنى بشار إبراهيم، من تمرير مكالمات والحصول على معلومات عن طبيعة عمل شركات المحمول المصرية»، وقال إن محطة تقوية شركة المحمول المذكورة فى العوجة بشمال سيناء التى تم إنشاؤها عام 2006 كانت تخدم الكيان الصهيونى، وتم إنشاء هذا البرج بالمخالفة للإجراءات، كما أنه لا يخدم إلا نحو 600 شخص فقط ولم يحصل المسؤولون بالشركة على تصاريح من الجهات المختصة ولولا هذا البرج ما تمت عملية تمرير المكالمات، التى حصلت من خلالها شركة المحمول على مبالغ طائلة بالمخالفة للقانون.
واستعان الدفاع خلال المرافعة بالتحقيقات التى يجريها قضاة التحقيق بشأن قضية التمويل الأجنبى، موضحا أن هناك عناصر خارجية كانت تمد مصريين وغير مصريين بالمساعدات، لزعزعة استقرار البلاد.