وجدانهم الثائر دفعهم للمبيت فى ميدان الأربعين منذ مساء الثلاثاء والشروع فى تأسيس المستشفى الميدانى بالميدان، قبل عدة ساعات من شروق شمس يوم 25 يناير، الذى رفضوا أن يكون احتفالاً بعيد الثورة لأنها لم تنته، لأن مطالبها لم تتحقق بعد، وخلا الميدان من قوات الأمن والشرطة العسكرية، وأغلق العديد من المحال أبوابه، وتوافد أهالى السويس على الساحة منذ الصباح الباكر، ليصل عددهم قرابة المائة بحلول الساعة العاشرة من صباح الأربعاء.
وحاول أعضاء اللجان الشعبية تنظيم المتظاهرين فى الساحة بشكل لا يعوق حركة المرور، حيث وقف الأهالى فى بداية تجمعهم على أرصفة الميدان، إلا أنه بحلول الساعة الثانية عشرة ظهراً أغلقت أعدادهم الكثيفة الميدان تماماً، مما أجبر جميع المركبات على تغيير خطوط سيرها.
وحرص المتظاهرون منذ اللحظات الأولى لتواجدهم فى الميدان على رفع أعلام مصر، مرددين الهتافات المنددة بالحكم العسكرى للبلاد، مطالبين بتحقيق مطالب الثورة والقصاص للشهداء، وصلى المتواجدون فى الميدان صلاة الظهر فى قلب الساحة.
وانضمت مسيرة ائتلاف شباب الأزهر، التى نظمها عدد من خريجى الأزهر، إلى الميدان لتحذير الأهالى من أعداء الثورة الذين يرغبون فى إحباطها ـ حسب أحمد عبدالبديع، عضو الائتلاف.
بمرور الوقت تزايدت أعداد المتوافدين على ساحة الأربعين وأصبحوا بالآلاف، وحرص بعض المواطنين على رفع عدد من النشطاء فوق أكتافهم ليتمكن الأهالى من سماع صوتهم وترديد الشعارات ومنها «السوايسة مش حرامية.. المظاهرة دى سلمية»، «يا شهيد نام وارتاح.. واحنا نكمل الكفاح»، «يسقط يسقط حكم العسكر»، «يااللى ساكت ساكت ليه.. أخدت حقك ولا إيه»، «يااللى بتسأل إحنا مين.. إحنا شباب 25»، «من السويس للتحرير.. يسقط يسقط المشير»، «إحنا من السويس الحرة.. وطنطاوى يطلع بره»، «ارحل ماتورطش الجيش».
وقال مصطفى خليفة، عضو حزب غد الثورة: «منذ 25 يناير الماضى ونحن فى الميدان، لم نغادره لأن الثورة لم تتحقق مطالبها بعد، ولم نحتفل بالثورة لأن الحكم العسكرى فشل فى تحقيق أهداف الثورة والقصاص للشهداء والمصابين».
ورفع أعضاء حزب الحرية والعدالة التابع للإخوان المسلمين لافتات ورقية عليها شعار الحزب والجماعة مدوناً عليها عبارات تحث المواطنين على سلمية التظاهر وعدم الانسياق وراء أعمال الفوضى والتخريب ومنها: «فى إحياء ذكرى الثورة الأولى حرية آه.. فوضى لأ»، و«مصر بلدنا كلنا.. نحافظ عليها كلنا»، و«هنحاكمهم.. ولكن منهدهاش»، «ثورتنا بدأت سلمية.. وستظل سلمية»، «لا للعودة لنقطة الصفر»، و«هنكمل الثورة لكن مش بالفوضى»، و«هنجيب حقوق الشهداء لكن مش بالتخريب ولا الدماء».
وقال محمود إبراهيم، أحد المشاركين، إنه يشارك فى التظاهر لأن الفساد مازال قائماً فى البلاد، والوساطة والمحسوبية فى كل مكان، ولم نر حتى اليوم أى تطبيق للعدالة الاجتماعية، فجميع شركات البترول فى السويس يعمل فيها الأجانب، أو أبناء العاملين، بغض النظر عن كفاءتهم، ورغم أننا من أغنى محافظات مصر فإننا محرومون من خيرها وبعد الثورة لم يتغير شىء.
وقال محمود مغربى، أحد المتظاهرين: «تخرجت منذ عام 2006 فى معهد حاسب آلى، وأعمل ساعياً أقدم الشاى والقهوة للعاملين معى فى شركة النصر للبترول، وقدمت أكثر من طلب لتعيينى فى الشركة لكن دون جدوى، فالتعيين فيها فقط لأبناء العاملين، حتى إن كانوا حديثى التخرج». وتوافدت أسر الشهداء على الساحة، ورفع المتظاهرون صور الشهداء التى اصطحبتها أسرهم لأعلى وهم يهتفون: «اقتل أحمد اقتل مينا.. كل رصاصة بتقوينا»، «ومدد مدد مدد الحرية بتتولد»، و«متباعة متباعة بلادى.. متباعة ببلاش للى مايسواش»، و«اصحى يا مصر إوعى تنامى.. لسه فيكى كام حرامى»، و«اكتب على حائط الزنزانة.. حكم العسكر عار وخيانة».
وقريباً من الميدان شكلت جماعات الدعوة السلفية و«السويس بلدنا» لجاناً شعبية لتأمين مديرية الأمن ومبنى المحافظة والمحكمة وقصر الثقافة ومديرية التربية والتعليم.
وقال محمود داوود، محام، أحد أعضاء الدعوة، وهو يقف بجوار أحد المتاريس التى تحمى مديرية أمن السويس: «عانينا من اضطهاد الشرطة التى كانت تلقى القبض علينا فى منتصف الليل من وسط أبنائنا للتحقيق معنا لمجرد أننا نحرص على تطبيق سنة النبى، سواء بتربية اللحية أو الحرص على الصلاة فى المساجد، إلا أننى جئت اليوم لتأمين المديرية بالتعاون مع رجال الجيش والشرطة، لأنها منشآت عامة، وأى أعمال تخريبية تلحق بها سيتم إصلاحها من أموالنا».
وداخل المستشفى الميدانى جلس محمد قاسم، عضو لجنة الشباب فى الهلال الأحمر، مع ما يقرب من 25 طبيباً وطالباً فى كلية الطب، ممن تطوعوا لإسعاف أى حالات تسقطبين المتظاهرين وقال: «اعتدنا على إسعاف المتظاهرين أيام الثورة بشكل عشوائى، أما اليوم فقمنا بتجهيز أدوية توسيع الشعب ومراهم الحروق والكدمات والأربطة الضاغطة والمسكنات وخيوط الجروح التى تبرعت بها إحدى شركات الأدوية لإسعاف المتظاهرين».
وحرصت بعض السيدات على التجمع لترديد شعارات خاصة لأمهات الشهداء ومنها «افرحى يا أم الشهيد يوم قصاصه هيكون عيد»، و«شهيدنا يا عود الفل.. ومن الجنة علينا تطل».
ورفعت أمل عبدالفتاح، أخت أحد شهداء جمعة الغضب، صورته فى الساحة وقالت موجهة الحديث للمشير طنطاوى: «حافظت على الانتخابات ولم تحافظ على أرواح شباب البلد».
أما تامر رضوان، أخو الشهيد شريف، الذى لقى مصرعه يوم جمعة الغضب أيضاً فقال: «أهل السويس هم أول من نزلوا للثورة، واليوم وبعد عام كامل من الثورة يبعثون برسالة للمجلس العسكرى والعالم كله بأن حق الشهيد لن يضيع، حتى لو اضطر أهالى الشهداء لأخذه بأيديهم».
من جانبه وزع الجيش الثالث الميدانى منشوراً يحمل رقم «15» لتحذير المواطنين من محاولات بعض القوى السياسية التشكيك فى دور القوات المسلحة وجدية التزامها بالجدول الزمنى لتسليم السلطة حتى لا يمنحوا العناصر المندسة بين صفوف المتظاهرين الفرصة لإحداث بعض الأعمال الخارجة عن القانون للوقيعة بين الجيش والشعب. وقال البيان إن الجيش الثالث الميدانى قرر إخلاء الميادين المهمة فى السويس لكى لا تحدث أى احتكاكات مع عناصر القوات المسلحة، وإن الجيش الثالث يقوم بتأمين الأماكن والمنشآت الحيوية والأهداف ذات الأهمية الخاصة دون الاحتكاك مع العناصر الثورية والمعتصمين فى الميدان أضاف البيان أن تأمين جميع المنشآت الحيوية هو مسؤولية وطنية لكل مواطن يحب بلده، وسوف يتم التعامل المباشر بكل شدة مع الخارجين على القانون والمخربين للمنشآت الحيوية وكل من يحاول نشر الفوضى أو بث الرعب فى نفوس المواطنين.