يواصل العرض المسرحى «حريم النار» تقديم عروضه على مسرح الطليعة وسط استقبال جيد من النقاد والجمهور، العرض مأخوذ عن نص «بيت برنارد ألبا» للكاتب الإسبانى فدريكو جارسيا لوركا، ويتناول قضايا المرأة في الصعيد من خلال شخصية أم وبناتها وتأثير الأفكار والموروثات الجنوبية على حياتهن، العرض بطولة عايدة فهمى، منال ذكى، عبير لطفى، نشوى إسماعيل، نسرين يوسف، أميرة كامل، كريستين عاطف، من تأليف شاذلى فرح وإخراج محمد مكى، كما يواصل مسلسل بنت القبائل عرض حلقاته والذى يتناول سطوة بعض النساء في جنوب مصر .
قال مخرج العرض محمد مكى أن المؤلف مصّر العرض، لأنه يناقش قضية مهمة تخص المرأة الجنوبية والعادات والتقاليد والموروثات التي نحترمها جميعًا وتربينا علينا، ويطرح تساؤلات حول هذه الموروثات، وهل من الممكن أن تُمارس في الوقت الراهن، وتابع: القسوة والقمع تجاه البنت هو مؤشر خطر ونذير شؤم يظهر من خلال الأم المتسلطة «فتحية شلقم» وبناتها، والتى تجسدها الفنانة عايدة فهمى، وما تفعله هو نتاج ما تجرعته في الماضى منذ كانت في الخامسة عشرة من عمرها، حينما تزوجت في ذلك العمر المبكر من شخص أكبر منها بـ40 عاما، وعلى الرغم من أن الرجل في الصعيد شديد وحامى الدم، لكنه يهتم فقط بجلب القوت، وترك إدارة المنزل لوطأة وإحكام الأم، مشيرًا إلى أن العرض يرصد جانبا سلبيا عن طريق شخصية مجنونة قمعية منتقمة.
وتابع: في سياق الأحداث نلمس مدى التشققات والخراب الذي حدث داخل البيت وانتهى بقتل الأم لابنتها عن طريق الخطأ نتيجة لهذا الفكر، والذى جعل البنت تقوم بأفعال غير شرعية مع خطيب أختها، لتكون رسالتها هو أنه مهما أغلقت الأم الأبواب أمام بناتها، فإذا أرادوا أن يخطئوا فسيفعلن وأضاف: «خنق الحب حرام»، وهى دعوة لكل المثقفين والبسطاء للتآلف مع عاداتنا وتقاليدنا من الجانب الإيجابى منها، وكان علينا أن نقول إن هناك ناقوس خطر بالتعامل مع المرأة بشكل يحمل قسوة وقمعا داخل البيت أو المجتمع بوجه عام.
وعن العقبات التي واجهتهم لتقديم العرض، أوضح أنهم بدأوا منذ ما يزيد على عام، وتدربوا على النص لكن المشكلة كانت «اللكنة» أو اللهجة لأنها ليست كما رأيناها في الدراما أو البيت، لافتًا إلى أن اللهجة الصعيدية تختلف من قرية ومحافظة لأخرى، وتابع: نحن نستخدم لهجة جنوب الجنوب فكانت المشكلة تقديم ما لم يسمعه المتلقى من قبل، والنص صعب جدًا أن يُحفظ دون فهم ووعى بعمق وإيمان بالرسالة الكامنة به، خاصة أننا نريد أن نعرض حياة وأسرة حقيقية داخل بيت، وهو ما احتاج الكثير من التدريبات للخروج بالشكل النهائى الذي ظهر عليه. وتابع أن توظيف الديكور اجتهد به د. محمد سعد، مصمم الديكور، والذى قرأ تفاصيل النص معه وبدأ طرح الأفكار معًا لعمل تصور كامل لخروج العمل بهذا الشكل وللتعبير عن حالة واقعية للشكل الصعيدى وتقديم رموز معبرة، مستدلاً بأنه من خلال النخل والعمم رمز إلى الرجل وتعدد الذكور الذين تواجدوا داخل حياة الأم، وكذلك الحائط المفرغ فهو دلالة على أن أهل النجع جميعهم يعلمون ما يدور داخل المنزل، لكن الأم المتسلطة لا تعلم، والتى مهما بنت أسوارا عالية لكنها مكشوفة وواضحة لأهل النجع، ولفت إلى أن فكرة الديكور وألوانه دلت على القتامة وجمعت بين الواقعية والأحلام في شكل صورة درامية، لتحول البيت إلى سجن.
تخصص المؤلف شاذلى فرح، كما يظهر في كتاباته عن المرأة الصعيدية وهذا الجزء الجنوبى المهم، ليتحدث عن أسرار الجنوب لدى النساء فمنذ الوهلة الأولى تجد أما قاسية على بناتها في عدم وجود عنصر ذكورى، لكنها تكتشف في النهاية أن ضغطها على بناتها لم يحقق سوى الانحراف والجرائم. ورأى أن المسرح سيظل هذا العالم السحرى الذي يتفاعل مباشرة مع الجمهور وليس عبر الشاشة ليكون هذا هو التفاعل الحقيقى، مضيفًا أنه في كل يوم يتوافد عليهم الجمهور ويسمعون ما لا يتخيلونه من ردود الفعل. واعتبر أن الصورة النمطية للمرأة الصعيدية والتى تقدم ما هي إلا قشور غير حقيقية غير قادرة على تقديم التصور والتفاعل داخل المجتمع، وتابع أن ما يُثار دائمًا عن الصعيد وحصره في الثأر وتجارة الآثار خاطئ، لأن المجتمع الصعيدى به الكثير من التحضر والثقافة، وهناك العديد من الرموز الثقافية الشهيرة التي خرجت من رحم هذا المجتمع، ومن الأشياء المهمة أن يرى المجتمع نفسه على خشبة المسرح، وأن تراه أيضًا المجتمعات الأخرى فكل محافظة لها ثقافتها. جسدت الفنانة عايدة فهمى شخصية «فتحية شلقم» الأم الصعيدية الملتزمة بعاداتها وموروثاتها، وهو الدور الذي نالت عنه عدة إشادات. وعن ردود الفعل عن دورها قالت «عايدة» إنها إيجابية والبعض رأى أن الرواية قدمت بشكل جيد والمعالجة متميزة، بالإضافة إلى أن تناول المرأة جاء بشكل مختلف من داخل الجنوب رغم أن النص إسبانى وتم تناوله بطرق مختلفة، كما أشاد البعض بأن السبع فنانات قدمن التمثيل على مستوى عال وكيف أنه تم تقديم صورة المرأة بقهرها وظلمها ومعاناتها، فكل واحدة منهن تعانى من حالة معينة وتقدم قهرا بنوع مختلف. وتابعت أن الشخصيات كل منها مكتوب بشكل مختلف عن الأخرى، فهناك تباين في معالجة الشخصيات النسائية على المسرح، بالإضافة إلى العناصر المختلفة من ديكور وإضاءة والموسيقى والرقص الحركى فكل عنصر حالة منفردة بذاتها. وحول اللهجة الصعيدية قالت: كنا خائفين جدًا من ألا يستقبلها الناس منا، لكن بالتدريب الجاد ومساعدتنا من المؤلف شاذلى فرح، أصبحت سهلا ممتنعا، واستقبلها الجمهور كأنها لهجة عادية. تُجسد الفنانة عبير لطفى شخصية «روح محبات» إحدى بنات فتحية شلقم، المقهورة مثلها وأقرب شخصية للأم التي مورس عليها القهر. واعتبرت «عبير» أن شخصية «روح» تملك مشاعر متناقضة، فهى أحبت لكنها لم تطل حبها. وتابعت أن هناك الكثير من الأمور تحكم العرض خاصة أنه مأخوذ عن نص مما فرض إطارا لا يمكن الخروج عنه، ولكن ما أفاد العرض أن المؤلف صعيدى، فالتمصير جاء من جزء جنوبى في مصر وهذا الجزء يجعل الإنسان في هذا المجتمع لديه صلابة وجمود وشدة ولكن لا يمنع أن يكون بداخله مشاعر رقيقة، لكن بالنسبة للمرأة فتعتقد أنه لا مسرحية أو عشرات العروض من الممكن أن تعبر عنها فمن الجائز أن يحدث هذا في الدراما. وتابعت: أبرز ردود الفعل التي تلقتها كان: «الراجل مش موجود على المسرح لكن سيطرته ظاهرة طوال الوقت».