بدأت مشاهد العنف والدماء، ومشاهد أخرى جريئة تسيطر على غالبية الأفلام مع مرور الوقت، مجتذبة قطاعاً كبيراً من الشباب، وحقق بعضها إيرادات عالية، . فهل يعنى ذلك نجاحها؟ وهل تلك الأفلام تنقل الواقع كما يردد القائمون عليها، أم تفرض هى واقعًا؟.
الكاتب والناقد السينمائى طارق الشناوى يرى أن الإقبال على الفيلم لا يتوقف على الجمهور ولا المحتوى ولا تصنيف الفيلم إذا كان تجاريا أو غير ذلك، بقدر ما يتوقف على الكيفية التى يخاطب بها الفيلم الجمهور. فالأفلام أنواع، فهناك فيلم تجارى جيد الصنع، وفيلم يعتقد صناعه أنه تجارى لكنه مفتقد الجاذبية. والدليل أن هناك أفلاما مصنفة سينمائيا تجارية، تخطت إيراداتها المائة مليون، مثل كازابلانكا، وأولاد رزق. فى حين أن فيلما مثل «أنت حبيبى» للمخرج يوسف شاهين وبطولة فريد الأطرش وشادية وهند رستم، هو فيلم تجارى، وأعتبره أحد أفلام يوسف شاهين المهمة، لكنه لا يتعدى فيلما غنائيا، ولم يحقق إلا إيرادات هزيلة. فالمسألة ليس لها علاقة بالجمهور. وإن كان عليه تقبل الفيلم التجارى، لأن السينما التجارية تشكل 80% من أفلام العالم، ولن نكون نحن خارج السرب. لكن المهم أن يتقدم له نوع جيد. فتوجد أفلام تجارية لكنها تخاصم الجمهور، فالعيب ليس فى الجمهور. ولا فى المحتوى، بقدر ما هو فى الكيفية التى تخاطب بها الجمهور لتصل إليه. فحتى فيلم مثل «عبده موته» انطوى على أسباب نجاحه، وكان عملا فنيا له إيقاعه، وعرف يقرأ مفردات الجمهور فنجح. لكن بعد ذلك نفس البطل قدم أفلاما أخرى، لم تحقق نفس النجاح، لأنه لم ينجح فى قراءة مفردات الجمهور. أما إذا كان الفن يعبر عن واقع، أو يخلق واقعا جديدًا، فقال «الشناوى»: الحقيقة أن الواقع أسوأ من هذا، لكن ليس معنى ذلك أن الحياة كلها هكذا. ففى الفن نختار جزءا من الحياة. فمثلا مدرسة المشاغبين بريئة من اتهامات فشل الطلاب. فمرحلة السبعينيات لم تقدم انحرافات الأستاذ، وركزت على انحرافات الطالب، رغم أن انحراف الأستاذ أكبر وأعظم. فنشر الخطأ شىء، والدفاع عنه شىء آخر. فالصحافة تتكلم عن الجريمة، وإذا تغاضت عنها فإنها بذلك ترتكب خطأ، وهكذا الفن. فالفن لا يدعو للجريمة أو الرذيلة. ولكن إذا غض الطرف هنا من المفترض أن نهاجمه. لكن الفن الذى يقدم الجريمة والرذيلة بمنظور سلبى لا يستحق الهجوم إلا إذا تغاضى عن ذلك. ولا يجوز القياس، أو الحكم بزمن مشاهد الانحراف ولا التقوى. فمن الممكن أن يقدم مشهدا واحدا يحمل الندم والتوبة عن الخطأ، أكثر تأثيرا، ويغنى عن كل مشاهد الانحراف. ولكن العبرة والقياس، بالمعالجة. بأن تكون صادقة نابعة من الشخصية وليست مقحمة عليها، حتى تصل ويتقبلها الجمهور.
نرمين فراج، أستاذ علم النفس بجامعة السادات. ترى أن ارتفاع الإيرادات سواء كانت لأفلام تجارية أو هابطة، لا تعنى نجاحها. لأن هناك عوامل أخرى. فالفيلم يكون ناجحا، فى ظل كثرة المعروض والمنافسة. ونحن نفتقد ذلك. فى حين أن ما يحدث هو الفيلم المسيطر، أو الوحيد فى السوق، أو الأحدث فى الموسم الحالى، فكلها مترادفات لمعنى واحد. ناهيكم عن أننا لا نملك ثقافة السينما، مثل زمان. فمعظم رواد السينما الآن من الشباب، الذى يدخلها لا بغرض الفرجة، بل بغرض أن يحب أو يقلد كيف يحب. ولو عائلة فيكون من باب التنزه. أما عن الواقع وارتباطه بالفن، فقد برأت «فراج» ساحة الفن من جزء، وأشركته فى جزء آخر. فقالت: لا نستطيع إنكار أن ما يقدمه الفن، جزء من الواقع، أخرجته وموجود فى العشوائيات. فنحن لدينا كارثة متمثلة فى نوعية من الشباب لهم ثقافة خاصة بهم، أنتجتها العشوائيات. لم تكن منتشرة على الساحة بهذا الشكل. لكن هذا ليس مبررا لأن تتناولها الأفلام، وتصدرها للعالم، وكأن هذا هو الشعب المصرى. فهم جزء وليس الكل. ومن المفترض أن يرتقى الفن بالمجتمع وبذوق الجمهور. لكننا نعانى من أزمة أخلاق وذوق. فالأفلام دون أن يشعر القائمين عليها، ترسخ هذا الفكر والنهج. بنشر هذا الفكر من نطاق طبقة معينة إلى الكل. أى أن هذه النوعية ساهمت فى إفساد الذوق العام. بعكس ما كان يقدم زمان. فحتى مدرسة المشاغبين، التى ألصق بها البعض اتهامات إفساد الطلاب. فهذا غير صحيح. فهى قصة أظهرت جزءا من السلبيات لكن التناول كان فى إطار كوميدى راق، يحمل عبرة فى النهاية. علاوة على أنها كانت تتعامل مع ناس كبيرة تخطوا العشرين عاما، وليس طلابا فى مرحلة المراهقة، لا يدركون ما يفعلون. فنجد أن جيل مدرسة المشاغبين نفسه، لم يتأثر بها، أو يقلدها. فهى بريئة، ومن ينتقدها ينتقدها لمجرد الشهرة. أما ما يحدث الآن، فهو حملة موجهة بطريقة معينة لإفساد الذوق العام. فللأسف السينما أصبحت تتبنى لغة وثقافة العشوائيات. حتى المعالجة خطأ. فالشباب لا تجذبه النهايات، بل ينجذب إلى الجزء الذى يشبعه.