x

هجوم إيران الصاروخي على القواعد الأمريكية بالعراق «ثأر محدود التكلفة» (تحليل)

الأربعاء 08-01-2020 14:14 | تحليل إخباري: وكالات |
إيران تستهدف قاعدة عين الأسد الأمريكية في العراق إيران تستهدف قاعدة عين الأسد الأمريكية في العراق تصوير : آخرون

فجر، الأربعاء، وقبل أن يوارى جثمان قاسم سليماني، قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني الثري، في مسقط رأسه في مدينة كرمان وسط البلاد، شنت إيران هجومًا صاروخيًا استهدف قاعدتين عسكريتين أمريكيتين في العراق، معلنة أن هذا الهجوم جزء من الرد «الانتقام» الإيراني على اغتيال الولايات المتحدة لسليماني ومجموعة من رفاقه في العراق قبل أيام.

واستهدف الهجوم الصاروخي الإيراني قاعدة «عين الأسد» العسكرية في محافظة الأنبار غربي العراق، والتي تعد أكبر القواعد العسكرية التي تضم قوات أمريكية إلى جانب قوات من التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي في العراق، بينما استهدفت الموجة الثانية من الهجوم قاعدة عسكرية أخرى تتواجد بها قوات أمريكية في مدينة أربيل بإقليم كردستان شمالي العراق.

وبينما تبنى الحرس الثوري الإيراني الهجوم الصاروخي، في بيان له أعلن استهداف قاعدة «عين الأسد» للقوات الأمريكية في العراق بعشرات الصواريخ الباليستية «أرض-أرض»، وذلك في إطار الثأر لمقتل قاسم سليماني ورفاقه.. وفي المقابل، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية (بنتاجون) أنها تقيم الأضرار وتدرس سبل «الرد» على هذه الضربة.

ومن جانبه، قلل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من نتائج الهجوم الصاروخي الإيراني على قوات بلاده في العراق، مؤكدا أن «كل شيء على ما يرام حتى الآن»، وقال «يجرى الآن تقييم الخسائر والأضرار التي حدثت.. وحتى الآن الأخبار جيدة جدا».

ورغم الضجيج الإعلامي الواسع الذي رافق وأعقب الهجوم الصاروخي الإيراني، إلا أن هذا الهجوم حمل رسائل ودلالات رمزية تتجاوز في أهميتها نتائجه الحقيقية على الأرض، فقد اختار الإيرانيون الرد على مقتل رجلهم القوي قاسم سليماني في نفس المكان «العراق» وتوقيت مقتله «الساعات الأولى من صباح الأربعاء»، كذلك فإن استهداف أكبر قاعدة عسكرية بها قوات أمريكية في العراق، وهي قاعدة «عين الأسد» كان رسالة أخرى للأمريكيين بأن يد طهران قادرة على الوصول إليهم، كما كان لتنفيذ هذا الهجوم قبل دفن سليماني دلالة رمزية أخرى على تصميم طهران أن يتم الثأر له قبل أن يوارى الثرى.

ولكن على صعيد النتائج والخسائر التي أسفر عنها الهجوم على الأرض، فإن المؤشرات تظهر، حتى الآن على الأقل، أن الخسائر تبدو محدودة وتقتصر على الأضرار المادية فقط دون وقوع خسائر بشرية، فرغم ما أعلنه التلفزيون الإيراني عن سقوط عشرات القتلى الأمريكيين جراء الهجوم الصاروخي، نقلت وسائل إعلام أمريكية عن مسؤولين أمريكيين أن القصف لم يؤد إلى إصابات في صفوف القوات الأمريكية.

كما أفادت القوات المسلحة الدانماركية، على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، بأن الهجوم الصاروخي على قاعدة «عين الأسد» الجوية في العراق لم يسفر عن مقتل أو إصابة أي من الجنود الدانماركيين في القاعدة ضمن التحالف الدولي لمحاربة (داعش) في العراق وسوريا.

وعدم سقوط قتلى أو خسائر في صفوف القوات الأمريكية في القاعدتين العسكريتين اللتين استهدفهما الهجوم الصاروخي الإيراني، يوضح -كما يرى محللون- أن طهران وإن كانت مصممة على الرد على مقتل قاسم سليماني إلا أنها بدت حريصة على أن يكون هذا الرد محدودا ولا يستفز الولايات المتحدة بشكل يدفعها للرد بصورة أعنف.
ويتضح هذا الحرص الإيراني من اختيار الأهداف التي استهدفها الهجوم الصاروخي، فقد كان بمقدور طهران أن تضرب أهدافا عسكرية أمريكية أكثر أهمية وتأثيرا في منطقة الخليج، لكنها اختارت أن تستهدف بعض القواعد العسكرية التي يوجد بها قوات أمريكية محدودة في العراق.. ويظهر هذا الاختيار أن طهران سعت، ربما، لتجنب سقوط ضحايا أمريكيين كثيرين في القصف الصاروخي، خصوصا وأنها تدرك أن الجانب الأمريكي كان يعلم أن تلك المواقع قد تكون هدفا للهجوم الإيراني، ومن ثم أخذ احتياطاته اللازمة لتأمين حياة جنوده في تلك القواعد.

ومما يعزز هذه القراءة ما أعلنه مسؤول عسكري أمريكي، في تصريحات لشبكة (سي إن إن) الإخبارية، عن أن الجيش الأمريكي كان لديه تحذير مبكر بما يكفي عن الهجوم الصاروخي الإيراني.. وقال مسؤول «إن التحذير كان مبكرا بما يكفي لتشغيل صافرات الإنذار وابتعاد العناصر عن طريق الأذى والنزول إلى الغرف المحصنة تحت الأرض».

وهكذا يتضح أنه رغم ما حمله الهجوم الصاروخي الإيراني على القواعد الأمريكية في العراق من تصعيد ظاهري من جانب طهران ضد الولايات المتحدة، فإن هذا الهجوم يبدو محسوبا بدقة من جانب القيادة الإيرانية التي أرادت الرد على قتل قاسم سليماني، ولم يكن بمقدورها ألا تفعل.. وفي الوقت نفسه، أن يكون هذا الرد بأقل كلفة ممكنة وبما لا يؤدي لاستفزاز الغضب الأمريكي بما قد يدفع الأمور إلى حرب شاملة مع الولايات المتحدة، وهو سيناريو لا تريده طهران، وربما ليست مستعدة له.

ولعل هذا ما دفع بعض المحللين إلى وصف الهجوم الصاروخي الإيراني بأنه كان «لحفظ ماء وجه إيران» وللحفاظ على صورتها في مواجهة الرأي العام في الداخل ولدى أنصارها في الخارج، خصوصا بعد كل هذا الوعيد والتهديد والتعبئة التي شهدتها الساحة الإيرانية خلال الأيام الماضية للثأر لمقتل سليماني.

وإلى جانب الخسائر المحدودة للهجوم الصاروخي الإيراني، فإن ما يعزز القول إن طهران استهدفت من وراء هذا الهجوم المحسوب رد الإهانة التي مثلها اغتيال سليماني دون استفزاز كبير للولايات المتحدة، هو حرص الجانب الإيراني على اعتماد خطابين مزدوجين، أحدهما ينحو إلى التصعيد والتهديد، والآخر يدعو للتهدئة والحوار.

فبينما حمل البيان الصادر عن الحرس الثوري الإيراني عقب الهجوم رسائل تهديد ووعيد ضد الولايات المتحدة وحلفائها بمزيد من الهجمات على الأهداف الأمريكية في المنطقة، خرج وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف عقب الهجوم متحدثا عن إجراءات متكافئة في إطار الدفاع عن النفس، مؤكدا أن طهران لا تسعى إلى التصعيد أو الحرب.

وفقا للحسابات الإيرانية إذن، فإن طهران بهذا الهجوم الصاروخي «محدود التكلفة»، تكون قد استردت هيبتها وحفظت ماء وجهها في مواجهة الولايات المتحدة، كما أنها بذلك انتقمت لمقتل قائدها العسكري قاسم سليماني وأرضت الرأي العام المطالب بالثأر له، ودون أن تصل بالأمور لحد الانجرار لحرب شاملة مع واشنطن.. لكن السؤال يبقى هنا حول شكل وحدود الرد الأمريكي المرتقب على ما جرى، وما إذا كانت واشنطن ستبتلع ما حدث إعمالا لمنطق «هذه بتلك»، أم سيكون لبعض صقور البيت الأبيض رأي آخر؟!.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية