من المسؤول عن تصدير الغاز لإسرائيل؟.. وهل من حق مصر تعليق الاتفاقية من جانب واحد؟ ما حقيقة استبدال بند تصدير البترول فى «كامب ديفيد» بتصدير الغاز.. وهل تلزمنا الاتفاقية بتصدير سلعة معينة؟متى بدأت مفاوضات التصدير؟ ولماذا رفضت تل أبيب الاستيراد من مصر فى البداية؟ على أى أساس تم التسعير؟. وهل هى اتفاقية «سياسية» أم اقتصادية؟ أسئلة محيرة طرحناها على خبراء ومراقبين ومسؤولين عن اتفاقية تصدير الغاز لإسرائيل، وجاءت الإجابات أكثر إثارة للحيرة.. والشك.
حاولنا أن نقترب أكثر من سيناريوهات التعامل مع إسرائيل فى المرحلة المقبلة ليس فيما يتعلق بملف الغاز وحسب، إنما فى معاهدة السلام وما يمكن تعديله فيها وفرص الفوز فى التحكيم الدولى إذا ما تم اللجوء إليه.. آخذين فى الاعتبار شهادة اللواء عمر سليمان فى تحقيقات النيابة بأن قرار تصدير الغاز هو قرار رئاسى، حيث قرر الرئيس السابق استبدال تصدير البترول بالغاز لحاجة البلاد له ومدى صلاحية هذا القرار من الناحية القانونية. وتوالت المفاجآت، ففى الوقت الذى حملت فيه الاتفاقية توقيع سامح فهمى كان الدكتور حمدى البنبى وزير البترول الأسبق هو مهندس الاتفاقية. وفى الوقت الذى أكد لنا فيه البعض صعوبة فسخ الاتفاقية وضع لنا خبراء آخرون سيناريوهات للفسخ وأخرى للتعديل دون تعريضنا لمخالفة القانون الدولى.. وإلى الحلقة الأولى من الملف.
السفير جمال بيومى: إسرائيل رفضت استيراد الغاز من مصر خوفاً على أمنها القومى
بدأنا ملف الحوارات مع السفير جمال بيومى مدير برنامج اتفاقية المشاركة المصرية الأوروبية بوزارة التعاون الدولى، بصفته شاهداً على قرار تصدير البترول لإسرائيل فى عهد الرئيس الراحل السادات وكان على درجة مستشار فى وزارة الخارجية، وكذلك على تصدير الغاز لإسرائيل فى عهد الرئيس السابق مبارك كممثل لوزارة الخارجية، وأكد بيومى أن مهندس اتفاقية الغاز مع إسرائيل هو وزير البترول الأسبق حمدى البنبى الذى تولى مهمة إقناع إسرائيل بالحصول على الغاز المصرى كاشفاً عن رفض إسرائيل فى البداية لولا قوة وضغط الجانب المصرى.. وإلى نص الحوار:
■ ماذا تعرف عن كواليس تصدير الغاز لإسرائيل؟
- ما أعلمه من المقربين ومن وزير البترول الأسبق حمدى البنبى أن إسرائيل كانت تخشى توقيع اتفاقية لاستيراد الغاز الطبيعى من مصر وأن الجانب المصرى بذل مجهوداً شاقاً فى إقناع إسرائيل بالأمر وأعلم أيضاً أن «مبارك» كلف حمدى البنبى وزير البترول وقتها بالتفاوض مع إسرائيل بهذا الشأن وأنا كنت قريباً من المفاوضات باعتبارى ممثلاً لوزارة الخارجية.
■ لماذا كانت ترفض إسرائيل استيراد الغاز المصرى؟
- كانت تخشى ما يحدث الآن وهو أن يأتى يوم ونقطع عنها الغاز أو نلوح بذلك بعد أن تكون قد اعتمدت عليه، إضافة إلى أنه فى هذا التوقيت عام 1995 لم يكن هناك احتياطى للغاز الطبيعى بالشكل الكافى والذى يمكننا من إمداد إسرائيل بالكميات المطلوبة وللوقت المتفق عليه.
■ وما الحكمة من إصرارنا على تصدير الغاز لإسرائيل؟
- حتى يكون لإسرائيل مصلحة مرتبطة بنا فمن مصلحتى كأمن قومى أن تعتمد علىّ إسرائيل فى مصالحها فآمن شرها.
■ ألا تراها فكرة غير منطقية؟
- حتى لو اختلف معى البعض فيما أقول وحتى لو اعتبرها البعض فكرة غير منطقية أو حتى «حمقاء» فهذا رأيهم ولكن ما أريد التأكيد عليه أن هذا كان القصد منها ولم يكن تصدير الغاز لإسرائيل «خيانة»، بالإضافة إلى أنه فى ذلك الوقت عامى 94 و95 لم نكن نعلم أن لدينا احتياطياً كافياً من الغاز يكفى للتوريد لمدة 20 سنة وكنا نقصد توريط إسرائيل وربطها معنا باتفاقية، ثم إن تصدير الغاز لإسرائيل والأردن كان الأفضل من كل النواحى.
■ ألم يكن من الأفضل ترك الغاز للأجيال القادمة خاصة أنك قلت إن الاحتياطى منه كان قليلاً؟
- الغاز تقنياً لا يخزن.. الغاز «مايتحوش».
■ لو افترضنا ذلك ألم يكن من الأجدى أن نصدر الغاز للدول الأوروبية وبالسعر العالمى؟
- الأسهل تصديره إلى إسرائيل والأردن لأننا نصدره فى صورته الأولية، أما تصدير الغاز إلى أوروبا فيحتاج إلى تسييل الغاز وهذه العملية مكلفة للغاية وتحتاج إلى مصنع يتكلف 2.3 مليار دولار لذا الأفضل تصديره فى صورته الأولية أرخص.
■ عمر سليمان رئيس المخابرات السابق قال إنه تم استبدال الغاز بالبترول بقرار من رئيس الجمهورية السابق.. إذن الهدف لم يكن ربط إسرائيل بنا؟
- هذا كلام غير صحيح وليس حقيقياً فمازلنا نصدر البترول لإسرائيل.
■ ما حقيقة ربط اتفاقية تصدير الغاز بإطار كامب ديفيد ومعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل؟
- لقد أحضرت النسخة الأمريكية لإطار كامب ديفيد ومعاهدة السلام وجميع الملاحق ولا يوجد فيها أى نص يقول بتصدير الغاز لإسرائيل.
■ وكيف جاء وضع البترول فى اتفاقية السلام ولماذا؟
- أنا اشتركت فى موضوع تصدير البترول لإسرائيل وأنا مستشار فى الخارجية، وقتها كان موقف المفاوض المصرى المحترم «جيل أنور السادات» حريصاً على مصلحة مصر وواجهه عدد من الصعوبات، فجزء من تلكؤ إسرائيل من الانسحاب من سيناء كان بسبب البترول فكان المفاوض الإسرائيلى وهو الأصعب فى العالم، ليس لذكائه إنما «لتلامته وبجاحته» يقول لنا كيف ننسحب من طابا وفندق سونستا الذى دفعنا فيه 60 مليون دولار فقام وزير السياحة آنذاك بإعطائهم المبلغ، ثم قالوا لنا إنهم لا يستطيعون العيش بدون البترول المصرى، لذا وقعت اتفاقية منفصلة اختصت إسرائيل بثلاثة استثناءات ولكنها لا تضر بمصلحة مصر وهى السعر حيث تم تحديد السعر بسعر روتردام يوم التسليم، فى حين كنا نبيع البترول بمزايدات تقام فى أكتوبر ونوفمبر من كل عام، كما أننا لم نكن نبيع البترول للحكومات لكن تم استثناء إسرائيل، الاستثناء الثالث هو أننا كنا نبيع 100 ألف برميل فقط وأعطيناهم 2 مليون برميل. أما قصة تصدير الغاز فهى مختلفة وأعتقد أن بها خللاً لا أفهمه، وإن كان لدى إحساس بأن إسرائيل كانت تشترى الغاز بسعر أكبر مما يعلن عنه وأن الفرق كان يذهب إلى جيوب السماسرة، فقد سمعت أن إسرائيل تدفع سعراً معقولاً.
■ الأستاذ هيكل قال إن اتفاقية الغاز ألحقت بكامب ديفيد فهل يوجد سوابق مشابهة فى العلاقات الدولية؟
- لا يوجد شىء اسمه اتفاقية ألحقت بأخرى، أثناء عقد الاتفاقية يتم الإشارة للقانون الدولى وقواعد الأمم المتحدة وحقوق الإنسان، ومن الممكن الإشارة إلى اتفاقية سبق إبرامها مع هذا الطرف، ولكن لا يوجد ما يسمى أن الاتفاقية ألحقت بها وبالتالى أصبحت جزءاً منها.
يجب ملاحظة أن هذه الاتفاقية لم تعرض على مجلس الشعب بدعوى أنها أسرار حساسة، رغم أنه يجب أن يعرض أى التزام مالى دولى على مجلس الشعب، هم فعلوا نفس الأمر مع اتفاقية الكويز التى قالوا عنها إنها بروتوكول والبروتوكول لا يعرض على مجلس الشعب، وإن كنت أرى أنها لو «كمبيالة» كان يجب أن تعرض على مجلس الشعب.
■ هل تؤيد فسخ اتفاقية تصدير الغاز لإسرائيل أم تعديل بند السعر؟
- أنا بالتأكيد معترض على السعر المجحف لمصر ولا أجد مبرراً له ولكن أنا فى المقابل أرى أن تصدير الغاز لإسرائيل يصب فى مصلحة الأمن القومى المصرى.
■ لماذا؟
- لأنه طبقاً لمدرسة الرئيس الراحل أنور السادات فى السلام، فإنه بدلاً من الدخول فى حروب طويلة مع إسرائيل، وخسارة الرأى العام العالمى من الأفضل أن نحل مشكلاتنا مع إسرائيل بشكل مباشر ودون وساطة أمريكا بالدخول فى علاقات تجارية مع «تل أبيب» تربطها بمصالح معنا وبالتالى لا تفكر فى الاعتداء علينا خوفاً على مصالحها فحالة العداء التى استمرت لسنوات طويلة بين فرنسا وألمانيا على سبيل المثال لم تحل إلا بفتح علاقات تجارية ومصالح مشتركة بين البلدين، فالسياسة شىء والعاطفة شىء آخر
الدكتور محمد محسوب :تصدير الغاز لإسرائيل «خيانة عظمى».. واللجوء للتحكيم الدولى فى صالح مصر
أكد الدكتور محمد محسوب، المحكم الدولى، عميد كلية حقوق جامعة المنوفية، أمين المجموعة المصرية لاسترداد ثروة الشعب المصرى، أن اتفاقية تصدير الغاز ينطبق عليها «وقوع غبن على الطرف المصرى» وهو ما يوجب، وفقاً للقانون الدولى، تعديل بعض البنود أو تعليق الاتفاقية أو فسخها إذا ما لم تمتثل إسرائيل لتعديل البنود المجحفة لمصر فى الاتفاقية، والأهم أنه أكد أن الوضع القانونى لصالح مصر تماماً فى هذه القضية، وهو ما يضع علامات استفهام على استمرار ضخ الغاز لإسرائيل من قبل حكومة الدكتور شرف «حكومة الثورة».. وإلى نص الحوار..
■ هل يمكن قبول الثورة كمبرر قانونى لفسخ اتفاقية تصدير الغاز لإسرائيل؟
- إذا كان هناك غبن وقع على أحد أطراف الاتفاقية يمكن التدخل من جانب واحد بفسخ العقد، هذا لو تحدثنا عن علاقات طبيعية بين دولتين واتفاقية بأسعار طبيعية وحدثت تغيرات خارجية فى العلاقات الدولية أو وضع اقتصادى ترتب عليه وقوع «غبن» على دولة ما فمن حقها أن تطالب بتعديل الاتفاقية بما يعيد التوازن الاقتصادى، فالاتفاقية عقد وما يحكم العقود بين الأطراف هو التوازن الاقتصادى للعقد، وأن يأخذ كل طرف من الطرف الآخر قدر ما يعطى، وهو ما يسمى «توازن الأداءات المقابلة»، لكن لو حدث اختلاف جوهرى يصل إلى حد الغبن يمكن للطرف الذى يشعر بالضرر أن يوقف التنفيذ من جانب واحد.
■ الاختلاف الجوهرى والغبن كلمات مطاطية.. هل يمكن إثباتها بسهولة أمام التحكيم الدولى؟
- الاختلاف الجوهرى وفقاً للعرف الدولى يصل إلى نسبة الخمس، بمعنى أنه لو أعطيتك منتجاً أقل من سعره بنسبة 20٪ يدخل ذلك تحت بند الغبن الناتج عن طيش شخص أو مجموعة، ونوع من الاستغلال، فقد استغل وضع مصر الضعيف فى عهد مبارك لوضع أسعار غير منطقية فى الاتفاقية، لذا الدولة المصرية وفقا لمبادئ وتشريعات القانون الدولى والعدالة والقانون الطبيعى لها الحق فى إعادة النظر فى أسعار الاتفاقية لإعادة التوازن الاقتصادى داخل الاتفاقية أى البيع بسعر السوق وهو حوالى 6 دولارات.
■ ما الخطوة القانونية التى يجب اتخاذها الآن؟
- تعليق الاتفاقية من طرف مصر لحين إعادة التفاوض بما يحقق التوازن الاقتصادى للاتفاقية بين الطرفين.
■ وماذا لو قررنا فسخ الاتفاقية برمتها؟
- لو فسخنا الاتفاقية دون أى مبرر سنخسر التحكيم الدولى، ولكن لو قلنا سنعلق الاتفاقية لحين رد العقد إلى طبيعته لأن العقد معيب وبه خلل ونحن نريد تصحيحه وفقاً للمعايير الدولية فهذا مقبول، وأنا رأيى أن تعلق مصر الاتفاقية لحين التفاوض على السعر، وتلجأ هى إلى التحكيم الدولى أولاً.
■ إذا كان الوضع القانونى فى صالحنا بماذا تفسر موقف حكومة الدكتور شرف التى أعادت ضخ الغاز لإسرائيل قبل التفاوض على السعر؟
- الفترة الانتقالية فى مصر هى امتداد للنظام السابق وليست بداية لدولة الثورة المصرية، لأن رجال النظام السابق هم المتقلدون للمناصب القيادية، نحن فقط أحللنا الجيل الثانى محل الجيل الأول الموجود فى السجن، هم يقدمون ذات السياسات، وكل منهم شارك فى ذات العمل بتبرير ذهنى داخلى، وكل من يتحدثون فى الاقتصاد أو المالية على سبيل المثال يطرحون نفس الحلول فى الأزمات التى كانت تطرح من قبل، عندنا أزمة اقتصادية فوراً يتم الاتفاق على الاقتراض من الخارج والتبرير هو أنهم يقترضون بفائدة أقل من التى كان يقترض بها النظام السابق، وهم فى ذهنهم فقط أن الاقتراض لحل الأزمة الاقتصادية وليس فى ذهنهم أى حلول أخرى، لأنهم أبناء النظام السابق وسياساته القائمة على التبعية الاقتصادية، أما فى مجال الغاز فهم يروجون لفكرة ارتباطها بكامب ديفيد مما يعكس أنهم لم يقرأوا الاتفاقية، معتقدين أن ذلك التزام على عاتق الدولة وهو ليس كذلك، ليبرروا أنهم مضطرون للتصدير.. هذه الاتفاقية لا تتعلق بالعلاقات الدولية ولا بالأمن القومى المصرى ويجب أن نخلع عنها ثوبها السياسى فهى قضية اقتصادية فى الأساس.
■ هل تخضع المحاكم الدولية لضغوط سياسية؟
- نعم بالطبع.
■ هذا يعنى أنه من الممكن أن أمريكا تتدخل لصالح إسرائيل إذا ما لجأنا للتحكيم الدولى؟
- هذا وارد ولا يجب إهمال أى احتمال ولكن فى المقابل لابد أن نضع فى الاعتبار أن وضع مصر الدولى الآن تغير بعد ثورة يناير، وأمريكا الآن تشترى الصداقة المصرية.
■ ولكن لن تشترى مصلحة مصر على حساب مصلحة إسرائيل؟
- لو الأمر متعلق بالمال ستغض الطرف، مادامت المسألة لا تمس أمن إسرائيل.
■ وماذا عن القول بخطورة تعليق العقد على السمعة الدولية لمصر؟
- الحقيقة أنهم يضعون القضية فى إطار سياسى ليقولوا هذا الكلام، هذه الاتفاقية ليست سياسية إنما هى اقتصادية بامتياز، والاتفاقية الاقتصادية يجب أن تحقق امتيازات اقتصادية للطرفين، وهذه الاتفاقية لا تحقق أى امتيازات اقتصادية للدولة المصرية بالعكس هى تحمّل الدولة المصرية أعباء اقتصادية.
■ اللواء عمر سليمان قال فى التحقيقات إن الرئيس السابق تفاوض مع إسرائيل لاستبدال الغاز بالبترول فهل يحق قانوناً لرئيس الجمهورية أن يقوم بهذا الإجراء؟
- لا بالطبع.. أولاً لأن اتفاقية كامب ديفيد هى استثناء فى العلاقة مع الدولة الصهيونية، وبالتالى هذا الاستثناء عند تفسيره يجب تفسيره تفسيراً ضيقاً، الاتفاقية دخلت حيز النفاذ بعد التصديق عليها من البرلمان المصرى، وبالتالى أى تعديلات عليها بالتفسير الواسع بأن أحل منتجاً بمنتج آخر، أو نوعاً من العلاقة بنوع آخر، يحتاج إلى تدخل من ممثلى الشعب المصرى.
■ أكد الأستاذ هيكل أن لديه مذكرة تفاهم وقعت من الحكومتين المصرية والإسرائيلية تربط اتفاقية تصدير الغاز بمعاهدة السلام.. ما مدى قانونية هذه المذكرة؟
- هذه الاتفاقية غير مرتبطة باتفاقية السلام، فأثناء توقيع اتفاقية كامب ديفيد عام 1979 لم تكن مصر دولة منتجة للغاز آنذاك.. ولم تكن واعدة فيه، وبالتالى الربط بينها وبين اتفاقية كامب ديفيد «كلام هرطقة»، الاتفاقية وقعت عام 2005 وألزمت مصر بأن تصدر لإسرائيل حوالى 1.7 مليار متر مكعب سنويا من الغاز لمدة 20 سنة، وهى مدة طويلة جداً، خاصة مع تثبيت السعر دون ملاحظة التغييرات الدولية، حيث إن السعر يتراوح بين 70 سنتاً وواحد ونصف دولار للمليون وحدة حرارية، وما يدعو للدهشة أن تكلفة إنتاج المليون وحدة حرارية 2.65 دولار أى أن التكلفة أعلى من ضعف ثمن البيع، النكتة الثالثة أن شركة الغاز الإسرائيلية حصلت على إعفاء ضريبى من الحكومة لمدة ثلاث سنوات من 2005 إلى 2008، والمسكوت عنه فى قضية تصدير الغاز هو أنه تم تكليف شركة غاز شرق المتوسط بمد خط الغاز للكيان الصهيونى بطول 100 كيلومتر من العريش لنقطة عسقلان على البحر المتوسط جنوب فلسطين، وهى شركة مملوكة لأربعة شركاء هم حسين سالم ومجموعة ميرهاف الإسرائيلية وشركة أمريكية إسرائيلية، وشركة «بى تى تى» التايلاندية المملوكة لرجل أعمال أمريكى -يهودى يدعى سام زل.. وهذا هو الجزء الأكثر سواداً فى الاتفاقية تعدد جنسيات الشركاء.
■ هناك مبرر وهو أن اعتبارات الأمن القومى المصرى تقتضى دائماً ربط إسرائيل بمصالح مشتركة مع مصر فما تعليقك؟
- هذا كلام فاضى.. وهذا ما طرح عندما قدمت طلبات الإحاطة عام 2010 بشأن هذه الاتفاقية، وهو نفس ما يتم طرحه الآن من أعوان وأنصار النظام السابق استكمالا لدعايات النظام السابق، أن الاتفاقية مرتبطة بكامب ديفيد، وأنها لصالح الأمن القومى وغيرها.
■ وما رأيك فى الاستناد إلى موافقة «الأمن القومى» على الاتفاقية؟
- هذا أمن الفساد المصرى! هذه الاتفاقية واضح فيها العوار لأنها أبرمت بمعرفة طبقة فاسدة مع الكيان الصهيونى، ولا علاقة لها بكامب ديفيد أو بالأمن القومى المصرى، إسرائيل كانت ستقبل بالسعر العالمى لو عرض عليها، لأنها فى حاجة إلى الغاز الذى ينقل بأقل تكلفة، أى دون أن تتكلف أعباء مضاعفة مثل تكلفة النقل بالسفن والمخاطر التى يمكن أن تتعرض لها الشحنات، بالإضافة إلى أن الغاز المصرى غاز مميز وليس درجة ثانية.
ولكنها حصلت على الغاز بهذا السعر لوجود العمولات التى كانت تدفع من تحت الترابيزة، وأصحاب العمولات يحاولون ربط الاتفاقية بالأمن القومى المصرى والتزامات مصر تجاه كامب ديفيد للتغطية على فسادهم.
■ يرى البعض أن الاتفاقية قد يشوبها الفساد وليس الخيانة؟
- لا أتفق مع هذا الرأى.. فعلى العكس تماماً هذه الاتفاقية نموذج للفساد الذى يصل إلى حد الخيانة العظمى، فإسرائيل «عدو» حتى مع وجود اتفاقية سلام، فهى على الأقل عدو محتمل ومنافس لمصر فى المنطقة، ويوجد نوع من التزاحم على النفوذ فى المنطقة، فكيف لمصر أن تدعمها بالغاز الطبيعى الذى يعد ملكاً لهذا الشعب. بل وأقل من التكلفة، هذا يعد نوعاً من المساعدة والدعم الواضحين للكيان الصهيونى، ولو فرض أن الاتفاقية تلزم مصر بنص صريح بتصدير الغاز، فهل تلزمها بتصديره بأقل من سعر التكلفة؟ الاتفاقية يختلط فيها الفساد بالخيانة.
باختصار هذه الاتفاقية ضد الأمن القومى المصرى فنحن ندعم منافساً إقليمياً، والأمن القومى المصرى مقتضاياته تتطلب عدم تصدير أى منتج لمنافس إقليمى. إضافة إلى كونه أقل من تكلفته.
■ إلى أى مدى تلزمنا معاهدة السلام بالتعاون الاقتصادى مع إسرائيل؟
- يوجد إلزام بنوع من التعاون الاقتصادى دون تحديد لنوعية المنتجات التى أصدرها إلى إسرائيل، يعنى من الممكن أن أصدر لإسرائيل «أقلام رصاص أو أساتيك»، بدلاً من تصدير الغاز والبترول، ما أقصده أن الاتفاقية لم تلزمنا بنوعية ولا بكمية.
■ قلت قبل ذلك إن الاتفاقيات الثنائية كاتفاقية الغاز يمكن تعديل بعض بنودها بعكس الاتفاقيات الدولية.. فهل بهذا المنطق يسهل تعديل معاهدة السلام بيننا وبين إسرائيل؟
- مشكلة معاهدة السلام ليست فى ثنائيتها، إنما المشكلة فى الطرف الضامن وهو الولايات المتحدة الأمريكية، فبالرغم من كونها اتفاقية ثنائية فإنها أصبحت وكأنها متعددة الأطراف، ورغم أن الولايات المتحدة تبدو وكأنها فقط ضامن لا علاقة لها بالاتفاقية فإنها فى الحقيقة لها مصلحة فى استمرار الاتفاقية، ولكن مصالح الولايات المتحدة تتغير بتغير الظروف، فمصالح الولايات المتحدة تقتضى تعديل هذه الاتفاقية، والظروف الدولية مواتية لتعديل كامب ديفيد مثل إعادة انتشار القوات فى سيناء، فالأوضاع المستجدة فى غزة تجعل الجانب الأمريكى ذاته يرغب فى تعديل هذا البند، لأنه كان يريد محاصرة غزة أكثر ويمنع عمليات تسليح حماس، وهنا لا أقول بإلغاء معاهدة السلام فنحن لا نريد للدولة المصرية الجديدة أن تستنفد قواها فى مواجهات، فنحن نريد استغلال قواها فى البناء والتنمية حتى تصبح دولة كبيرة لها تأثير فى تغيير موازين القوى، ففى العلاقات الدولية لا يوجد شىء اسمه اتفاقيات إنما يوجد ما يسمى بموازين القوى، الاتفاقيات دائماً تعبر عن موازين القوى واتفاقية كامب ديفيد تعبر عن موازين قوى مختلة ضد المصالح المصرية، وعندما تتغير موازين القوى يجب الاستفادة من ذلك لتعديل بعض قواعد الاتفاقية وليس الفسخ.
■ ولكن بعض مرشحى الرئاسة يغازلون الشارع المصرى بأنهم سيلغون الاتفاقية إذا أراد الشعب ذلك؟
- الكلام عن وقف الاتفاقية أو تعطيلها أو طرحها على استفتاء شعبى يتناقض مع الالتزامات الدولية، ولن نستطيع الدفاع عن موقفنا لا من الجانب القانونى، ولا من باب موازين القوى.
■ هل نستطيع تعديل بند البترول؟
- يفترض أن الاتفاقية تنص على تصدير ما يفيض عن حاجتنا، مصر فى السابق لم تكن فى حاجة إلى البترول لأنها كانت تنتقل من الإنتاج والصناعة إلى صناعة التجميع، فنحن كنا فى حاجة فى ظل السياسات السابقة إلى البنية التحتية للتخديم على السياحة، ولم يكن الهدف تحويل مصر إلى دولة صناعية، بل كانوا يتخلصون من الوحدات الإنتاجية، الآن الوضع مختلف إذا كنا نتحدث عن التصريحات التى يدلى بها رئيس الوزراء بأننا نريد استغلال 24٪ من مساحة الدولة المصرية، والمشروعات المطروحة مثل ممر التنمية أو إعادة الوحدات الإنتاجية والتوسع فى عملية تدخل الدولة فى الصناعات والإنتاج الاستراتيجى، كل هذا سيقتضى القيام بعملية إنهاض واسعة جداً، وبالتالى سنحتاج البترول بالكامل، بل نحتاج أيضاً إلى الطاقة البديلة لأن البترول وحده لن يكفى فى مواجهة المتطلبات، هنا لدينا عذر ولنقل لهم نحن ملتزمون بالتصدير إذا ما حدث فائض.
■ هل يجب أن نمنع تصدير البترول لأى دولة حتى لا نخسر التحكيم الدولى إذا أوقفنا تصديره لإسرائيل؟
- إذا قامت الدولة المصرية بالجهد المطلوب منها لن تصدر ولا نقطة بترول، ووقتها سنتجه إلى الصناعة وتصدير منتجاتها، ومن الممكن أن أتحايل على الوضع بتصدير البترول فى مقابل الحصول على منتج آخر غير متوافر لدى إسرائيل، أى لو تم التصدير كسداد لمديونية شراء منتج آخر ما المانع، وليكن مركزاً للأبحاث النووية مثلاً ووقتها سيكون التصدير سداداً لثمن منتج استراتيجى.
■ لنعد إلى معاهدة السلام المصرية ما رأيك فى تصريح بعض مرشحى الرئاسة باستعدادهم لإلغائها إذا أراد الشعب ذلك؟
- لماذا تلغى إذا كانت حققت لى مكاسب ضخمة أولها انسحاب إسرائيل من 60 ألف كيلومتر مربع، وتفكيك كل المستوطنات فى سيناء، وعودة كل حقول البترول الموجودة فى سيناء لمصر وبدء التنمية والاستثمارات فى مصر بعد أن كان يخصص جزء كبير من الدخل القومى للمجهود الحربى.. أرجوا عند التحدث عن هذه الملفات أن تؤخذ مصلحة مصر فى الاعتبار الأول.
■ على الأقل هل يمكن إعادة التفاوض حول بعض بنود اتفاقية السلام؟
- البند الرابع من المادة الرابعة من معاهدة السلام ينص على «يتم بناء على طلب أحد الطرفين إعادة النظر فى الترتيبات الأمنية المنصوص عليها فى المعاهدة وتعديلها باتفاق الطرفين». إذن الأمر ممكن ولكن بالجلوس إلى مائدة المفاوضات.
■ وماذا عن تعديل بند العلاقات الاقتصادية؟
- الملحق الثالث من معاهدة السلام ينص على إقامة علاقات اقتصادية طبيعية من الأطراف، ووفقاً لهذا فقد اتفق على أن هذه العلاقات سوف تشمل مبيعات تجارية عادية من البترول من مصر إلى إسرائيل وأن يكون من حق إسرائيل التقدم بعطاءات لشراء البترول المصرى الذى لا تحتاجه مصر لاستهلاكها المحلى، وأن تنظر مصر والشركات التى لها حق استثمار بترولها فى العطاءات المقدمة من إسرائيل على نفس الأسس والشروط المطبقة على مقدمى العطاءات الآخرين لهذا البترول.