يتهاوى حيوان أليف ويلحقه الثاني والثالث ضحية تجارب مساحيق التجميل، التي تجريها شركات مستحضرات التجميل العالمية، من أجل دفع النساء نحو مزيد من الجمال، بأدوات تجميل تبدّل ملامحهن.
تخفي الهالات السوداء وأي علامات للأرق والتجاعيد، في المقابل تخضع الحيوانات إلى مراحل من الآلام الجسدية، إثر التعرض شبه الدائم إلى المواد الكيميائية الضارة، وحتى تقرر الشركات إطلاق سراح منتج تنتهي حياة آلاف الحيوانات.
الأرانب والفئران والكلاب تُلطخ رموشها بالماسكارا ووجنتاها بالبودرة، فيتخدل الجلد وتحمر العينان تأثرًا بمركبات كيميائية، حتى تُقتل في النهاية وينتهي مصيرها، أما المكياج فينطلق إلى خزائن النساء ليصبح إحدى أدواتها الأكثر قُربًا إلى قلبها، دون أن تعلم بكم المعاناة التي تقضيها الحيوانات طوال سنوات، وهو ما أزعج الفنانة منى هلا، منذ أيام، فكشفت رفضها شراء أي منتجات ترتكز قوانينها على مثل هذه التجارب القاسية، شأن المُهتمين بحقوق الحيوانات عالميًا والنباتيين.
وتطورت التجارب في عنفها، وباتت تشمل الأرانب بأعداد تفوق النوعين السابقين، ما أثار تعاطف الرافضين لهذه التجارب بكثافة تجاه الحيوانات البيضاء بفروها الأنيق، بعد وضوح تفاصيل حياة الأرانب المأسورة بأقفاص التجارب، من الحبس وفقدان حريتها والتعرّض للضوء الشديد الذي يتعارض مع حبها للعيش بالجحور، حسب موقع «Humane Society International».
في الأربعينيات من القرن الماضي توسّعت التجارب، وظهر اختبار عُرف بـ«دريز»، ويهدف إلى اكتشاف مدى سمية المنتجات قبل إدخالها بالصناعات التجميلية.
وكي تثبت صلاحية الاختبارات لابد من تجريد الأرانب من الفراء وتكبيل اليدين والساقين بقوة، وتستمر التجارب مدة 14 يومًا، حتى تظهر النتائج النهائية، التي تصيب الأرانب بقرح في العين أو الجسد وتأتي بعض الأحيان بالتورم أو النزيف بل وقد تصل بنتائجها إلى العمى، إثر حقن المنتجات بجفن العين.
قسوة اختبار «دريز»، الذي أطلقه اثنان من اختصاصيّ السموم بمؤسسة الغذاء والدواء الفيدرالية بالولايات المتحدة الأمريكية، جون إتش درايز وجاكوب إم، أثارت الجدل بعد تسرّب تفاصيل التجارب وتأثيرها السلبي، وتمكنت صور الحيوان من تحطيم قلوب المُهتمين بالحيوانات لذا تبدّلت الأوضاع.
واقتصرت التجارب على حقن الحيوانات بالمواد المخدرة أولًا لتجنب الألم، والابتعاد تمامًا عن تجارب أي مواد كيميائية ضارة على طريقة «دريز»، ما يقلص حجم الأضرار، وفي السنوات الأخيرة ابتعدت المؤسسات عن إخضاع الأرانب للاختبار بفعل عنف النتائج.
لكن لماذا الأرانب تحديدًا؟.. يفسر الموقع السبب، لافتًا إلى أن صغر حجمها وتكاثرها بكثافة في مقدمة الأسباب المُحفزة على اختيارها، كما أنها لا تُحدث شغبًا خلال تلقيها العينات الاختبارية، فتثبت بلطف، ومن الناحية الطبية يوضح أن أعين الأرانب لا تذرف الدموع عند التجارب، على عكس الإنسان، لذا تتحمل العين التجارب أكثر من مرة.
تحديّات الدُول في وجه التجارب الحيوانية
بمرور الوقت ومع تنامي المطالب العالمية بحماية حقوق الحيوان، ودعم المستهلكين عالميًا لمستحضرات التجميل الخالية من التجارب، خاصة بالـ25 عامًا الماضية، بات على الدُول وضع حد للانتهاكات الحيوانية، إذ إن هناك 115 حيوانًا يخضع للتجارب سنويًا.
وكانت ولاية كاليفورنيا الأمريكية أول الدُول المُطالبة باستخدام اختبارات سلامة المنتجات بعيدًا عن الحيوانات، واللجوء للتجارب الحيوانية فقط بالحالات القصوى مثل صناعة الدواء، وبعد أعوام انضمت إليها ولايتا نيو جيرسي ونيويورك، 2007-2008، وفقًا لموقع «هافنجتون بوست» الأمريكي.
من هنا بدأت الدُول تنتفض بالتحرر التدريجي، فانضمت أوروبا إلى الولايات الأمريكية، في 11 مارس 2003، تم حظر الاتحاد الأوروبي بيع مستحضرات التجميل، التي تم اختبارها على الحيوانات.
وتبعتها الهند في عام 2013، وفقًا للصحيفة الهندية «The Hindu»، لتصبح هي الدولة الآسيوية الأولى في القارة، التي تمنع الاختبارات الحيوانية بمجال التجميل، ومن يتجاهل القرار يواجه عقوبة 3-4 سنوات، وغرامة قدرها 500-10.000 روبية هندي.
بعد حملة دامت 9 أشهر، قادها طبيب يدعى فرانك ألاركون، وافق مجلس النواب البرازيلي في 2014 على مشروع قانون ينهي الاختبارات، لكن لا يزال قيد التصويت النهائي إلى الآن.
في فيتنام، أنهت الحكومة استخدام اختبار «دريز» لعين الأرنب بشركات التجميل، ثم بعدها بعام حظرت نيوزيلندا التجارب، وفي 2015 ظهر مشروع قانون لإنهاء تلك التجارب في الأرجنتين، ولا يزال مُعلقًا، وتملك روسيا مشروع قانون مماثلا، ولا يزال بانتظار النهاية ذاتها.
تجد الصين من أبرز الدُول، ليس في التصديق على المنع بل بدعم شركات التجميل على التجارب الحيوانية، حتى إنها غطاء للشركات العالمية التي تفر من قوانين المنع، تلك المؤسسات التي تنتج مستحضرات مُجربة على الحيوانات، عكس قوانين منطقتها الجغرافية، لذا يصدرونها للصين حتى يتم بيعها هناك، فهي تستقبل الواردات.
لكن بشكل رسمي، أنهت الصين في يونيو 2014 الاختبارات في أغلب شركات التجميل الصينية، ووفقًا لموقع «Humane Society International»، فإن جنوب إفريقيا قدّمت مشروع قانون مماثلا في 2017، وتستمر الدُول بتعاطفها مع الفكرة.
وبالنسبة لمصر، فبسؤال الدكتور محمود فتوح، رئيس اللجنة النقابية للصيادلة الحكوميين سابقًا، لفت إلى أن مثل تلك التجارب لا يتم إجراؤها في مصر، إذ تقلد شركات تصنيع مستحضرات التجميل طرق التصنيع العالمية، مستخدمة نفس المركبات التي تم إخضاعها للاختبارات من قِبلها.
لذا لا تحتاج إلى إعادة التجارب، موضحًا لـ«المصري اليوم» أنه في حالة تم التوصل إلى نتائج فعالة عالميًا دون ظهور تأثيرات سلبية للمستحضرات على الإنسان، لا تعاد التجارب مرة ثانية وتصبح مُعتمدة.
وأوضح أنه بصناعة الدواء في مصر يتم تقليد الأدوية العالمية بالطريقة ذاتها لمستحضرات التجميل، فلا تجارب حيوانية وسريرية بالدواء، والتي لفت إلى أنها تنقسم إلى مراحل، أولها؛ إجراء التجارب على الحيوانات ثم أفراد لا يعانون من أي مرض، لضمان تأثير الدواء بالجسم.
والمرحلة الثالثة، يتم تجربة الدواء على المرضى، وفي حالة كان علاجا لمرضى السكر، تأتي الشركات العالمية للأدوية بمرضى للسكر، حتى يُدرس تأثير العلاج، وأخيرًا مُراقبة نتائج العلاج بعد بيعه بالأسواق، من هنا يتم اعتماد العلاج بالسوق العالمية.
من الناحية الثانية، تعوّض بعض الدُول غياب الاختبارات، باستبدال المواد الضارة، التي تدخل في صناعة المستحضرات بالطبيعية النباتية أو مكونات تم دراستها واختبارها بالماضي. وأحلت اختبارات بديلة، مثل «ICE»، والمعروف بعين الدجاجة، بجمع الأعين بعد ذبح الدجاج للاستهلاك البشري، ويتم تجميعها من المسالخ وتثبيتها بإحكام على أن تكون القرنية بالجهة العليا، ثم وضع المركبات لقياس مدى سُميتها.
وحل اختبار «BCOP» أي «لا نفاذية القرنية»، بديل ثانٍ وهو اختبار يجرى على قرنية الأبقار، بعد ذبحها ليتناولها الإنسان، ويتم تجربة اختبارات على الأعين، من أجل تحديد مقدار تأثرها بالمواد، وما كانت ستتهيج أو تتآكل أم لا، ويقدّم العلماء البدائل باستمرار.
أبحثِ عن العلامة قبل شرائك المكياج
يظل التساؤل الأكثر إلحاحًا، كيف يمكن للمستهلك اكتشاف ما إن كان المنتج خضع للتجارب أم لا؟، فسواء يوافق أو يرفض استعماله، لابد من المعرفة قبل الشراء، لذا انطلقت فكرة «علامة الأرنب»، التي إن وجدتها فاعلم أن منتجك لم يمر بمرحلة التجارب الحيوانية على الإطلاق، لكن هناك علامات حقيقية للأرانب وأخرى زائفة، فأيهم الأصدق؟.
ثِق في ثلاثة فقط، والسبب هو أن هذه المؤسسات صاحبة علامات مُعترف بها عالميًا: مؤسسة بيتا الأمريكية غير الربحية، وتختار علامة الأرنب بأذنيه الوردية، تأسست 1980.
تنص سياستها على الإجابة على 8 أسئلة، من خلال موقعها الإلكتروني، والتوقيع على بيان ضمان مقدّم من المؤسسة، لا يخضع المنتج إلى الاختبارات أو المراقبة، فلا تلزم الشركات على تقديم عقد أو إقرار مكتوب أو مستندات. كما لا يحق للمؤسسة كشف خطوات الصناعة للمنتجات إلا بإذن قانوني يسمح لـ«بيتا» بالمراقبة.
مؤسسة «ليبينج باني» أي الأرنب القافز، وعلامتها تشبه الاسم، أرنب يستعد للقفز، تأسست 1996، وعلى عكس بيتا، فهي صارمة بقوانينها، وتحتاج إلى المستندات والإثباتات، وعلى الشركات تجديد عقودها مع المؤسسة سنويًا.
والثالثة غير الربحية «Choose Cruelty-Free»، أي اختر الخالية من القسوة، مقرها أستراليا، تلك المؤسسة التي تشدد عند الموافقة على منح علامتها، وهي عبارة عن أرنب يرقد على الأرض، فترغم الشركات أثناء وضعها بياناتها، وذكر المواد المستعملة، التوقيع على عقد إلزامي يضمن صحة هذه البيانات.
وبما أن الشركة لا تضم سوى موظف وعدد من المتطوعين، فهي لا تجري تحقيقات ومراجعات سنوية إلا إذا سمحت مواردها. ولا تزال هناك أصوات تنادي بضرورة التوقف عن إيذاء الحيوانات، خلال رحلة صناعة المستحضرات التجميلية، حتى إن كان من الصعب منعها فيما يتعلق بالدواء، في حين يراها الفريق الثاني، مُجرد تجارب بهدف إسعاد الإنسان.