في تغير تاريخى، صوّت أغلبية أعضاء مجلس النواب الأمريكى، الذي يسيطر عليه الديمقراطيون، في وقت متأخر من مساء أمس الأول، بالموافقة على لائحة اتهام الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، لينهى بذلك إجراءات المساءلة الخاصة بمجلس النواب، ومن ثم الانتقال إلى المرحلة التالية في مجلس الشيوخ الذي يهيمن عليه الجمهوريون، والذى سيتولى محاكمة ترامب وتحديد ما إذا كان ينبغى إدانته وعزله أم لا.
أخبار متعلقة
وسارع ترامب بالتنديد بالديمقراطيين في مجلس النواب، واعتبر أن إجراءات المساءلة هذه لا صلة لها بالقانون، وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، ستيفانى جريشام، إن ترامب واثق من أن مجلس الشيوخ سيبرّئه.
وبعد مناقشة استمرت قرابة يوم كامل حتى الساعات الأولى من صباح أمس، بدأ نواب الكونجرس التصويت على أول بند من بندى مساءلة ترامب، والمتعلق بإساءة استغلال السلطة، واستغرق التصويت 15 دقيقة، وبمجرد انتهاء هذا التصويت، انتقل المجلس إلى التصويت على بند عرقلة عمل الكونجرس الذي استغرق 5 دقائق.. وتمت الموافقة على بند إساءة استغلال السلطة بتأييد 230 صوتًا ومعارضة 197، بينما نال بند عرقلة عمل الكونجرس موافقة 229 ومعارضة 198، وبموافقة مجلس النواب الذي يقوده «الديمقراطيون» على بندى مساءلة ترامب، يصبح الطريق ممهدًا لمحاكمة قد تعقد الشهر المقبل في مجلس الشيوخ الذي يهيمن عليه «الجمهوريون»، والذى سيحدد ما إذا كان ينبغى إدانة ترامب وعزله من منصبه.
في سياق متصل، امتنعت رئيسة مجلس النواب الأمريكى، نانسى بيلوسى، عن التعقيب على سؤال الصحفيين بشأن موعد تسليم لائحة ملف مساءلة ترامب إلى مجلس الشيوخ، ونقلت صحيفة «ذا هيل» عنها قولها: «هذا قرار نتخذه بشكل جماعى كما اعتدنا دومًا»، ورغم ضغط الصحفيين عليها من أجل تحديد موعد تسليم الملف لمجلس الشيوخ، امتنعت «بيلوسى» عن إعلان موعد محدد، ما يحيط المسألة برمتها بالغموض، لأن بيلوسى والديمقراطيين يتشككون فيما إذا كان ترامب سيخضع لمحاكمة غير متحيزة في مجلس الشيوخ الذي يهيمن عليه الجمهوريون، خاصة بعد أن تحدث ميتش ماكونيل، زعيم الأغلبية الجمهورية الذي سيتولى قيادة العملية برمتها، عن محاكمة «سريعة» لترامب.. وفى هذا الصدد، قالت «بيلوسى» للصحفيين، أمس الأول: «نحن بحاجة إلى معرفة مآلات العملية في الشيوخ أولًا، قبل أن نعلن موعد تسليم الملف».
وتعقيبًا على تصويت مجلس النواب، قال البيت الأبيض، أمس، إنه واثق من أن مجلس الشيوخ سيبرئ ترامب في المحاكمة.
وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، ستيفانى جريشام، في بيان: «اليوم يمثل ذروة واحدة من أكثر الأحداث السياسية المخزية في تاريخ أمتنا»، وأضافت: «من دون الحصول على صوت جمهورى واحد ومن دون تقديم أي دليل على وقوع مخالفات، مرر الديمقراطيون بندى مساءلة الرئيس في مجلس النواب»، وأكدت «جريشام» أن ترامب مستعد للخطوات المقبلة، وأنه واثق من أن مجلس الشيوخ سيبرئه، و«سيعيد النظام والعدالة والإجراءات القانونية التي جرى تجاهلها خلال تحركات مجلس النواب».
من جانبه، قال ترامب- في لقاء جماهيرى في إطار حملة الدعائية الرامية لإعادة انتخابه في ولاية ميتشيجان، وبينما كان النواب منخرطين في التصويت على لائحة اتهامه- إن: «هذه المساءلة متحيزة ولا صلة لها بالقانون»، واعتبرها «مسيرة انتحار سياسى للحزب الديمقراطى». وعبّر ترامب خلال خطابه في الولاية التي كان لها دور في فوزه في انتخابات 2016، عن شعوره بالفخر لوقوف الجمهوريين في مجلس النواب متحدين في معارضة المساءلة، وكذلك اعتراض 3 من الديمقراطيين على مساءلته. واعتبر أن «بيلوسي» والديمقراطيين نالوا «علامة خزى أبدية»، مؤكدًا أن عشرات الملايين سيخرجون العام المقبل لإنهاء سيطرة الديمقراطيين على مجلس النواب والتصويت على «طرد بيلوسى من منصبها».
وعن الديمقراطيين، قال ترامب: «هم الذين يجب مساءلتهم.. كل واحد فيهم».
وبهذا التصويت، يصبح ترامب، الذي يهتم اهتماما كبيرا بصورته العامة، ثالث رئيس أمريكى يحال للمحاكمة في مجلس الشيوخ بغرض عزله.. أما الرئيسان اللذان سبقاه فهما آندرو جونسون في عام 1868 وبيل كلينتون عام 1998، وقد بُرئ كلاهما في مجلس الشيوخ، أما الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون الذي كان بصدد الخضوع لمحاكمة مماثلة فكان الوحيد الذي ترك منصبه من بين هؤلاء الرؤساء قبل التصويت على مساءلته في مجلس النواب.
ومع سعى ترامب لولاية ثانية العام المقبل، أحدث تحقيق المساءلة انقسامًا لدى الرأى العام الأمريكى، فأيد أغلب الناخبين الديمقراطيين الإجراء وعارضه الجمهوريون، وقال بارى لوديرميلك، العضو الجمهورى بمجلس النواب عن ولاية جورجيا، مساء أمس الأول، وقبل التصويت على مساءلة ترامب إن «محاكمة السيد المسيح كانت أكثر عدلًا من المعاملة التي تعرض لها ترامب». وأضاف: «عندما اتُهم السيد المسيح كذبًا بالخيانة، أعطاه بيلاطس البنطى (الحاكم الرومانى لمقاطعة يهودا الذي تولى محاكمة المسيح) الفرصة لمواجهة متهميه»، معتبرًا أن المسيح منح حقوقًا أكثر مما منحها الديمقراطيون له في هذه العملية.
ويقضى الدستور الأمريكى بإحالة قضية العزل إلى مجلس الشيوخ بعد موافقة مجلس النواب، وينص على أن «مجلس الشيوخ وحده المخوّل له إجراء المحاكمة في التهم الموجهة للمسؤولين».
وبحسب الدستور «يترأس جلسات محاكمة الرئيس الأمريكى رئيس القضاة، ولا تتم إدانته إلا بموافقة ثلثى الأعضاء الحاضرين» في مجلس الشيوخ.
ويحتاج عزل ترامب موافقة 67 عضوًا في مجلس الشيوخ، وهو ما يبدو صعبًا في ظل سيطرة الحزب الجمهورى، الذي ينتمى إليه ترامب، على 53 مقعدًا في المجلس من أصل 100 مقعد. وبافتراض أن أعضاء الحزب الديمقراطى البالغ عددهم 45 سيناتورًا قد صوتوا على إدانة ترامب، فإن تنفيذ العزل يحتاج على الأقل إلى موافقة 14 عضوًا من الحزب الجمهورى.
