جلستْ تبرد أظافرها وتنتظره، كان هدير أمواج البحر ورائحته يغريانها أن تمشى حافية القدمين ملتصقة بذراعه على الشاطئ في هذه الليلة الساحرة، يستنشقان الهواء ويعاودان الاقتراب من بعضهما، ربما ستغنى له كما كانت تفعل أول ارتباطهما.
قال إنه سيتجول بالمنطقة سريعا للتأكد من سلامة التنزه ليلا ثم يعود ليصطحبها، لا تريد أن تضيَّع الوقت فأيام مهمته محدودة ونصفها سيكون منشغلا بالعمل، أصرت أن تأتى معه لكسر روتين حياتهما.
ملت الانتظار وحيدة، كان قد خرج منذ أكثر من ساعة، تعاود تقليب قنوات التليفزيون لكنها لوهلة تسمع صوتا غريبا كأنه فرقعات قطع الخشب المشتعلة، نظرت تبحث عن مصدر الصوت، دهشت مما تراه، انفتح قطاع طولى في الجدار الفاصل بين حجرتهما وحجرة زميلة زوجها في العمل، كأنه شرخ يتسع على استحياء، تشاهده يتحول تدريجيا إلى سطح زجاجى، زجاج شفاف.
لا تصدق عينيها، كان منذ لحظة أسمنتا وطلاء فاخرا، شعرت بالخوف مما يحدث أمامها حتى إنها ذهبت بجواره تتحسسه بيديها غير مصدقة، انتابتها الحيرة لا تعرف ماذا يحدث!!
في الغرفة المجاورة لمحت بعضا من قطع الملابس مرمية على طرف الفراش، وزجاجة عطر ومرآة، عاودت تحسس الجدار متعجبة مما تراه، بحثت عنها لتسألها عما يحدث، وجدتها بعيدة تجلس في تراس الغرفة.
انتقى زوجها الغرفتين على البحر مباشرة وأصر أن تكون مجاورة لهما، دققت النظر فلم تر سوى ظهرها وجانب وجهها جهة اليمين، شعرت أن شفتيها تتحركان وكأنها تتحدث مع أحد، حريرية للغاية هذه الملابس التي ترتديها، بدت حركتها على المقعد كأنها تتمايل على لحن عذب، رأتها تقوم وتستند على حافة الشرفة بظهرها وإذا برجل يقف في مواجهتها ثم يضمها إليه بشغف، يقبلها بنهم قبلات متكررة ظمأى، يعانقها فرحا ويلتهم شفتيها متلذذا، يتحسس عنقها بملامحه في حين تزيح يداه الروب الذي ترتديه وتسقطه. رأت ذراعيها تعانق ظهره باشتهاء، تقبّل رقبته ويدها تستحوذ على رأسه من الخلف وتتخلل أصابعها شعره، تذوب معه في ضمة عشق صاخبة. انتبهت لملابس الرجل وشعره لكنها لم تتبينهما جيدا، شعرت أنهما يشبهان ملابس وشعر زوجها، بدا الضوء خافتا للغاية فلم تتيقن.
جفلت ثم شعرت بسخونة ترتفع في رأسها، لحظة وتحولت إلى نار تشتعل بكيانها كله، تتقدم من الجدار للغاية وهى ترتعش لعلها تراه جيدا، ثم تبتعد عنه لتذهب لنهاية الغرفة، ثم تعود، شاهدته يلملم شعرها الطويل بين يديه ويقبل جبينها عاشقا، أحاط خصرها بذراعه فبدت نظراتها إليه كأنها أرض ظمأى لغيث من السماء، قامت هي بتأليف الكلمات العذبة التي يهمس لها بها في أذنيها حيث لا تتمكن من السماع، رأت ذوبان ملامحها في وجهه وذوبانه في جسدها، لمحتها تشربُ من كأس بلورى ثم تتجه نحو فمه تهبه الشراب مغموسا بها، ربما تعمدت أن توقع نقطة أو اثنتين لترشفهما من فوق ذقنه وشفتيه.
كأن موجة ليلية هادرة خبطتها فأفقدتها توازنها، تهاوت على الأرض وهو يدس رأسه وأنفه وشفتيه بين نهديها، يضمهما إليه وكأنه يستقطر الفرح من الحياة ويمتص عذوبتها.
انتبهت لدقات خفيفة على باب غرفتها، ثم صارت أقوى حين لم تفتح، تحاملت على نفسها وذهبت نحو الباب، وجدت زوجها يقول: «تصورتك قد غفوتِ». نظرت سريعا نحو الجدار الفاصل بين حجرتهما وزميلته فوجدت طوبا ومحارا وطلاءً، تنظر إلى زوجها ثم تعاود النظر إلى الجدار مندهشة، ارتمت على صدره فشمّت لوهلة رائحة عطر حريرى، التقط أنفها رائحة البحر أيضا، عاودت النظر إلى الجدار المصمت الذي بين ثلاثتهم ولم تنطق.