أجلت الرئاسة اللبنانية، للمرة الثانية، الاستشارات النيابية التي كان من المقرر إجراؤها، أمس، إلى بعد غد الخميس الموافق 19 ديسمبر الجارى، لتكليف رئيس وزراء جديد لتشكيل الحكومة، بناء على طلب من رئيس الوزراء المستقيل، سعد الحريرى، الذي من المتوقع أن يتم تكليفه مجددًا برئاسة الحكومة، يأتى هذا التأجيل بعد عودة الهدوء إلى وسط العاصمة اللبنانية، بيروت، صباح أمس، إثر تجدد الاشتباكات العنيفة بين المتظاهرين، وعناصر مكافحة الشغب استمرت ساعات، ليل أمس الأول، قبل أن يتمكن الجيش اللبنانى من ضبط الأوضاع.
وأعلن حساب الرئاسة اللبنانية على موقع «تويتر» تأجيل الاستشارات النيابية الملزمة بتشكيل حكومة، وذكرت الرئاسة أن الحريرى طلب، في اتصال هاتفى مع الرئيس اللبنانى، ميشال عون، تأجيل الاستشارات «لمزيد من التشاور في موضوع تشكيل الحكومة الجديدة».
يأتى هذا وسط توقعات بإعادة تسمية الحريرى رئيسا للوزراء مجددا بعد استقالته، فيما يبدو أن الخلافات السياسية لا تزال تعرقل الاتفاق على رئاسة الحكومة المقبلة، إذ ينظر ساسة لبنانيون إلى الحريرى، وهو سياسى سنى حليف الغرب، على أنه المرشح الوحيد للمنصب، لكنه على خلاف مع حزب الله الشيعى المدعوم من إيران وحلفائها، ويحتاج عون إلى اختيار مرشح يحظى بأكبر دعم من نواب البرلمان البالغ عددهم 128 عضوا.
وعلى الرغم من أنه من غير الواضح كم عدد النواب الذين سيدعمون الحريرى، قالت مصادر سياسية إنه سيتم اختياره على الأرجح، باستثناء إذا حدثت أي مفاجأة في اللحظات الأخيرة. ويعارض المتظاهرون، الذين يطالبون بحكومة تكنوقراط مستقلة عن الطبقة السياسية، إعادة تسمية سعد الحريرى، الذي يبدو الأوفر حظًا، بعدما تعثّر التوافق على أسماء بديلة تم تداولها في الأسابيع الماضية.
وفشلت المحاولات السابقة للتوصل لاتفاق على مرشحين آخرين لمنصب رئيس الوزراء، وهو المنصب الذي يجب أن يشغله سنى بموجب نظام تقاسم السلطة الطائفى في لبنان، ويريد الحريرى تشكيل حكومة من الخبراء، تلبية لمطالب الشارع اللبنانى، ويقول إن تلك الحكومة ستكون لديها القدرة على التعامل مع الأزمة وجذب المساعدات الأجنبية، بينما يريد خصومه، من حزب الله وحركة أمل، حكومة خليط من الخبراء والسياسيين. وكان مصدر مقرب من الحريرى قال، في وقت سابق، لوكالة «رويترز» للأنباء: «يجب أن يكون واضحا لأى شخص يرشح الحريرى غدا أنه سيشكل حكومة خبراء فحسب».
وشهدت العاصمة اللبنانية، مساء أمس الأول، ليلة ثانية على التوالى من أعنف اشتباكات تشهدها شوارع بيروت منذ بدء الاحتجاجات في أكتوبر الماضى، وأطلقت قوات حفظ الأمن قنابل الغاز المسيل للدموع، وغطى دخان الغاز وسط العاصمة، بعد عودة المئات للتظاهر رغم حملة قوات الأمن العنيفة على احتجاجات الليلة السابقة، واشتباكات أدت إلى إصابة العشرات. وطاردت قوات الأمن، حتى ساعات متأخرة من مساء أمس الأول، محتجين قرب مبنى البرلمان اللبنانى، وحاول أنصار حركة «أمل» و«حزب الله» اقتحام ساحتى رياض الصلح والشهداء، وسط بيروت، وأفادت تقارير بإطلاق عيارات نارية بشكل كثيف إلا أن القوى الأمنية تصدت لهم، وهرعت حشود من الرجال والنساء بحثا عن ساتر وهم يهتفون: «ثورة ثورة»، وقام بعض المحتجين، بإلقاء عبوات الغاز مرة أخرى على شرطة مكافحة الشغب.
وقالت قوى الأمن الداخلى في تغريدة على «تويتر»، إنها استمرت بضبط النفس لمدة ساعة ونصف الساعة، وهى تتعرض للاعتداء بالحجارة والمفرقعات النارية، منها ما هو صنع يدوى وتحتوى على كرات صغيرة من قبل المندسين مما أدى إلى سقوط عدد من الجرحى في صفوفها، فأعطت الأوامر لعناصر مكافحة الشغب باستعمال القنابل المسيلة للدموع لإبعاد المعتدين، وأطلقت شرطة مكافحة الشغب وقوات الأمن، التي انتشرت مرة أخرى بأعداد كبيرة، مساء أمس الأول، مدافع المياه على المتظاهرين الذين ظلوا في الشوارع أثناء الليل، وقالت قوات الأمن الداخلى إنها طلبت من المتظاهرين على «تويتر» مغادرة الشوارع دون استجابة. ودفعت تلك الأحداث الجيش اللبنانى إلى التدخل، بعد أن هزت الاشتباكات منطقة تجارية في بيروت لساعات، حتى ساعة متأخرة من مساء أمس الأول، فقام جنود الجيش بإغلاق بعض الطرق.
وقال «الجيش» على «تويتر» إن وحداته عملت على دعم قوى الأمن الداخلى، في وسط بيروت، للحفاظ على الاستقرار ووقف التعديات، وتمكنت من إعادة الوضع إلى ما كان عليه، وأضاف الجيش أن «التدخل جاء نتيجة الفوضى العارمة التي شهدها وسط بيروت وتخللتها أعمال شغب، وتعد على الأملاك العامة والخاصة ورمى المفرقعات باتجاه القوى الأمنية».
وأفادت الوكالة الوطنية اللبنانية للإعلام، أمس، بقطع طريق عام مدينة حلبا وإغلاق المدارس الحكومية والخاصة بالمدينة. وقال الدفاع المدنى اللبنانى إنه عالج 46 شخصًا من إصابات ونقل 14 آخرين إلى مستشفيات.
وتعد تلك أعنف اضطرابات في بيروت خلال موجة تاريخية من الاحتجاجات التي اجتاحت لبنان منذ 17 أكتوبر الماضى ودفعت «الحريرى» للاستقالة من رئاسة الحكومة.