ربما يكون المطلوب الآن من الجزائر هو الانتقال السريع من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر، وبمعنى أوضح سوف يكون المطلوب هو الانتقال من جهاد العدو فى مرحلة انقضت، إلى جهاد النفس فى مرحلة حاضرة، ولاحقة، ومقبلة!.
أما لماذا الآن؟!.. فلأن البلاد انتخبت رئيسها الجديد عبد المجيد تبون، من بين خمسة من المرشحين، كان كل واحد منهم يتمنى أن يقود بلاده فى مرحلة ما بعد بوتفليقة، الذى تخلى عن الحكم على غير إرادته، فى الثانى من إبريل من هذا العام!
وقبل تخليه بأسابيع، وتحديداً فى ٢٢ فبراير، كانت المظاهرات قد خرجت تطوف الشوارع، ولا تزال.. كانت قبل خروجه من السباق تطالبه بالابتعاد عن المشهد، وفيما بعد ابتعاده راحت تطلب ابتعاد كل مسؤول كان على صلة سابقة مع نظامه!
وهذا مطلب صعب، وأكاد أقول إنه مطلب مستحيل، ولا بد من مراجعته على مستوى الشارع الجزائرى الغاضب، ليس فقط لأنه مطلب غير عملى، ولكن لأن الأخذ به معناه تفريغ الساحة السياسية وغير السياسية من مضمونها تماماً!
وقد واجهنا المعضلة نفسها فى القاهرة فيما بعد ٢٥ يناير، ووقع البلد أسير هوس اسمه ملاحقة كل الذين كانوا على صلة من صلات العمل مع نظام مبارك الحاكم!.. ولم يكن الذين انقادوا لمثل هذا الهوس ينتبهون إلى أن مبارك حكم ٣٠ سنة كاملة، وأنها فترة كافية جداً لأن تجعل كل شىء فى البلد على صلة به من نوع ما!.. كل شىء تقريباً!.
كانت هذه حقيقة قائمة، وكان الانقياد أمام دعوات المطاردة والملاحقة، بالمعنى السياسى لهما، يؤدى بالضرورة إلى فراغ كبير على كل مستوى فى الحياة العامة.. وهذا ما حدث.. وربما تكون الدولة قد انتبهت مؤخراً إلى خطورة ذلك على الحاضر والمستقبل معاً!.
وقد بلغ الهوس إياه حداً جعلنى فى مرحلة من مراحله، أدعو إلى الحذر من عواقبه، لأنه من الجائز أن يكون من بين هذه العواقب، مثلاً، سحب جائزة نوبل من الدكتور أحمد زويل يرحمه الله، لا لشىء، إلا لأنه حصل عليها فى أيام حسنى مبارك!.
ولا أحد بالطبع يملك حق إملاء شىء على الجزائريين، خصوصاً إذا كانوا شباباً ثائراً يجدد ثورته فى نهاية كل أسبوع.. فالجزائريون هُم أدرى الناس بصالح الجزائر.. ولكنهم مدعوون إلى شىء واحد فقط.. هذا الشىء هو استخلاص الدرس من تجارب ما يسمى بالربيع العربى حولهم.. والدرس المصرى سوف يبقى فى مقدمة المقدمات.. ومن المحتمل أن تكون هذه المعضلة الأكبر فى طريق الرئيس تبون!.