ليس كل معتصم فى التحرير يترك عمله ويقف وسط الميدان يهتف بمطالبه نهاراً وينام فى خيمته ليلاً، فكثير من معتصمى ميدان التحرير يعملون فى المكان نفسه الذى أعلنوا اعتصامهم فيه، فأغلب الباعة الجائلين المنتشرين فى الميدان شرقاً وغرباً هم معتصمون مع الثوار، لكنهم لم يتوقفوا عن العمل، نظراً لاحتياجهم للمال الذى ينفقون منه على أسرهم.
عبدالعظيم على شحاتة، بائع عرقسوس وتمر، يقدم خدمة فى الميدان طوال 24 ساعة، ترك عبدالعظيم ميدان الجيزة وانتقل إلى التحرير ليكون مشاركاً فى الاعتصام، وفى الوقت نفسه لا يتوقف عن العمل: «الناس هنا أكثر احتياجاً لمشروب يخفف عنها حرارة الشمس وكمان الرزق هنا أفضل والإقبال كتير، ومنها فائدتين مكسب وكمان أشارك فى الثورة وأدعم المعتصمين».
لا يختلف طارق سليم (32 سنة) مبيض محارة من بولاق الدكرور فى هدفه عن عبدالعظيم، حيث يؤكد أنه ترك زوجته وولديه ليقيم فى ميدان التحرير منذ بداية الثورة، ورغم أنه كان لا يعمل فى البداية فإنه فكر فى العمل لاحتياج أسرته إلى المال، فبدأ فى بيع زجاجات المياه المعدنية للمعتصمين، ويزداد رزقه يوم الجمعة من كل أسبوع حيث المليونيات التى يزدحم بها الميدان. أحد أفراد أسرة طارق يأتيه أسبوعياً ليأخذ المصروف لأن طارق لا يذهب إلى منزله إلا قليلاً.
محمد السيد (30 عاماً)، بائع ترمس من محافظة أسيوط، ترك مكانه على الكورنيش ووجد غايته وهدفه فى التحرير، حيث الاعتصام والعمل وسط هذا الجمع الغفير، خاصة يوم الجمعة من كل أسبوع.
محمد على (33 عاماً)، بائع كشرى من منطقة الخليفة، جاء ليشارك فى الاعتصام، بالإضافة إلى بيع الكشرى للمعتصمين، وإعلاناً منه بالتضامن معهم قرر أن يخفض سعر الكشرى ليبيعه بجنيه واحد فقط للمعتصمين: «تصنع زوجتى الكشرى فى البيت، وتحضره لى إحدى بناتى يومياً وأتولى بيعه للمعتصمين بأرخص من ثمنه الحقيقى، كما أننى أبيعه من غير فلوس لمن لا يملك مالاً.. كفاية إننا بنشارك فى حماية الثورة وتحقيق مطالبنا وهذا فخر لى».
لم يتوقف العمل فى الميدان على الرجال فقط بل كان للمرأة نصيب، حيث شاركت هبة محمد (24 سنة) من إمبابة فى الميدان كمعتصمة وعاملة. «هبة» أكدت أنها كانت تجلس فى منزلها قبل الثورة بلا عمل لأن زوجها كان يمنعها، لكن مشاركتها فى الاعتصام جعلتها تفكر فى بيع «كابات» تحمل شعار «الثورة أولاً» و«ارفع راسك فوق إنت مصرى».
سماح كمال (30 سنة) مطلقة ولديها ثلاثة أبناء تعتصم فى التحرير وتبيع فى الليل «شاى وقهوة»، وفى النهار عصائر ومثلجات: «أنا موجودة فى التحرير من قبل الثورة، وتحديداً أمام المجمع، حيث أبيع مشروبات للمارة ولموظفى المجمع، وبعد الثورة أصبحت جزءاً من المكان لأننى أشارك فى الاعتصام».