تمثل تجربة الاستفادة من خدمات مكاتب التوثيق والشهر العقارى غصة في حلق آلاف المواطنين، نظرًا لما تنطوى عليه من تماسٍ مباشر مع مفردات الروتين الحكومى المرهقة، ممزوجة بحالة من الازدحام، لاسيما في مكاتب التوثيق التي تخدم مناطق مرتفعة الكثافة السُكانية والأقاليم.
وخلال العامين الماضيين، تكرر الحديث عن منظومة التوثيق بشكل عام خاصة فيما يتعلق بتطوير وميكنة مكاتب الشهر العقارى، التابعة لوزارة العدل، لتقدم خدمات أكثر يسرًا ومُباشرة للمواطنين، ينشدونها من خلال شباك واحد وينتهون منها في غضون بضع دقائق، وبالرغم من رفع كفاءة عدد من المكاتب بالفعل، واعتلاء لافتات «الشهر العقارى المطور» واجهاتها، لاتزال بعض أمارات عهد إجراءات التوثيق المعقدة هناك، تتقدمها قوائم الانتظار المطولة.
وكان الدكتور على عبدالعال، رئيس مجلس النواب، شن هجوما عنيفا على مصلحة الشهر العقارى، واتهمها بأنها السبب في عدم تسجيل 95% من العقارات، وأمهل الحكومة 15 يوما لتقديم مشروع قانون جديد لفصل المصلحة عن الوزارة، وتحويلها إلى هيئة مستقلة، تحت إشراف وزارة التخطيط.
في هذا التحقيق رصدت «المصرى اليوم» عينة من فئات مكاتب التوثيق الثلاث: المميكن والمطور والاعتيادى مستطلعة مدى رضاء الجمهور عن الخدمات المقدمة.
بحُلول الساعة الثانية عشرة ظهرًا، كان مكتب توثيق مدينة نصر أول «المميكن والمُطوّر» بالحى السابع بمدينة نصر مكتظّا عن آخره بالمواطنين. يقع مكتب التوثيق في شقتين من الدور الأول بالعقار رقم 93 ش محمد عشماوى، وحتى لو لم تكُن تعرف العنوان، فزحام الجمهور خارج المكتب، وانتشار عدد من ماكينات تصوير المستندات في ساحته، ستدلك عليه.
على باب الشقة الأولى تستقبلك سلسلة من التنبيهات للمواطنين لتيسير حصولهم على الخدمة، أولها أن العميل الذي يفوته الرقم الخاص به ويتجاوز 5 أرقام بعده، يسقط حقه في عمل أي إجراء بالمكتب، وتشدد على ضرورة إحضار التوكيلات بنسخة رقمية مكتوبة على ملف بصيغة word على فلاشة أو CD، كما تؤكد «تجنُب الجدال» من جانب الجمهور واتباع تعليمات السادة الموثقين بإحضار ما يلزم من المستندات.
ورغم ميكنة المكتب مؤخرًا، قد يؤدى عطل في ماكينة الأرقام إلى تسجيل أرقام المواطنين يدويًا ببطاقة الرقم القومى والنداء عليهم بواسطة أحد الموظفين، في تمام الثانية عشرة، يُحذرك الموظف من الانتظار، يمكنك تسجيل اسمك، ولكن الأمر الأكثر احتمالية أنك لن تنتهى من معاملتك اليوم، بسبب طول كشف الانتظار، وينصحك بإعادة المُحاولة غدًا، ولكن في ساعة مبكرة.
بحسب مواطنة، رفضت ذكر اسمها، انتهت من عمل توكيل خاص بحلول الثانية عشرة والرُبع بصُحبة صديقة لها، تستغرق دورة العمل المميكنة في مكتب مدينة نصر أول نصف ساعة «لازم أولاً آجى سبعة الصبح آخد رقم، وروّحت ورجعت تانى الساعة 10».
ورغم أن «الشباك الواحد» أحد مفردات خدمات الحكومة المميكنة، تقول إن دورة العمل في مكتب التوثيق لاتزال كما كانت في السابق، رغم تقليص المُدة التي يتطلبها التوثيق «الأول بروح عند الموظف المختص، وبعدين موظف الخزنة، ثم مدير المكتب، ثم موظف الميكروفيلم، وارجع مرة تانية للموظف الأول»، من ناحية أخرى، رفع البصمات في المنظومة الجديدة مزدوج: مميكن وبالطريقة الاعتيادية.
يُعد مكتب توثيق مدينة نصر أول، واحدا من ثمانية وعشرين مكتب توثيق مميكن حول الجمهورية، بحسب الموقع الرسمى لوزارة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإدارى، إذ تعتبر «ميكنة مكاتب الشهر العقارى» واحدة من بنود برنامج تطوير الخدمات الحكومية، الهادف لرفع مستوى الخدمات المقدمة من مصلحة الشهر العقارى بما يحافظ على الملكيات والحقوق ويوثقها ويشجع بيئة الاستثمار.
يختلف الوضع قليلًا في منطقة المنيرة، التي تحتضن مكتبى توثيق الشهر العقارى المطور للسيدة زينب والخليفة، اللذين يمثلان فئة مكاتب التوثيق المطوّرة غير المميكنة، إذ يحتل المكتبان الطابق الأول كذلك بمجمع عقارات خدمية، وبالرغم من أن لافتة المكتبين تُقرأ «الشهر العقارى المُطور»، أما عن مسار الخدمات ومدى تأثرها بعمليات التطوير فيصف ممدوح حنفى، لـ«المصرى اليوم»، بعد أن أتم توثيق توكيل لأحد المحامين، أنها أصبحت أكثرًا يسرًا عن الماضى، وبالتحديد منذ عامين قائلًا: «من سنتين الدنيا كانت زحمة أكتر والمعاملات صعبة كان ممكن تقضى في المكتب نهار بحاله، دلوقتى ممكن تخلص في نص ساعة».
يتفق معه شعبان محمود، الذي قدم إلى مكتب توثيق الخليفة لتحرير توكيل إدارة سيارة، إذ يرى أن الخدمة أصبحت أكثرًا يسرًا، بالرغم من أنها استغرقت ما يصل لساعة كاملة فيقول: «تعاملت مع أكثر من موظف، وخزنة ومدير المكتب والميكروفيلم، لكن الخدمة أحسن من الأول كتير».
أما للحصول على لمحة من أحوال مكاتب الشهر العقارى التقليدية غير المطورة، توجه «المصرى اليوم» لميدان العباسية، حيث يقع مكتبا الشهر العقارى لمنطقتى حدائق القبة والوايلى، متقابلين في الدور الأول من عقار شهير، وفى باحة الانتظار ما بين المكتبين، تصعُب الحركة كما يصعب الانتظار رجوعًا لكثافة الجمهور، إذ يجلس بعضهم إلى دكة خشبية مخصصة لهذا الغرض بينما يقف آخرون مستندين على جدران الردهة، يتشابه المشهد كذلك مع الأجواء داخل مقر الشهر العقارى ذاته، فلا يوجد نظام إلكترونى لاستدعاء أرقام المواطنين، بل يتوجه طالب الخدمة بمجرد دخوله المكتب المزدحم إلى أحد الموظفين لتسجيل اسمه، قائمة الأسماء تخطت بالفعل المائة رقم، فيما يستدعى أحد الموظفين مواطنا بالنداء على رقمه بالكشف: «رقم 45».
في سياق متصل، أكدت وزارة العدل أنها لا تألو جهداً في تطوير خدمات التوثيق المقدمة للجمهور، لافتة إلى أنها أضافت 27 مكتبًا جديدًا للتوثيق خلال عام 2019، بالإضافة إلى رفع كفاءة عدد آخر من المكاتب المنتشرة على مستوى الجمهورية لتيسير الخدمة المقدمة للجمهور، فضلًا عن إبرام بروتوكول تعاون مع الهيئة العامة للبريد لتقديم خدمات التوثيق من خلال بعض مكاتبها المنتشرة في أنحاء الجمهورية، في ظل تزايد الطلب على تلك الخدمة وزيادة التعداد السكانى، حيث بلغت خدمات التوثيق المبرمة خلال عام 2018 (13.44) مليون معاملة تقريبًا.
وأضافت الوزارة أنها قامت بالإعلان عن مسابقة للنقل الداخلى بين قطاعات وأجهزة الدولة المختلفة للعمل بمصلحة الشهر العقارى والتوثيق، نقلًا من جهات عملهم الأصلية بدرجاتهم المالية، بعد موافقة رئيس مجلس الوزراء، مؤكدة أنه جار إتمام إجراءات نقل المقبولين منهم في أقرب وقت بعد الانتهاء من الإجراءات الخاصة، وذلك في سبيل إيجاد حلول لمجابهة الطلب المتزايد على خدمات التوثيق في ظل ما تعانيه مصلحة الشهر العقارى والتوثيق من عجز شديد في مختلف أنواع العمالة لاسيما الأعضاء الفنيين «الموثقين».