أكوام القمامة والباعة الجائلين واختفاء الشرطة والعشوائية، أبرز المشاهد التى تطالعك لدى زيارة مدينة حلوان، المدينة التى طالما كانت مهملة من قبل محافظى القاهرة السابقين ومسؤولى الحكومة على مر السنوات الماضية، باستثناء السنوات الثلاث التى تحولت فيها حلوان إلى محافظة مستقلة عن العاصمة فى 2008، حتى جاء قرار المجلس العسكرى منذ شهرين بإلغاء المحافظة وضمها إلى العاصمة من جديد، لتعود هذه المظاهر أسوأ من ذى قبل.
«المصرى اليوم» أجرت جولة لمدة 6 ساعات فى أحياء وشوارع وميادين حلوان التى انتشرت فيها الأسواق العشوائية والتعديات على أملاك الدولة والبناء على الأراضى الزراعية دون رقابة أو محاولة للتصدى لهذه التجاوزات. ففى شارعى المراغى ومنصور المطلين على محطة مترو حلوان، وجدنا حالة من الاختناق المرورى، فضلا عن عدم وجود مساحة لعبور المارة، خاصة على الرصيف المجاور للمحطة، حيث مئات الباعة الجائلين الذين افترشوا بضاعاتهم المختلفة على أرصفة الشارعين، مما أدى إلى غلق جميع الشوارع الرئيسية والفرعية وعدم السماح لمرور السيارات إلا بصعوبة شديدة، الأمر الذى امتد إلى داخل سور المحطة مروراً بشباك التذاكر ورصيف الانتظار دون ضابط من مسؤولى الحى أو مترو الأنفاق.
وأكد عدد من الأهالى تحول الحديقة المواجهة للمحطة ليلاً إلى مرتع للبلطجية وتجار ومدمنى المخدرات، خاصة مع اختفاء ضباط الشرطة والدوريات الأمنية، ما سبب لهم قلقاً شديداً على أبنائهم، واضطر بعضهم لمنع بناتهم من الخروج من المنزل بعد الساعة السادسة مساء تجنباً لتعرضهن لتحرشات من الخارجين على القانون، وأشار البعض الآخر إلى وقوع مشاجرات يومية بين البلطجية والباعة الجائلين بالمنطقة للحصول على إتاوة يومية تصل إلى 50 جنيهاً يدفعها البائع للبلطجى حتى لا يتعرض له أو لبضاعته بأذى.
ولا يختلف الحال كثيراً فى ميدان الشهداء الذى انتشرت على امتداده الأكشاك الخشبية غير المرخصة التى ظهرت مؤخراً، وتحولت أرض حديقة الميدان إلى مقر لبائعى العصائر والعرقسوس والبسبوسة والبليلة والشحاذين وأصحاب «المراجيح» ليتحول الميدان ليلاً وحتى ساعات الصباح الأولى إلى ما يشبه المولد.
أما أكوام القمامة والتعديات على الأراضى الزراعية ومخالفات التعليات لأدوار المنازل، فقد انتشرت فى أغلب المناطق والأحياء مثل منشية جمال عبدالناصر وكفر العلو وعرب أبودحروج وعزبة الوالدة وعرب غنيم وعلى امتداد طريق الكورنيش والمعصرة والتبين، ورصدت «المصرى اليوم» تراكم القمامة أمام مكتب صحة الأسرة بكفر العلو وأمام إدارة التبين التعليمية ومستشفى النصر للتأمين وعدد كبير من المدارس مثل مدرسة فؤاد عزيز غالى الابتدائية ومدرسة حلوان الثانوية ومدرسة السلام، ما أدى لانتشار الحشرات الضارة والروائح الكريهة.
وأكد عدد كبير من المواطنين بمختلف المناطق عدم قيام شركة النظافة برفع القمامة منذ شهور، ما أدى لتراكمها بالشوارع، وتحولت حديقة الفردوس بمنطقة مدينة الشمس إلى مرعى للأغنام، وأشار آخرون إلى توقف بعض المشاريع وانتشار العديد من السلبيات بعد قرار إلغاء المحافظة وما ترتب عليها من اختفاء الرقابة والمحاسبة، مثل تحول ترعة الخشاب، التى تمتد بطول 30 كيلو من كفر العلو حتى طرة إلى مقلب للقمامة بعد تغطيتها فى وقت سابق، وكان من المخطط تحويلها إلى مساحات خضراء أو مشروع خدمى عام، وأكد الأهالى أن مواطنى عرب كفر العلو وبعض المصانع يلقون المخلفات فى الترع المحيطة بالمنطقة.
وأثناء مرورنا بطريق مصانع الأسمنت بمنطقة كفر العلو، كان الغبار يعلو بكثافة فوق المدارس ومكتب الصحة، بعد رفع أصحاب المصانع فلاتر منع تسرب الغبار والدخان منها، وهو الأمر الذى أكده عدد من السكان القريبين من هذه المصانع، مشيرين إلى إصابتهم بالأمراض الصدرية والاختناقات نتيجة استنشاقهم الغبار يومياً.
وعلى طريق ترام حلوان الذى يبدأ من شارع عزام بمنطقة المساكن وينتهى فى مايو والتبين انتزعت كابلات الكهرباء وأعمدة الإنارة وألقيت على الطريق العام وعلى طريق الكورنيش الرئيسى، الأمر الذى فسره العديد من أهالى المنطقة بقيام عدد كبير من البلطجية والخارجين على القانون، نتيجة الغياب الأمنى، بربط أعمدة الإنارة بحبال ضخمة وانتزاعها عن طريق سيارات نقل، قبل أن يقوموا بحملها لتقطيعها وبيعها لتجار الخردة والروبابيكيا.
وقال الأهالى إن اقتلاع كابلات الكهرباء أدى إلى توقف عمل ترام حلوان تماماً، وتحولت القضبان إلى ساحة لبيع الخضر والفاكهة وتربية الأغنام والماعز، وأشاروا إلى أن اختفاء الأمن تسبب فى انتشار «التوك توك» بجميع الشوارع الرئيسية والأحياء حتى أصبح وسيلة المواصلات الرئيسية فى الوقت الحالى.
وتحول منتجع «هابى داى» الذى تكلف إنشاؤه ملايين الجنيهات، حسب قول الأهالى، إلى خرابة بعد أن كان فى يوم من الأيام مصدر دخل كبير للمحافظة، فمنذ أكثر من سنة استبدلت قاعات الأفراح وشاشات العرض السينمائى وحمامات السباحة والشاليهات بموقف سيارات هيئة نظافة وتجميل حلوان ومخزن للسيارات التالفة، ونفس الأمر فى «كابريتاج حلوان» والذى أصبح منطقة مهجورة يلجأ اليها الخارجون على القانون بعد أن كان من أشهر المناطق السياحية بحلوان.
من جانبه، أكد مصدر مسؤول بمحافظة القاهرة أن الغياب الامنى هو السبب الرئيسى فى تفشى جميع السلبيات السابقة، وأضاف أن انتشار الباعة الجائلين والتعدى على الأراضى الزراعية والبناء المخالف، لا يتم بسبب إهمال المسؤولين ولكن بعد ضياع هيبة الشرطة إثر أحداث الثورة، حيث أصبح من الصعب قيام أى من أفرادها بالتصدى للمخالفين، وهو ما جعلهم يتراجعون عن أداء دورهم لشعورهم بأنهم يعملون بمفردهم ولا يجدون المساندة الكافية من قبل المواطنين.
وأشار المصدر إلى ضرورة عودة هيبة الشرطة وتعاون المواطنين معها للتصدى للمخالفين والبلطجية وإعادة الثقة بين الشعب وأجهزة الأمن، وأكد أن مشكلة القمامة تتعلق بعدة نقاط منها، أن غياب الأمن ساعد على انتشار العربجية الذين يلقون حمولة عرباتهم من مخلفات البناء أمام أعين المسؤولين ولا يستطيع أحد التصدى لهم للأسباب السابقة، خاصة أنهم جميعاً يحملون معهم أسلحة بيضاء وآلية لمقاومة أى شخص يحاول مواجهتهم.
وقال إن السبب الثانى يتعلق بسلوكيات بعض المواطنين الذين يلقون القمامة فى غير الأماكن المخصصة لها، وضعف الرقابة على عمل شركات النظافة وعدم التزامها ببنود العقود المبرمة معها.