«مصدر إلهام فى كل مكان وزمان».. هكذا سيظل التاريخ ملهماً يحرك طاقات المبدعين فى جميع المجالات، وفى الوقت الذى يتم فيه عرض حلقات مسلسل «ممالك النار» الذى يسرد تاريخ العصر المملوكى فى مصر، أطلقت المصممة المصرية عزة فهمى «المجموعة المملوكية» كأحدث مجموعاتها من المجوهرات، والتى حاولت فيها أن تستعيد علاقتها القديمة بقمة عصر النهضة فى التاريخ الإسلامى «العصر المملوكى»، فاستوحت من فن هذا العصر تصميمات مجموعتها الجديدة، من الزخارف الموجودة على الحجر والرخام والخشب التى أبدعتها أيادى مصممين مجهولى الهوية منذ عدة قرون مضت لم تكن تتوقع أن تكون مصدراً ملهما لإبداع الحلى. «عزة» تقول لـ«أيقونة» إن هذا الإبداع يساهم ولو بقدر بسيط فى تعريف العالم والأجيال بهذا التراث الفنى العالمى المهدد بالخطر، وأنه فى أوائل السبعينيات كانت تذهب إلى ورشة فى منطقة خان الخليلى لتلقى الدروس الأولى فى كيفية صناعة الحلى،
وكانت تتأمل العمارة الإسلامية الموجودة بالمنطقة، وتشاهد منطقة النحاسين وتلك القبة الإسلامية الكبيرة التى تعلوها شرائط عريضة من الكتابات الإسلامية المنقوشة بالخط الكوفى والتى كانت تخص «السلطان المنصور قلاوون»، فبدأت تتساءل: لماذا لا تستخدم الكتابات والخط العربى فى الحلى التى ترغب فى تصنيعها كما استخدمها القدماء من قبل فى العمارة؟ وتضيف: «فى الثمانينيات قررت تصميم علامة تجارية لمنتجات عزة فهمى، كى تصبح الرمز المميز لمنتجاتى فيما بعد، وجاء اختيارى (للرنك) المملوكى.. وهو الختم الذى كان يضعه سلاطين المماليك بأسمائهم على العمائر والأضرحة والقطع الفنية». كان صيف 2006 النقطة المحورية لـ«عزة» نحو التعمق فى الحلى المستوحاة من فترة المماليك من خلال لقائها بالدكتورة أمينة عبدالبر التى اقترحت عليها الدخول فى مشروع لترميم المنابر المملوكية التى سُرق العديد منها على مدار السنوات، من خلال تصميم قطعة من الحلى يُخصص جزء من ربحها لصالح ترميم هذا التراث. وتوضح: «تفتحت عيونى على أشدها وأصبحت كلى آذانا صاغية وأحسست أن هناك إشارات فوقية تدفعنى إلى البدء فى هذه المجموعة المملوكية». والمجموعة المملوكية يمكن اعتبارها نتاجًا لخطوات من البحث الطويل قامت به عزة فهمى فى سبيل ظهور تلك المجموعة البديعة للوجود حتى ترتديها النساء فيما بعد وبداخلهن شعور بالفخر لهذا التاريخ العريق.. فمن القطع البديعة لتلك المجموعة: سوار قلاوون الذى تم تصميمه تحية لروح الكاتب المصرى جمال الغيطانى صاحب الفضل الأول فى تعريف عزة فهمى بالقاهرة الإسلامية وعصر المماليك، واستوحى التصميم من الرسومات الموجودة على لوحة الفسيفساء الرخامية ذات الطابع الديناميكى الحديث والموجودة فى قبة السلطان المنصور قلاوون.. وتم نقشه بكلمات الغيطانى حول دائرته «فلم يكن رحيلى إلا بحثاً عنى ولم تكن هجرتى إلا منى وفىّ وإلىّ». أما حلق الجاشنكير فتم تصميمه على شكل واحد من الاشكال البسيطة الأكثر استخداماُ فى الفن المعمارى المملوكى، وهى نجمة ثمانية الشكل ذات خطوط مستوحاة من اللوحات الرخامية الموجودة على جدران قبة السلطان «بيبرس الجاشنكير» الملحق بـ «الخانقاه» - وهو مكان لإقامة الصوفيين-. واستوحى تصميم خاتم شجرة الدر من النقوش الأساسية المستخدمة فى كل قباب القاهرة، وحمل الخاتم اسم السلطانة شجرة الدر والتى كانت أول حاكم مملوكى بعد وفاة زوجها السلطان نجم الدين أيوب والتى أقامت له قبة مخصوصة بداخل مدرسته فى قلب المدينة، لترسى بذلك تقليدا معماريا جديدا أصبح فيما بعد من المعالم الرئيسية فى سماء القاهرة. وتم نقش سوار قلاوون ومزهر بكلمات الشاعر الفارسى «شمس التبريزى» (سلاماً على الذين يزهرون القلوب اذا نزلوا بها).. يضم السوار تكوينين من الرسومات، الأول رسم مستوحى من محراب قبة السلطان قلاوون المصنوع من الرخام والصدف.. والثانى مستوحى من رسم النجمة الاثنى عشرية المزينة بالفسيفساء الموجودة فى منبر مدرسة القاضى أبو بكر بن مزهر.
أما خاتم المؤيد فامتاز مثل تصميم مآذن المماليك بالثراء والأناقة، فزُينت بالنوافذ والأعمدة والنقوش المختلفة، واستمد تصميم هذا الخاتم من تلك المآذن التى تعكس تصميمات مبتكرة وغير تقليدية خاصة تلك المنحوتة على جسم مئذنتى جامع «السلطان المؤيد شيخ» فقد وضع السلطان مئذنته أعلى باب زويلة والتى أصبحت اليوم تلك البوابة والمئذنتان من المعالم المهمة فى سماء المدينة التاريخية. ويجمع سوار بيبرس - قايتباى بين تراث دولتى المماليك البحرية والبرجية وطراز قرنين من الفنون والإبداعات.. فهو مستوحى من النحت الحجرى الموجود بعتب مدرسة الظاهر بيبرس فى منطقة بين القصرين، وأخرى موجودة فى عتب السلطان الأشرف قايتباى بجوار جامع الأزهر. عندما بنيت مدرسة السلطان حسن، كانت تعد أكبر جامع فى العالم، والتى كانت تحتوى «إيوان القلبة» على العديد من العناصر المعمارية الفريدة مثل المحراب والمنبر والدكة التى صُنعت جميعها من الرخام لهذا استوحى تصميم عقد السلطان حسن من تصميمات الرخام التى تغطى أرضية حوش هذا الجامع العظيم. وعن عقد المقرنصات فهو محفور بثقوب مستوحاة من فن الأرابيسك الموجودة على مطرقة باب السلطان حسن، أما النهايات فاستمدت خطوطها من رسومات محراب إيوان القبلة لمدرسة السلطان.. وكان مصدر الإلهام لهذا العقد هو شكل المقرنصات - وهو عنصر زخرفى منحوت من الحجر على شكل خلية النحل - والذى كان يعد أحد العناصر المعمارية المستخدمة فى عمارة المماليك وخاصة تلك الموجودة بجوار القلعة. غادة سويلم