مهما صعدت أسهم السياسة وهبطت، يبقى العامل الاقتصادي هو التحدي الأكبر أمام الثورة التونسية والحكومة الجديدة. فليس من باب العبث أن تنطلق شرارة الثورة التونسية من المناطق الداخلية المتشحة بالفقر والإهمال وسوء الحال الاقتصادية والبطالة المتفشية بين شبابها. كما أنه ليس من المصادفة امتداد هذه الثورة إلى كبريات المدن التونسية وفي مقدمتها العاصمة، لما يعتملها من أوضاع متردية لا تقل سوءًا عن المناطق المهمشة.
الخبير الاقتصاد الاجتماعي، الدكتور عبد الجليل البدوي، هون من خطورة الوضع الاقتصادي وخسارة تونس في هذا المجال، رغم ارتفاع الديون إلى 60%، دون احتساب الفوائض. وقال: «عندما يقوم الشعب بثورة من الصعب الحديث عن خسارة، فالثورة كلها ربح، لأنها تفتح آفاقا جديدة وعديدة لتطور المجتمع. هذا بحد ذاته ربح، ومن يرى العكس فهو يرى الخسائر العاجلة».
لكنه استدرك «الانتقال بالطبع له كلفته، كبيرة في بعض الحالات ومعقولة أحيانا. أنا كمختص اعتبر أن خسارة تونس الاقتصادية معقولة إلى حد الآن، ومثال على ذلك ما يحدث في ليبيا، فالمجتمع والاقتصاد دمرا تماما حتى أصبح من الصعب تحديد الخسارة، كما أن المجال لا يسمح لنا بالرجوع إلى الثورة الفرنسية وما كلفتهم من خسائر جسيمة.«
ويرى البدوي أن الثورة بالمعنى التاريخي في تونس لم تعطل الحياة، فحركة النقل سائرة والمرافق الأساسية تواصل أعمالها، إذ لم نشهد انقطاع كهرباء أو ماء، كذلك شهدنا استمرار القطاع الصحي. باختصار ما حدث ويحدث هو طبيعي للانتقال الديمقراطي.
لكن البدوي يرى الخطورة من زاوية أخرى: «المقلق هو بروز ثقافة الغنيمة، وكأن الثورة قامت أيام الغزوات والفتوحات. هناك وللأسف جانب من الشعب التونسي تصرف بهذه الثقافة ونسوا، لأن الثورة بمفهومها الشامل والعميق تفتح صفحة بيضاء وآفاقا جديدة ونتائجها طويلة المدى وإلا لن تكون ثورة». ودلل على ذلك بطريقة الحكومة الجديدة في «اقتسام الغنيمة والصراع على الحقائب الوزارية».
لهذا، لم يزل حلم الشباب التونسي في مستقبل جميل بعد التحقق أمام الإحباطات المتواترة الناتجة عن الاعتصامات وتزايد نسبة البطالة. ويؤكد المحلل السياسي، زهير مخلوف، أن خسارة تونس الاجتماعية في هذا الصدد كانت كبيرة، بخسارة اليد العاملة التي فقدت أعمالها في المصانع والورش والضيعات الفلاحية، والمحال التجارية.
ويقول «مخلوف»: «إذا اعتبرنا أن نسبة الفقر التي تم الإعلان عنها بعد 14 يناير تناهز 24.7% مقابل ما كان يعلن عنه نظام بن علي وهو 3% فإن نسبة الفقر الحقيقية في صعود مستمر، نظرًا إلى انسداد أفق الشغل وغلاء المعيشة وعدم الرعاية الصحية المجانية، إلا لفئة صغيرة كانت تدعم مجانيا خلال النظام البائد، بينما نجد النسبة التي تحتاج إلى الدعم الاجتماعي والصحي والمؤازرة أكبر مما كان يعلن عنه سابقا».
من جانبه، قال وزير العدل الحالي، نور الدين البحيري، والناطق باسم حركة «النهضة» سابقًا، إن حركة «النهضة» وعدت في برنامجها الاقتصادي بإمكانية رفع نسبة النمو ما بين 5 و 6 % في ظرف سنة واحدة واستيعاب أكثر من 300 ألف عاطل عن العمل، وبأن النمو المنشود سيتحقق من خلال الاستثمار في البنى الأساسية، وتعزيز دور الاستهلاك الداخلي، في دعم ميزانية الدولة ودعم الاستقرار ومنح الامتيازات بما يمكن من استقطاب الاستثمارات الأجنبية.
وفي النهاية، ترى الأمينة العامة للحزب الديمقراطي التقدمي، مية الجريبي، ضرورة ألا ننسى أن للثورة ثمنًا، و«ثمن الثورة التونسية هو هذه الأزمة الاقتصادية العاصفة وهذه الصعوبات الاجتماعية التي لا يجب أن تتنامى، حتى تتجسد المكاسب».