لأن منطقتهم ارتبطت فى أذهان النظام السابق وقياداته بالعنف والعشوائية، قرر أهالى إمبابة، تحديداً فى منطقة عزبة الصعايدة، تجميل جدران شارع شهيد الثورة محمد نصر عبدالعظيم أو «سيد عبيد» سابقاً، برسوم الفن التشكيلى، لتغيير مفهوم العشوائية والطائفية المأخوذ عن المكان، وشارك فى المشروع الذى أطلقوا عليه «حكاية جدار» 140 بيتاً.
هنا فى المنطقة التى تحيطها الأسوار من ثلاثة اتجاهات عاش سكان المنطقة فى حالة نفسية سيئة، لشعورهم بأنهم محبوسون خلف أسوار المصانع والسكة الحديد، كما أنهم مطاردون من رجال الشرطة باعتبارهم سكان العشوائيات.. أسامة عبدالحق، أحد سكان المنطقة هو صاحب فكرة تجميل الشارع: «كانت البداية عقب أحداث حرق الكنيسة بإمبابة والتى استغلها الكثيرون لإشاعة الفتنة الطائفية والتحدث عن وجود تيارات دينية فى عشوائيات إمبابة لتشويه صورة مصر وعدم استقرارها».
وأضاف: «عملنا اجتماعا عاجلا فى الحارة وخرجنا منه بقرار عمل مشروع تكافل اجتماعى لسكان الشارع، عن طريق جمع جنيه واحد من كل شقة كل شهر، للمساهمة فى جمع رواتب شهرية لكبار السن وتزويج الفتيات غير القادرات، وسيتم إنشاء مشروع لتشغيل شباب الحارة، كما اشترينا سلالاً للقمامة ووضعناها أمام كل بيت ليس لسكان الشارع بل لإجبار المارين فى الشارع على عدم إلقاء القمامة على الأرض.
أما مشروع «حكاية جدار» أو الرسم على جدران الشارع فجاء نتيجة معرفة أسامة بأحد الفنانين التشكيليين الذى وجد فى المشروع منفعة عامة وسلاحا ذا حدين، الأول هو تجميل وتنظيف الشارع بالرسوم التشكيلية، والثانى هو أن معظم الفنانين التشكيليين يحلمون بخروج أعمالهم من المرسم إلى الواقع.
وقال: «اشترك فى رسم حوائط الشارع أكثر من 50 فناناً من ائتلاف شباب التشكيليين فى مدة حوالى شهر، رسموا أشكالاً مختلفة من واقع كل بيت، فالمسجد مثلاً كتبوا عليه لفظ الجلالة، والبيوت رسموا عليها حياة أهلها سواء صعايدة أو نوبيون، كما رسموا صورة الشهيد محمد نصر على جدار بيته، وهناك أيضاً «زريبة» فى الشارع رسموا على جدارنها جاموساً وأبقاراً، واستخدموا كل ما لديهم من رسومات تعبيرية وتجريدية لتحكى الرسوم عن الحارة، بعدها وقعوا جميعاً على حائط فى آخر الشارع».
وتابع: «كل بيت فى الحارة شارك فى العمل بالمياه والأكل والمساعدات، حتى الأطفال كان لهم دور كبير بدأ من حراسة الألوان والفرش وصرفها من المخازن، وتنظيف الحوائط من الأتربة، والرسم والتلوين، وهناك حائط خاص فى الشارع رسمه الأطفال بأيديهم الصغيرة» .
محمود حمادة «12 عاماً» أحد الأطفال الذين شاركوا فى الرسم قال: «أنا فخور بأنى من شارع الشهيد من إمبابة وأول حاجة هعملها بعد ما أدخل المدرسة هرسم لوحة حائط فيها شارعنا بعد تجميله، وده لأننا اشتركنا مع الرسامين فى رسم حوائط الشارع، كانوا بيحطولنا الخطوط العريضة ويتركولنا التلوين، الحمد لله كان الرسم بعد الامتحانات، كنا بنرسم 3 مرات فى الأسبوع 6 ساعات فى اليوم، وكل ما نتعب كنا بنريح شوية وبعدين نشتغل تانى».
لم تكن تلك هى المحطة الأخيرة لـ«حكاية جدار»، حيث قرر أسامة وفريق العمل من الرسامين التشكيليين أن يسافروا إلى جميع محافظات ومناطق مصر العشوائية لتجميلها وتغيير صورة مصر أمام العالم كله.